بعد وقت قصير من عودته الى الصين يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، زيارة عاجلة الى روسيا للقاء الرئيس بوتين. خلفية هذا اللقاء يقظة كبيرة في النشاط حول الموضوع السوري، بما في ذلك تنفيذ هجمات ضد أهداف في سوريا، تعزى لاسرائيل؛ زيارات في روسيا لمسؤولين كبار من الدول الغربية؛ وبيان من روسيا حول نيتها توريد صواريخ اس 300 لسوريا. مما أحدث العناوين الرئيسية الكبرى. وسبقت زيارة رئيس الوزراء الحالية اتصالات بين روسيا واسرائيل، وعلى رأسها مكالمة بينه وبين الرئيس بوتين، الامر الذي يثير التساؤلات حول سبب الزيارة هل هو بالفعل موضوع صواريخ اس 300 آنفة الذكر. وبالمقابل، جرت هذه الايام زيارات لشخصيات رفيعة المستوى الى موسكو. حيث زارها وزير الخارجية الامريكي جون كيري، ولاحقا رئيس الوزراء البريطاني دافيد كمرون. وكان الموضوع المركزي لمحادثاتهما مع بوتين ومع وزير الخارجية لافروف، هو الموضوع السوري. وبالفعل، واضحة للعيان نشاطات حثيثة حول الموضوع السوري تقوم بها القوى العظمى الغربية واسرائيل حيال روسيا بالذات. فماذا يعني هذا؟
منذ بداية الحرب الاهلية في سوريا، تحولت روسيا بالتدريج الى لاعب رائد في الجبهة السورية، يجسد استراتيجية منع التدخل الاجنبي من الخارج (بادوات سياسية وعسكرية)، استراتيجية تتيح للاسد قدرة افضل لصد قوات الثوار. وتستخدم هذه الاستراتيجية عمليا كرافعة ضغوط على اللاعبين الدوليين والاقليميين الاخرين (الولايات المتحدة والناتو من جهة وتركيا ومحافل المحور السني من الجهة الاخرى). وبالتوازي مع هذه النشاطات المذكورة، تنكب روسيا على حث بدائل لايجاد تسوية في الموضوع السوري، بدائل تضمن مكانتها المستقبلية في الشرق الاوسط، الى جانب بقاء المحور الراديكالي ايران، سوريا وحزب الله باسنادها. وفضلا عن ذلك، تستغل روسيا ‘الرافعة’ السورية لتحقيق حلول حيوية لها في الساحة العالمية، في الاحتكاك الذي بينها وبين الغرب (والتي تتضمن قائمة طويلة من المسائل).
ولكن حتى الان، وان كانت واضحة للعيان انجازات روسيا في سياستها في سوريا، فانها لم تنجح بعد في انتزاع تنازلات غربية هامة بشأن شروط التسوية التي تقترحها في هذه الدولة حتى وقت أخير مضى على الاقل. والان يتبين أن التطورات الاخيرة تدفع الدول الغربية، اغلب الظن، الى اعادة النظر في مواقفها غير المساومة تجاه فهم روسيا للتسوية المستقبلية في سوريا. وفي هذا السياق تطرح تساؤلات حول قدرة الثوار في التغلب على النظام دون مساعدة عسكرية حقيقية من الخارج، الامر الذي يبدو الان عمليا أقل فأقل، الى جانب عدم الارتياح من مسيرة الاسلمة المتصاعدة في أوساط معسكر المعارضة السورية.
وبالفعل، ليس في هذا ما يكفي للاقتراب من الموقف المقترح من روسيا. وبروح هذه الامور تبدو أيضا النشاطات الهجومية المنسوبة لاسرائيل، والتي عرضها الروس كاعداد لخيار التدخل العسكري الخارجي في صالح الثوار، الامر الذي تعمل روسيا على منعه قدر المستطاع.
وعلى هذه الخلفية بدأت التطورات المذكورة الاخيرة. أولا، زيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري الى موسكو (7 8 ايار 2013)، حيث بحثت ضمن امور اخرى بتوسع المشكلة السورية، هذه المرة مع ميل اوضح مما كان في الماضي. وسبقت الزيارة مكالمات هاتفية بين الرئيس بوتين والرئيس اوباما، وزيارة المستشارة دونيلون الى موسكو، حيث رفع، على ما يبدو، رسائل من الرئيس اوباما حول الاستعداد الامريكي للتعاون في المسائل الحيوية لروسيا. وقد انتهت زيارة وزير الخارجية كيري، كما يبدو، بتحقيق تفاهمات حول سوريا، حيث بشر الطرفان رسميا بموافقتهما على انعقاد مؤتمر دولي للبحث في تسوية الامور في هذه الدولة. والنموذج المتبلور هو على ما يبدو اقامة حكومة انتقالية بمشاركة المعسكرين السوريين. وما ينشأ عن هذه الصورة، هو تنازل الولايات المتحدة عن رحيل الاسد كشرط لمواصلة المفاوضات، ولكن بالتوازي، استعداد روسيا ايضا للتنازل عن دعمها للاسد، لاحقا. كما اعلن عن اللقاءات المتوقعة بين الرئيسين بوتين واوباما (في اطار الثمانية الكبار في ايرلندا الشمالية في 17 18 حزيران 2013 ولاحقا في روسيا، في لقاء العشرين الكبار الذي سينعقد في ايلول 2013)، والتي يفترض أن تؤدي الى ترتيب جملة المواضيع غير المحلولة التي على جدول أعمالهم.
بعد خروج كيري، زار موسكو ايضا رئيس الوزراء البريطاني، دافيد كمرون، وهو الاخر بحث مع بوتين، ضمن باقي المواضيع، اساسا في الموضوع السوري وتناول بعطف فكرة المؤتمر الدولي المذكور، وعلى رأسها فكرة اقامة حكومة انتقالية سورية، كخطوة مناسبة. وعلم أن مثل هذا المؤتمر سينعقد بالفعل ما نهاية شهر ايار 2013. ولكن، بالنسبة للزيارتين ادعى الطرف الروسي، الذي رغم التفاهمات الطيبة التي تحققت في هذه المحادثات، بقيت الفوارق بين مواقف الاطراف كبيرة. وفي نفس الوقت، جرى الهجوم على الاهداف السورية، المنسوب كما يذكر الى اسرائيل.
بعد وقت قصير من ذاك الهجوم، نشر موضوع توريد صواريخ اس 300 الى سوريا، وبعد ذلك علم بالاتصالات التي اديرت بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس بوتين وعن النية لعقد زيارة في روسيا. وبالنسبة لامكانية تزويد سوريا بصواريخ اس 300 فان العقد في هذا الموضوع هو من العام 2010. ولكن الصواريخ لم تزود لسوريا، ولا حتى لايران، وذلك في اطار التفاهمات في هذه المسألة والتي كانت تحققت مع روسيا. وقد طرح الموضوع من جديد في صيف 2012، وفي حينه ايضا لم يخرج الى حيز التنفيذ. هناك من يقول، في اعقاب طلب اسرائيل (نذكر زيارة بوتين الى اسرائيل في حزيران 2012). تكرار الموضوع، مترافقا مع بيان، تهكمي بعض الشيء من وزير الخارجية الروسي، لافروف، بشأن عدم التوقيع على عقود جديدة لتوريد الصواريخ و ‘فقط’ تنفيذ تلك الموجودة، يثير التساؤل. فالنية الروسية هي أغلب الظن استخدام موضوع الصواريخ كرافعة ضغط لمنع التدخل العسكري الاجنبي في سوريا وكذا ايضا تحقيق تنازلات اخرى في المفاوضات مع الغرب حول بلورة تسوية في سوريا، في اطار المؤتمر المذكور.
لا ينبغي تجاهل نجاعة هذه الرافعة، والدليل هو الزيارات المذكورة لدى بوتين والتي تسمح له برفع مستوى مكانة روسيا في الجدال الدائر في الموضوع السوري.
كما ان زيارة نتنياهو الى روسيا ستبحث هي الاخرى الموضوع في ظل استعداد روسي لتنازلات مختلفة، وعلى رأسها في مسألة الصواريخ، ولكن واضح أن مثل هذه الامور لا تتم بدون مقابل.
تسفي مغين
نظرة عليا – مقال – 16/5/2013
ألم يكن من المنطقي لو أن بشار الأسد حقق مطلب أشراف درعا بالإفراج عن الطفل الشهيد حمزة الخطيب بدلاً من سلخ جلده وقتله وإهانة أهل درعا ومن ثم دكها بالمدافع والدبابات والطائرات وصواريخ سكود، هل كان أطفال درعا من القاعدة أم من هم أرهابيون، أين كانت جبهة النصرة والجهاديين حينها، هل تخاف عصابات تتألف من سبعين فرع أمني وفرقة رابعة وحرس جمهوري وقطعان الشبيحة من طفل لم يتجاوز الثلاثة عشر سنة؟ المظاهرات التي خرجت لسبعة أشهر كانت سلمية وطالبت في بدايتها بالإصلاح ولكن من رضع الخيانة أباً عن جدٍ كان يخطط لشيء آخر. أليست ردة فعله هذه دليل واضح وضوح الشمس على أنه كان ينتظر مع قطعانه هذه الحجة بفارغ الصبر لينفثوا حقدهم وغلهم ويدمروا سوريا أرضاً وشعباً ويسلموا ما تبقى منها الى اسرائيل لتصبح من الفرات الى النيل. أليس هذا دليلاً آخر على أن حافظ أسد صهيوني قدم هو ووريثه خدمات للصهيونية لم تكن لتحلم بها؛ من تسليم الجولان وحماية حدود إسرائيل لـ ٤٠ عاماً، إلى ملاحقة المقاومة الفلسطينية في سوريا ولبنان وحتى في الأردن، أليس موقف الحكومة الامريكية الذي تمسك به كيري نابع من مصلحة اسرائيل وينتظر من بشار أسد مزيداً من التدمير والخراب ونشر القاعدة في سوريا حتى يعطي اسرائيل المبرر لاجتياح دمشق كما اجتاحت بيروت؟ أي مقاومة وأي ممانعة وأي صمود ضحكوا علينا بهم عقود تنتهي بالتمهيد لاسرائيل للوصول الى حلمها على ضفاف الفرات –