الصويرة مدينة القراصنة وتراث الإنسانية

سعيد المرابط
حجم الخط
0

الرباط-“القدس العربي”:الصويرة، اللؤلؤة الساحلية المغربية، المغمورة بمياه المحيط الأطلسي، والتي تجتاحها الرياح التجارية وتغلب عليها المدن الإمبراطورية في الشمال، تعرف بجمالها الساحر الناتج عن تاريخها المحموم.

مناخها المعتدل على مدار العام؛ كان موضع تقدير كبير بالفعل في العصور القديمة من قبل الملاحين الذين توقفوا على سواحلها. وصل الفينيقيون والإغريق والقرطاجيون والرومان إلى هنا، وكانت كذلك جيبًا برتغاليا في القرن الخامس عشر الذي يحمل اسم “موغادور”.

في القرن الثامن عشر، غزاها العلوي السلطان سيدي محمد بن عبد الله، الذي أطلق عليها اسم الصويرة، وتعني بالعربية “المكان المحصن” وكان يحلم بجعلها واحدة من أكثر المدن ازدهارًا في المنطقة.

وللقيام بذلك، كلف تخطيط المدينة للمهندس ثيودور كورنو، السجين الفرنسي الذي صممها كمدينة حديثة بالخطوط المستقيمة، ذات الجدران والشوارع الواسعة.

وفي القرن التاسع عشر، أصبحت “موغادور” قديمًا، هي الميناء الرئيسي للمغرب، ومستقراً للمجتمعات المسيحية واليهودية.

يعتمد اقتصادها على الصيد والحرف اليدوية، وفي السنوات الأخيرة، وبفضل الهبوب المستمر للرياح، أصبحت الصويرة قِبلة لعشاق الرياضات المائية، وخاصة ركوب الأمواج، وهكذا صارت السياحة مصدراً مهماً للدخل في هذه المدينة الساحلية، المضمخة باللونين الأزرق والأبيض وروائح البحر وذكريات القراصنة، واحدة من أهدأ المدن في المغرب، وموقع تراثيا عالميا منذ عام 2001.

تشتهر مدينة الصويرة بالمغرب، في شهر أيار/مايو أو حزيران/يونيو من كلّ عام بمهرجانها “كناوة موسيقى العالم” الذي تشارك فيه أسماء موسيقية عالمية، وكان هذا المهرجان الطريق التي سهلت إيصال الفنّ “الغناوي” إلى العالمية.

ودخلت هذه الموسيقى السوداء، أو موسيقى “غناوة” المغربية، التي تهيمن عليها الأصوات الأمازيغية، إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي الإنساني لـ”اليونسكو” وفقًا لما ذكرته المنظمة في بوغوتا.

وقالت المنظمة في بيان لها أن “غناوة تجمع مجموعة من العروض الموسيقية والطقوس الروحانية التي تمزج بين المقدس والروحي”.

طقوس وممارسات

تعتبر غناوة، في بعض المدن من الطقوس العلاجية الروحانية التي تأخذ شكل أمسيات يتم فيها الإبتهال بإيقاعات متعاقبة، وهي “مزيج من الموسيقى الإفريقية القديمة ممزوجة بالعربية والإسلامية، وكذلك أشكال التعبير الثقافي الأمازيغي” تضيف اليونسكو.

وقالت المنظمة إن المجتمعات التي تنفذ هذه الممارسة في المناطق الريفية تقدم الطعام إلى “الأولياء والمقدسين” ويقوم الموسيقيون بالعزف عبر الآلات الوترية مثل “الغمبري”.

وفي المناطق الحضرية في المغرب، يرتدي المشاركون ملابس ملونة، بينما “الملابس البيضاء المزينة بالديكور هي السائدة في المناطق الريفية”.

وقال أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس المؤسس لجمعية “الصويرة موغادور” إن موافقة اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي اللامادي على تسجيل فن “غناوة” ضمن قائمة التراث غير المادي الإنساني يمثل تتويجًا لكل فناني “غناوة”.

واعتبر أزولاي، آنذاك، في تصريح صحافي، أن اعتراف المنتظم الدولي بكونية المغرب، بثرائه المتفرد وتنوعه، يعد إنصافًا للالتزام الريادي لمدينة الصويرة، التي تمكنت من النهوض مجددًا، مستثمرة في سبيل ذلك غنى وتفرد موروثها، الذي قال إنه “يتميّز بالجمع بين الحداثة والتفرد المتميز للذاكرة المشتركة”.

المدينة الهادئة، والنائمة على ذراع ساحل المحيط الأطلسي في المغرب، كانت يوما ما مركزا حقيقيا للقراصنة الذين اجتاحوا سواحل جنوب أوروبا وجزر الكناري، وهي الآن واحدة من أكثر الوجهات السياحية ازدهارا في البلاد.

وفي هذه القطعة من الشريط الساحلي الجاف مع الشواطئ الرملية الجميلة وطولها كيلومترات، تضيء الصويرة بنورها الخاص. تحتوي المدينة الصغيرة على كل شيء، شواطئ خلابة، عرض سياحي متزايد الأهمية، وسحر الأماكن الصغيرة. فهي واحدة من أفضل مدن العصور الوسطى المحفوظة والجميلة في البلاد.

معظم الذين يزورون المدينة يصلون من مراكش في رحلات يومية، لكن الأمر يستحق التوقف لعدة أيام لاستكشافها بدقة، وزيارة المناطق المحيطة بها.

في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وعلى بعد متر ونصف المتر، تحت مستوى سطح البحر في مدينة الصويرة، وُجدت بقايا الهيكل الخشبي لسفينة تعود للقرن الثامن عشر أو التاسع عشر.

البقايا التي وجدت، على بعد متر ونصف، تحت مستوى سطح البحر عند المد العالي، يمكن ملاحظتها مع المد الجزئي، إذ يظهر بدن السفينة التي يبلغ طولها 26.5 ووجد أيضًا بين الحُطام، برميلُ حديدٍ صدئ، فيما قيل إنها بقايا شاهدة على زمن قراصنة المدينة.

ويعود اكتشاف هذه السفينة، إلى التغيرات الشكلية في الشاطئ، بسبب أعمال توسعة ميناء الصويرة، وبسبب النشاط التاريخي والعظيم لميناء هذه المدينة، المعروف في العصور القديمة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية