يُفهم من سلسلة التقارير أن إسرائيل تواصل الهجوم مؤخراً بل وبقوة مضاعفة، على قوات إيرانية وبنى تحتية في سوريا. وتصف وسائل الإعلام توسع هذه الهجمات أنه تواصل للحرب ما بين الحروب، الحملة التي تسحق فيها إسرائيل القدرات المتطورة لأعدائها كي تكون جاهزة على نحو أفضل عند نشوب الصراع المسلح التالي.
في مقابلة مع رئيس الأركان الفريق غادي آيزنكوت، في كانون الأول 2018، قبل اعتزاله، اعترف بأن إسرائيل هاجمت، في أثناء ولايته، آلاف الأهداف في سوريا ودمرتها، بينما لم تتحمل المسؤولية إلا في حالات قليلة. وكان التركيز، حتى وقت أخير مضى، على مسألة متى وأين هاجمت إسرائيل وليس ما الذي دمر. هذه الحقيقة تبدأ بالتغير مؤخراً.
ليس صعباً بالطبع تحديد مكان الهجمات: غالبيتها الساحقة في سوريا، الدولة التي هي في وضع من الفوضى بعد سنوات من الحرب الأهلية، وهي الآن عرضة لأزمة كورونا أيضاً. تواصل إيران استغلال الفوضى وتنشر القوات والسلاح في الدولة، في محاولة لمواجهة مع إسرائيل. ويتضمن الأمر قوات عسكرية وميليشيا شيعية، ووسائل قتالية متطورة وفتاكة.
وفقاً للتحليل الذي أجرته هيئة الأركان برئاسة الفريق أفيف كوخافي قبيل تفعيل الخطة الخماسية “تنوفا” (قبل أزمة كورونا)، فإن القلق الأعلى للجيش الإسرائيلي، الثاني لتهديد النووي الإيراني، الذي يبدو أنه تلقى أيضاً ضربات قاسية في الوقت الأخير، هو معالجة الأعمال الإيرانية لإدخال قدرات صاروخية موجهة دقيقة للساحة الشمالية، وعلى ما يبدو الجنوبية أيضاً مستقبلاً.
لقد بدأ برنامج الصواريخ الإيراني في أثناء الحرب الإيرانية – العراقية (1980 – 1988)، عندما كانت القوات الإيرانية ومواطنو الدولة عرضة للصواريخ العراقية بشكل مستمر. وبحثاً عن قدرات مشابهة، قاد من كان في حينه الناطق بلسان المجلس رفسنجاني، تلك الجهود للحصول على صواريخ من ليبيا وسوريا وكوريا الشمالية.
في العام 1985 اشترت إيران “سكود بي” الأول لها من ليبيا. ومنذئذ، طورت الجمهورية الإسلامية قدرات إضافية بمعونة الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، والباكستان. لعبت الصين وروسيا دوراً مركزياً في المساعدة للحصول على محركات الصواريخ (السائلة والصلبة)، بينما زودت كوريا الشمالية إيران بصواريخ باليستية كاملة مثل عائلة “رودونغ”.
عندما جمعت إيران ما يكفي من القدرة التكنولوجية والإنتاج، بدأت تصدر المعرفة، وقطع الغيار، بل وأحياناً الصواريخ نفسها، لحلفائها في الشرق الأوسط. وقد سلحت بالأساس حماس وحزب الله بجملة من الصواريخ ذات القدرات المتنوعة، ولكن ليس بعد بالصواريخ الدقيقة. وكان الهدف هو إغراق إسرائيل بموجات من الصواريخ تشل حركتها، ولكن إسرائيل طورت بالتوازي دفاعاً فاعلاً عطل جزءاً كبيراً من التهديد.
وللإحباط الذي شعروا به جراء التكنولوجيا الإسرائيلية، بدأ الإيرانيون بتصدير سلاح موجه دقيق أيضاً في العام 2013، انطلاقاً من التفكير بأن ستكون لهذا السلاح قدرات للتغلب على بعض من منظومات الدفاع القائمة في إسرائيل. ويدور الحديث عن سلاح ذي قدرة إصابة بدقة نحو عشرة أمتار عن الهدف المخصص، وهذه دقة فتاكة تمثل ما تسميه إسرائيل بسلاح “محطم للتعادل”، الذي تعتزم منعه عن حزب الله بكل ثمن.
لقد فهم زعماء إيران في حينه القدرة التي يوفرها السلاح الدقيق، ولا سيما حقيقة أنه يعطي مجموعة إرهابية ليست بدولة، مثل حزب الله، وسائل الحصول على قدرة تشبه التفوق الجوي، بلا قواعد جوية أو طائرات قتالية. إن نقل مثل هذه التكنولوجيا للإرهابيين هو خرق عظيم لكل المعايير القائمة في العالم. لا توجد لدى أي مجموعة إرهابية أخرى في العالم مثل هذه السياسة وتكنولوجيا السلاح الدقيق، بما في ذلك القدرات الاستخبارية والتوجيه المرافق.
انطلاقاً من الوعي بالخطر، قررت إسرائيل مهاجمة برنامج الصواريخ الدقيقة في كل مكان وكل زمان. وهذا يشرح قرار إيران في 2016 تغيير نهجها ووقف نقل الصواريخ الكاملة، التي أحبطتها إسرائيل في معظم الحالات والانتقال بدلاً من هذا إلى تطوير قدرات بتحويل الصواريخ غير الدقيقة إلى صواريخ موجهة دقيقة. وبدأت إيران نقل القطع الاصغر (التوجيه، الاجنحة، القيادة والرقابة وغيرها) اللازمة للتحويل، عبر سوريا إلى حزب الله. وبنت إيران جملة واسعة من مسارات التهريب من سوريا إلى لبنان (في الجو والبر والبحر) لتفادي الإحباط الإسرائيلي.
كانت إسرائيل في الماضي غامضة عن عمد بالنسبة للأهداف التي تهاجمها، ولكنها تبنت مؤخراً استراتيجية جديدة، تكشف برنامج الصواريخ الدقيقة لحزب الله وتدعي صراحة بأن إيران مسؤولة عن هذا الانتشار الخطير إلى المنطقة. وفي السنة الماضية، كشف رئيس الوزراء نتنياهو عن موقع لإنتاج PGM في لبنان. وأغلق هذا الموقع منذئذ، ولكن ينبغي الافتراض بأن إيران أقامت وبنجاح منشآت إنتاج جديدة في دولة الأرز.
حتى كانون الثاني الماضي، قاد الحرس الثوري الإيراني الخطوة بقيادة قاسم سليماني، الذي حيده هجوم بطائرات مسيرة أمريكية. وتواصلت أعمال التهريب منذئذ بدونه أيضاً، ومعها كذلك الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل. مع كل تهريب وهجوم يتسع الاحتمال الكامل للاشتعال.
ليس لإسرائيل شركاء مصداقون لإخراج القوات الإيرانية والصواريخ الدقيقة ومنشآت إنتاجها من سوريا ولبنان. تبذل إسرائيل وتواصل بذل جهد جم كي تقنع الروس بأن إخراج الإيرانيين من سوريا هو مصلحة روسية، وأوضحت للرئيس بوتين ولدائرته الداخلية بأن طالما تواصل تهديد الصواريخ الدقيقة، فلن يكون في سوريا استقرار، وكل الاستثمار الروسي في الدولة سيضيع هباء. هذا الموضوع هو مصدر متواصل للتوتر بين طهران وموسكو، ولكن الروس لا يعملون بتصميم لإخراج الإيرانيين من سوريا.
في لبنان يرتفع التوتر، فالدولة على شفا انهيار اقتصادي وقد تغرقها الفوضى في كل لحظة. تفهم القيادة اللبنانية، مهما كانت فاسدة، بأن الأمر الأخير الذي تحتاجه الدولة الآن هو حرب أخرى، ولكن ليس واضحاً إذا كانت لديهم القوة للتصدي لحزب الله وإيران.
في ضوء التحذيرات الإسرائيلية المتصاعدة، من المهم أن يلعب تهديد الصواريخ الدقيقة دوراً مركزياً في المداولات المقتربة في الأمم المتحدة (تشرين الأول) على رفع حظر السلاح عن إيران. كما أنه يمكن أن يلعب دوراً في المداولات على المساعدة المالية التي يطلب لبنان تلقيها من العالم. ومع ذلك، فليس من غير المعقول أن تقرر إسرائيل تحييد هذا التهديد الكبير قبل أن يحصل هذان الأمران. فتهديد الصواريخ الدقيقة يقترب من نقطة قرار قد يشعل كل الشرق الأوسط. والأحداث الأخيرة هي مجرد مؤشر على أمر قد يؤدي إلى مواجهة محتمة.
بقلم: يعقوب نيجل ويونتان شنزر
إسرائيل اليوم 14/7/2020