قبل أن يتحوّل وباء كورونا إلى جائحة بسطت رعبها على العالم أجمع، كان الإنسان الصيني بمثابة أعجوبة العصر التي لا يُعصى عليها أمر. ويكفي أنه يعمل في أي شيء من أجل جذب الشركات الأجنبية، التي تســتغل هذا الصيني المطيع لصنع كل ما يحتاجه العالم، من أجهزة وملبس وأدوات مختلفة الاستعمال.
قبل كورونا أيضا، عرفنا الصين من خلال الخزف الصيني، وصناعة الحرير، والمظلات الشمسية الملونة، والأوراق النقدية والطباعة. ويُحكى في قصة لا أدري مدى صحتها، أن الحرير ظل على مدى آلاف السنين صناعة صينية محضة، إلى أن قام قساوسة من بلاد الشام بتهريب دود القز إلى مزارعهم، فنقلوا هذه الصناعة إليها ولكنها لم تدم.
نعرف حكايات كثيرة عن هذا الصيني الذي يجعلنا نقبل على شراء كل ما يصنع، سواء احتجناه أو لم نحتجه، إذ أن حاسته التجارية تفوق كل حواسه الأخرى. حتى أنه كلما حلّ بمكان عرف بسرعة احتياجات سكانه، فتعلم لغتهم وصنع ما ينقصهم، وأسس لتجارته المربحة. نحن لا نتحدث هنا عن كل ما هو «ميد إن تشاينا» من بضائع سريعة العطب، بل عن تاريخ طويل من الصناعات، مثل صناعة الخزف.
وتكفينا متابعة قصة من قصص هذه الصناعة لنعرف عن أي حضارة نتحدث بالضبط.
الصيني الذي يتنمر عليه العالم اليوم، حتى في بلدان تعيش شعوبها في بؤس لا يوصف، هو ذلك الشخص الذي قاوم من أجل البقاء خلال حروب شعواء، ومجاعات، وأنظمة ديكتاتورية قاسية. لهذا فحين يطل علينا رئيس دولة عظمى متنمرا على الصين، نشعر بالأسى تجاه ما آل إليه الإنسان من هبوط أخلاقي. وليت الأمر متوقف عند الطبقة السياسية وعند أشخاص بعينهم، بل إن الأمر تجاوز المعقول.
خلال أيام العيد وصلتني تهاني كثيرة، من بينها تلك التي تتمنى عيدا سعيدا للجميع باستثناء الصينيين! كتب البعض هذا النوع من المعايدات المفخخة على مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها، بدون أدنى احترام لا للشعب الصيني المتنوع بدياناته، بما فيه مسلموه، ولا للطلبة الصينيين المنتشرين في بعض البلدان العربية لتعلم اللغة العربية، ولا لنا نحن كمسلمين، على الرغم من أننا عانينا كثيرا من تنمر العالم علينا، بعد أن أصبحنا «علامة» لإرهاب شعوب الأرض. أعتقد أن المتنمر في كل الحالات شخص فاشل، لهذا يستعمل كلمات تحقر من خصمه للسيطرة عليه، ولو بشكل وهمي، لكن في حالتنا نحن وفي وضعنا، أليس عيبا أن نتنمر على الصيني من خلال هاتف وأثواب تغطي عوراتنا من صنعه؟ من نحن لنتعالى عليه؟ وأي صورة نعطيها عن أنفسنا ونحن أمام كل عقبة أو مشكلة أو مصيبة نستسهل الدعاء بالشر على الآخر؟
أما ما يلفت النظر فعلا فهو تلك الإشارات الخجولة على هوامش دراسات تاريخية، أو علمية، التي تصاغ على شكل اتهام، كتلك التي تقول إن الإصابات المهولة بين السود في أمريكا يعود لضعف جينات المقاومة عند ذوي الأصول الافريقية، ومن الغرابة أن تسند معلومة «علمية» كهذه لباحثين يشار إليهم بالأحرف الأولى من أسمائهم، لكنها تجد الرواج بسرعة النار في الهشيم. لنتذكر أيضا في بداية ظهور فيروس كورونا، وكيف حفر إعلاميون في تاريخ الأوبئة لتوجيه أصابع الاتهام للصين، وافريقيا كبيئتين حاضنتين لأشرس أنواع الفيروسات، كالطاعون والكوليرا، والإيدز، بدون الإشارة إلى الظروف المناخية والجغرافية والمعيشية الصعبة التي ولّدت تلك الفيروسات.
يعاتب البعض الحكومات التي شجعت على نشر خطاب الكراهية، باستعمال عبارات التنمر، فقد وصف مسؤول أوروبي الصينيين بأكلة الفئران، كما وصفهم آخر بالشعب المتسخ، غير أوصاف تحقيرية أخرى، مهّدت لكل هذا العنف اللفظي والجسدي ضدهم من طرف فئات شاسعة من كل أصقاع العالم.
حتى أنه في مقال مترجم عن «الأطلس العالمي» يذكر أن «انتشار الطاعون في أوروبا خلال القرن الرابع عشر كان عبر إقليم هوبي الصيني، وأنه بلغ أوروبا عبر الجيوش المغولية، التي سيطرت على الشرق الأوسط، ثم حملت العدوى عام 1346 إلى سكان مركز جنوى التجاري، برمي المدينة المحاصرة بجثث الجنود، الذين ماتوا من المرض بالمجنيق، في أول استخدام لسلاح بكتريولوجي».
قمة الذهول أن تقرأ معلومة كهذه تعود للقرن الرابع عشر، ولا تطفو على واجهة أخبارنا، إلاّ في هذه الفترة، أليس في هذا ما يشير مباشرة إلى أننا نعيش حربا بيولوجية جديدة؟ بغضِّ النظر تماما عمّن بدأ الحرب ولماذا؟ لكنني شخصيا أرى أن تبادل التهم، واعتماد التنمر في ما نكتب وما نقول، لن يصب سوى الزيت على نار معضلتنا، ولن يؤتي بأي حل. إننا أمام جائحة تنتظر مزيدا من الحكمة وإعمال العقل لإيجاد مخرج علمي يبعد البشرية جمعاء عن الانتحار الجماعي بسبب قلة الوعي هذه.
حتى الخفاش تعرّض للتنمر، مع أنه ضحية، والإنسان هو من اعتدى عليه وليس العكس، فقد عاشت الخفافيش منذ الأبد في مخابئها، وهي لا تظهر للعيان إلا ليلا حين يكون الناس قد عادوا إلى بيوتهم. استعمل البعض معلومة قديمة جدا عن تشاؤم الفراعنة من الخفاش وجلبه للخراب، ليدّعي أن الخفاش هو لعنة عام 2020، والأسوأ أن الباحثة الصينية المختصة في فيروسات الخفافيش، شي زنغلي الملقبة بـ «امرأة الخفافيش»، نالت اللقب بعد تبرئتها للخفاش من فيروس كورونا المنتشر بين البشر، فنالت هي الأخرى نصيبها من التنمر، مباشرة بعد ظهورها عبر التلفزيون الصيني لشرح الموضوع علميا، بحكم منصبها المهم في معهد الفيروسات في ووهان.
إنّها سلسلة لا تنتهي من حلقات التنمُّر، قد تنطلق من فكرة قديمة، وتنتهي عند شخص بذاته. ألم تكن الفكرة السيئة التي أخذناها عن الخفاش منبتا لشخصية مصاص الدماء؟ وكل الشخصيات الأسطورية التي برزت في القصص الشفوي والمكتوب عن الرجال الخفافيش، الذين يخرجون ليلا من قبورهم وينهالون على رقاب ضحاياهم لامتصاص دمائهم حتى الموت، أو الإصابة بالعدوى؟ ألم تتطور الفكرة نفسها عبر قاموس استعمالها لتأخذ كلمة «خفّاش» معنى غريبا ملاصقا للساهرين، وعشاق الليل؟
في كل الحالات نال الخفاش نصيبه من التنمر، لكن من حسن حظه أنه لا يفهم لغة البشر، المُحَمّل بكمِّ هائل من الحقد. لكن المؤسف في كل هذا هو تسييس موضوع علمي، وربطه بقصص تنمر غريبة، تكشف عن مدى عنصريتنا تجاه الآخر المختلف عنا لسبب أو لآخر.
ما يتعرض له الآسيويون عموما منذ اندلاع جائحة كورونا، أمر لا يصدق، فهم يُستُهدفون يوميا، بشكل متزايد وبالجملة، بتعليقات مهينة في وسائل الإعلام، وبيانات سياسية، وكذلك على منصات التواصل الاجتماعي. في أمريكا، وفي أوروبا، وفي أستراليا ـ يتعرّضون للإهانة الشفوية والضرب أحيانا، وحدث الأمر نفسه حتى في بلدان افريقية مثل كينيا وإثيوبيا، فيما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بحادثة الاعتداء على الطالب الصيني في القاهرة. نكاد لا نستثني دولة من التنمر على الصينيين بسبب هذا الفيروس، حتى إن اليابانيين والكوريين تنمروا عليهم مع أنهم بالنسبة للعالم أجمع ينتمون لسلالة واحدة.
يعاتب البعض الحكومات التي شجعت على نشر خطاب الكراهية، باستعمال عبارات التنمر، فقد وصف مسؤول أوروبي الصينيين بأكلة الفئران، كما وصفهم آخر بالشعب المتسخ، غير أوصاف تحقيرية أخرى، مهّدت لكل هذا العنف اللفظي والجسدي ضدهم من طرف فئات شاسعة من كل أصقاع العالم. هل الحلول في أيدي الحكومات؟ ما أعرفه أن المثقف لم يقم بوظيفته كما يجب لمواجهة هذه الظاهرة، بل إن أقلاما كثيرة زادت من تأجيج الأزمة وقد ذكرتُ أمثلة في ما سبق، لكن أمنيتي دوما أن نعمل أكثر على خطاب نافع ومفيد، مثمر ومتسامح ومنتج، ونتوقف عن مسايرة السياسيين في أمزجتهم، والعنصريين في أحقادهم. إن وظيفة المثقف في هذه الحالة هي إيجاد التوازنات المفقودة، حين تنجرف الشعوب في ظروف مماثلة مع هؤلاء أو أولئك.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
المبدعة بروين حبيب
وأي صورة نعطيها عن أنفسنا ونحن أمام كل عقبة أو مشكلة أو مصيبة نستسهل الدعاء بالشر على الآخر؟
واضيف من عندي لما كتبته اناملك اعلاه فنحن ليس لدينا غير الدعاء نقدمه للعالم فلا زلنا نريد حل المشكلة الفلسطينية بالدعاء واختلاف دولنا مع بعضها قادة وشعوب بالدعاء وامراضنا بالدعاء وفقرنا وظلمنا وتظلمنا وحتى شريك حياتنا نطلبه بالدعاء وليس لدينا غير اللهم اغفر لنا نجنا عاقينا ارحمنا واقتلهم ودمرهم وحطمهم
العزيزة بروين..افتقدنا مقالك في الاسبوع الماضي.واجازة وعيد سعيد.مقالك الجديد اعادني الى حقيقة اكبر واخطرنعاني منها حتى اليوم.
انا اعلامية من أم عراقية.احب بلاد أمي اضعافا مضاعفة من انتمائي لبلاد أبي.زرت العراق قبل الاحتلال وبعده.واتواصل مع اخوالي هناك.
في فترة الحصار قبل عام 2003 كان اغلب المثقفين والاعلاميين العرب يرددون كالببغاوات عبارات التنمر ضد العراق ظلما.ولانني اكره الظلم اتابع مصادر الاشياء بهدوء واكتشفت ان منابع الدعاية المتنمرة ضد العراق قبل 2003 مصدرها مؤسسات مخابراتية اسرائيلية وغربية.
الحال نفسه اليوم ، الصين تتعرض الى حرب التنمرالنفسية لوقف تطورها الهائل.وغالبية المثقفين العرب مع الاسف جوقة موظفين من الببغاوات تردد ما تبثه الصهيونية والامبريالية من اللامعقول.هذا دليل على جهل وقبح ثقافتهم الاخلاقية..متى يصبح العالم اكثر آدمية وسلاما ؟
لكن بالمقابل ألا تتفقين معي أن الشعب الصيني يأكل – تقريبا- كل ما يمشي على الأرض ؟ ونعلم جيدا أن الأديان السماوية ما أحلت لمعتنقيها إلا ماهو مفيد وحرمت عليهم كل ماهو مضر . وكون غالبيتهم شيوعيون ولا قيود لديهم فيما يتناولون.فلا شك أن تناول خشاش الأرض والحيوانات على شتى أنواعها سينقل حتما أنواعا من الأمراض لا محالة فالناس لا تنتقد الصيني كونه صينيا بل تنقد شهيته التي تردت لأدنى المستويات فجرت له ولغيره من الأمراض ماجرت ولن نضيق أفقنا في مثال الخفاش صدق ذلك أم كان زائفا فإن جملة ماذكرت لا يمكن أن تنقض لأنها أمر واقع
وماذا عن تنمر الصين على تركستان الشرقية؟؟؟ وماذا عن تحويل الصين للتركستانيين إلى حيوان تجرب عليه الغسل الدماغي والآيديولوحي وحتى البيولوجي؟؟؟
المسلم بطبيعة دينه متسامح،،، بل يجب عليه التسامح وجوبا دينيا،،، لكن أين التسامح مع من يصمونه بالارهاب في كل لحظة…
ابحثوا في نسبة ضحايا الإرهاب الذي يقوم به أفراد مسلمون مع ضحايا إرهاب الآخرين…