الصورة من الغرب

حجم الخط
1

بعد تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن تهديداتها بتوجيه ضربة عسكرية محدودة لسورية تراوحت ردود فعل النخب العربية المؤيدة للضربة بين مستنكر مشكك وبين مصطدوم مخدوع. المشكك تعلوه بسمة خبيثة كمن يريد أن نؤكد له صحة توقعاته بأن الغرب لم يكن يفتش إلا عن حجة لكي لا يضرب ولكي ينسحب من معركة لا ناقة له فيها ولا جمل. فجاء الاتفاق الكيميائي لكي يمنحه هذه الحجة. أما المخدوع فقد شعر بالخيانة الزوجية لا أقل من ذلك. إذ كيف يعقل للزوج ألا يقوم بالدفاع عن زوجته التي لم تظهر له غير الود والإنسجام والخدمات الجلّى التي يطلبها أو حتى التي يتمناها بغير طلب.
بين التيارين قاسم مشترك واحد. فالإثنان يظنان أن سبب التراجع الأمريكي موجود فيهما. لم يلامسهما شك بذلك. الأول يعتقد بأن بلادنا لا تهم العم سام لا من قريب ولا من بعيد. أقله اليوم. لا مصالح له في سورية حسب هؤلاء المحللين. أما التيار الثاني فيستنكر وقوف الولايات المتحدة الأمريكية ضد ذاتها في منطقة الشرق الأوسط. فبالرغم من جمال العروس يتمنع العم سام عنها لأمر غير مفهوم بالنسبة له إن لم يكن بسبب بعض الغباء والحسابات الضيقة.
طبعا يمكن أن نفترض أن خلف هذه التفسيرات صورة عن الغرب لا تعكس غير ما كان الغرب الرأسمالي نفسه يسوّق عن نفسه طيلة العقود الأخيرة التي تلت انهيار الإتحاد السوفياتي. الصورة هي صورة البطل المارد الذي لا عدو له. أو إذا وجد فهو مغلوب خلقة. صورة البطل السوبرمان الذي لا يمرض ولا يعجز ولا يموت. صورة النظام الأبدي الذي بالكاد يتثاقل أو يتعب حتى يتناسل من جديد. هو الأصل وهو المراد والطلب. ولقد صدّق بعض العقل العربي هذه الصورة . وللمفارقة فإن هذا البعض ليس إلا بعض من كان إلى الأمس لا يصدق أو لا يبشر إلا بعكس هذه الصورة تماماً.
لكن ماذا لو كان العريس يحب العروس كثيرا وله بها ولع شديد ومصالح وأطماع ويود من كل قلبه أن يأتي إلى لقياها والدفاع عنها حتى الرمق الأخير؟ وماذا لو لم يكن يفتش عن ذريعة لكي يتهرب ؟ ماذا لوكان في وضع لا يشبه الصورة التي أراد أن نحفظها عنه؟ ماذا لو كان الذي يقف خلف صورة هذا الشاب الأشبهي الجميل النضر شيخاً أعيته السنون وأثخنته الجراح ؟
بعد اسبوعين او بالكاد على الاتفاق الروسي-الأمريكي حول سورية ووقف التهديدات بالضربة وقف الرئيس باراك أوباما أمام الصحافيين ليرغي ويزبد ضد حزب الجمهوريين في بلاده لأنهم منعوا التصديق على الموازنة حارمين الادارة الامريكية من الوسائل المالية الأولية لدفع الأجور والمصاريف العادية الجارية. واحتار كيف يرسل ما يطمئن الشركاء قبل الأعداء. فالجمهوريون لن يصوتوا بعد أقل من اسبوع على رفع سقف الإستدانة التي يسمح بها قانوناً للإدارة.
الديون وصلت الى سقف 16 تريليون دولاراً وبضعة براغيت من المليارات (700 مليار). وتحتاج الإدارة إلى إذن دستوري من الكونغرس لكي ترفع سقف الإستدانة إلى ما يزيد عن الألف مليار إضافيين. الأرقام طبعا خيالية. توجهت إلى صديق مختص أسأله الترجمة إلى لغتنا نحن البشر العاديين. تصوري لو أن مصرفياً،أجابني، أستقبل زبوناً مهما لديه يطلب رفع سقف استدانته من البنك علماً أن ديونه وصلت فقط إلى حوالي نصف مداخيله، فهل يملك المصرفي إذ ذاك غير تطبيق القانون الذي يجيز له في هذه الحالة أن يسترد ديونه عبر وضع ممتلكات الزبون في المزاد العلني بعد الطلب من المحكمة إعلان إفلاسه في السوق ؟
هذا إذا كان الزبون فرداً عادياً وإذا كانت الديون تمثل فقط نصف الدخل فكيف إذا كان الزبون دولة بوزن الولايات المتحدة وديونها تعدت ضعفا ونصف ضعف مداخيلها؟ حال هذا البلد العظيم الصورة كحال التاجر الذي بدأ بالغرق ولم يعد يملك غير الاستدانة على حساب الموجودات (الإرث والأملاك) كضمانة وحيدة. كل محاولات تغيير الوجهة من قبل رؤساء وإدارات الولايات المتحدة قد باءت بالفشل منذ عقود طويلة. الوسيلة الوحيدة المتبقية هي الديون بل المزيد من الديون. أما عن سبب عدم الإعلان عن الإفلاس الحقيقي فيسأل عنه زنود الإمبراطورية المتبقية من أيام عزها من جهة وسياسة أصحاب الدين الذين يكثرون منه لكي يحكموا سيطرتهم على اقتصادها وشرايينها من جهة اخرى.
طبعاً هذا لا يعني انهيارا آليا مباشرا للأمبراطورية الأمريكية وذوبانها بين ليلة وضحاها. لكن المؤكد ان الاتجاه العام ليس مطمئناً بالنسبة لها. فبعد قيام الامبراطورية بنقل صناعاتها الكبرى الى الصين وبقية الدول الصاعدة بهدف خفض الأكلاف ورفع الهوامش أصبح المصير مرسوماً بوضوح وما كتب قد كتب. الأزمة الفعلية اليوم ليست مجرد خلاف تقني بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، وليست تعبيراً عن مشكلة ظرفية في خط بيان الإقتصاد بل عن بنية شاخت ولا رجعة في ذلك.
بانتظار ما سيحصل علينا ان نعرف أن الأزمة الحالية سببت، إلى ما سببته من انقطاع للأجور وصرف مئات آلاف الموظفين، توقيف 400 ألف موظف عن العمل جزئياً في الإدارات التابعة للبنتاغون. وفجأة وجدت وزارة الدفاع نفسها بدون سيولة لكي تقوم بعمليات المراقبة المعتادة والفحوصات الضرورية. كما قادت غالبية المؤسسات الإقتصادية العاملة أساساً لمصلحة وزارة الدفاع إلى التوقف الجزئي عن العمل وتصريف الآلاف من العمل.
الصورة من عند الإمبراطورية مختلفة إذن عن الصورة من عند الذي يراها في بلادنا. فأصحاب النصائح الذين يريدون من الأمريكي التدخل عسكرياً في بلادنا بعد أن قرر الخروج بسلام إثر خسارة اربعة تريليونات دولار على ديمقراطية العراق وإفغانستان لن يلقوا بالتأكيد آذاناً صاغية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فرید زرگانی:

    شکرآ للمقا ل رایع یا استا ده …من اکبر العیوب عند تعا مل مع الغیر عد م وجود نظره و نظر و لا ستفا د ه من الاحسا س بلاخص فی لسیاسه لازم ننظر للغر ب بعیون عربیه و لبس کما هم ینظرون اول کل شیی هیه لثقا فه لغربیه ونسآ ل هل الثقا فه لغربیه تطبق و تکون زوج او (زوجه) لثقا فتنه ؟ ما منتج من هذا زواج الثقا فی؟ هل جیل صا عد و متحمس للا داب لقومیه و حتی (لوطنیه) و ترقی و لدیمقرا طیه ثم التنا فس مع لموجه الی جا یه که عصا ر سنا می ما د فا عنا عن نفسنآ؟ ( اعصا ر و فوضه فی لوطن لعربی و نحن نسمی ربیع العربی !) هم بعیون عربیه نظر نا الی هذا الا عصا ر و مبد آ حر کته و عا مل تحرکو؟ ( ربیع لعربی فی وطن العربی که صب الماء فی معسکر النمل کل واحد منا ها ر ب و قا د م علی طریقته ) احزاب, کتل سیاسیه, تکفیر تخریب تهدیم قتل…( نتایج لفوضه ولیس ثورات ) ثورات عنده قا ده مفکرین و اسلو ب علمی اجتما عی خا ص ای ثوره بلعا لم قتلت شعب او هد مت وطن؟؟؟ بل بنت انسا ن و وطن ای نوع من ثورا ت ( ثوره اقتصا د یه (( چین ,کره, یا با ن )) ثوره اجتما عیه من ثورت فرا نسه الی لیوم (( دول اروبا لشر قیه, ایران )) و ربیع مد مر یسمی ثوره) استا ده الکریمه نعم……….لغرب لیس من عشا ق لعرب که یتعا ون مع شعب العربی لبناء دیمقرا طیه او حتی بناء جد ران ا قتصا دی وا حد للعرب !!یحرک تفکیر الحجری و یبنی تفکیرن لصا لحه ( القا عد ه و او لاده ) و یخلق اسلا م فوبیا من جهه و بعبع الی تخو یف العرب اسمه ( ایرا ن , شیعی, سنیع و اثا رت الفتن التا ریخیه ) سنا می استعما ر بوجه جدید ( بنت جمیلته الاو صا ف الکل یعشقهه) فقط نظر بعیون عربیه نشا هد ان هذ ا الفتا ت عجوزه و کریهت المنظر و سا حره بمکیا ج غربی !استا ده لکریمه فی ظر ف اقل من عا مین امریکا باعت 140 م دولا ر اسلحه علی لعرب ( کی یحا ر ب مو جو دا ت تهجم علیهم من غیر کرا ت او ارض الوقواق) بعد کم سنه سمسا ر سو ق الخر ده ما یشتریهه ) من بعد هذ ا لکل ربما ا ننا مبتلین به رمد ه فی لعیون او الی حد الا د نی نقو ل خیر ما نتکلم و اغبی ما نفعل !!!!!! شکرآ

إشترك في قائمتنا البريدية