تجاوز الناتج القومي الإجمالي للصين في عام 2022، (18) تريليون دولار (ويعد ثاني أقوى اقتصاد في العالم) ويتوقع أن يتجاوز 24.5 تريليون دولار في عام 2025 وعلى الرغم من قوة السوق الصينية وتسابق الشركات الغربية في الدخول للسوق الصينية، إلا أنها كانت مقبرة للشركات الرقمية الأمريكية الضخمة، فشركة ebay بقيت 41 شهرا فقط في السوق الصينية، حيث دخلت في يوليو/تموز 2003 وخرجت في ديسمبر/كانون الأول 2006 وشركة أمازون amazon دخلت في شهر أغسطس/آب 2004 وخرجت في يوليو2019 بعد 178 شهرا من المنافسة الشرسة مع علي بابا Alibaba وJD.com وشركة BESTBUY بقيت لمدة 58 شهرا من مايو/أيار 2006 وحتى مايو2011 وشركة THE HOME DEPOT بقيت لمدة 69 شهرا في السوق الصينية من شهر ديسمبر 2006 وحتى سبتمبر/أيلول 2012 والعملاق الرقمي شركة غوغل Google دخلت في شهر يناير/كانون الثاني 2006 وبقيت لمدة 50 شهرا حتى مارس /آذار2010 وشركة أوبر Uberبقيت لمدة 25 شهرا منذ دخولها في يوليو 2014 وحتى شهر أغسطس 2016 وحتى شركة لنكد إن Linkedin بقيت لمدة 92 شهرا منذ دخولها في فبراير/شباط 2014 حتى خروجها في أكتوبر/تشرين الأول 2012.
لخص الباحث فينغ لي في مقال سابق له، فشل الشركات الرقمية في الدخول إلى السوق الصينية، وعزا ذلك إلى عدة عوامل منها عدم وجود فهم عميق للسوق الصينية، وسوء إدارة العلاقات الحكومية مع المشرعين الصينيين، والفشل في التعامل مع المنافسة الصينية وفرض نظم منصات تكنولوجية مطورة مسبقا للسوق الأمريكية على السوق الصينية مع عدم مراعاة الفوارق الثقافية والفكرية، وبطء اتخاذ القرارات نتيجة الهياكل التنظيمية المركزية، وحسب فينغ يمكن تلخيص الفشل الرقمي إلى الفهم السيئ لبيئة الأعمال، ووضع استراتيجيات غير فعالة وضعف الأداء في التشغيل والتنفيذ والتواصل، فموت الشركات الرقمية في الصين كان نتيجة تراكمات لعدة عوامل، وحسب تصريح مسؤول تنفيذي كبير في شركة eBay كان الفشل في الصين نتيجة «الموت بألف جرح».
ما تحتاجه الشركات الرقمية هو ضبط المزايا التنافسية، وتطوير نهج أكثر شمولية يغطي كل الجغرافيا الصينية والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي للصينيين
ما تحتاجه الشركات الرقمية هو ضبط المزايا التنافسية، وتطوير نهج أكثر شمولية يغطي كل الجغرافيا الصينية والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي للصينيين. وقد نجحت الشركات الصينية الرقمية في تقليد التقنيات والملكيات الفكرية، التي تعتمد عليها الشركات الرقمية الغربية، وتم تكييفها مع الأذواق المحلية في الفضاء الرقمي، وبذلك نجحت في بسط سيطرتها على السوق الرقمية الصينية. وبالمقابل نجد الشركات الغربية، ولاسيما الأمريكية تحقق نجاحا كبيرا في سوق الوجبات السريعة، حيث أصبحت السوق الصينية رافدا أساسيا لخطط النمو والأرباح لهذه الشركات، وهناك عدة عوامل ساعدت قطاع المطاعم للوجبات السريعة الأمريكية على الدخول والنمو في السوق الصينية منها، النمو الاقتصادي السريع للصين، والتوسع الحضري والزيادة السكانية، والتغيير في الأعراف والأنماط الاجتماعية والحياتية، والعولمة التي ساعدت على انتشار العلامات التجارية والانفتاح الصيني على العالم.
دخلت كنتاكي KFC السوق الصينية أول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1987 وترحيب الصينيين لمفهوم الوجبات السريعة الأمريكية كبير، من مبدأ التطلع لتجربة الثقافة والحياة الأمريكية، التي تغلغلت في ثقافتهم من خلال أفلام هوليوود. وهكذا بدأ تهافت سلاسل المطاعم الأمريكية للصين، ودخلت ماكدونالدز في عام 1990 وفي عام 1992 فتحت ماكدونالدز أكبر مطعم لها في العالم في بكين في الصين، وكان الإقبال منقطع النظير ووقف الناس في طوابير طويلة لتناول وتجربة وجبة ماكدونالدز، ونجحت الخطة التسويقية لسلاسل المطاعم الأمريكية في التركيز في الحملات التسويقية على بيع التجربة والمتعة في مشاركة الطعام مع من تحب، أكثر من فكرة الطعام نفسها، وهكذا نجحت في دخول السوق الصينية بقوة، وركزت أيضا على الأطفال من عمر 7 إلى 11 سنة، الذين هم المؤثر الأقوى في قرار الشراء للعائلة، حيث أن أغلب العائلات الصينية كان لديها طفل واحد نتيجة سياسة الطفل الواحد التي اتبعتها الحكومة الصينية لعقود، وأدت إلى تشوهات في التوزع الديموغرافي للصين.
زاد عدد مطاعم الوجبات السريعة في الصين اليوم عن 2.5 مليون مطعم وهذا يجعل الصين أكبر مستهلك للوجبات السريعة في العالم وحسب، شركة AC Neilson للدراسات فإن 97% من الصينيين يأكلون الوجبات السريعة وعلى الأقل 41% من الصينيين يتناولون الوجبات السريعة مرة على الأقل في الأسبوع، وهذا الرقم يزيد عن معدل الأمريكيين البالغ 31% والأوروبيين البالغ 11% فقط. عدد مطاعم كنتاكي KFC في الصين بلغ أكثر من 9 آلاف فرع مقابل 4 آلاف فرع لهم في أمريكا وبلغ عدد مطاعم ماكدونالدز 5000 مطعم في الصين، وكما نلاحظ ازدياد عدد المقاهي الأمريكية كستاربكس Starbucks في الصين، حيث بلغ العدد اليوم أكثر من 6 آلاف مقهى مقابل 15 ألف مقهى في أمريكا، لكن معدلات سرعة ازدياد انتشار المقاهي في الصين كبير جدا، حيث تسعى الشركة لفتح 1000 مقهى سنويا في الصين لتصل إلى 9 آلاف مقهى في 2025. وإيرادات مطاعم الوجبات السريعة في الصين وصل في عام 2022 إلى أكثر من 184 مليار دولار، وهذا الرقم يشكل 18 ضعف الإيرادات قبل عقدين من الزمن. وبالمقابل مع تغير النمط الغذائي للصينيين زاد عدد المصابين بالنوعين الأول والثاني من السكري بشكل مطرد ليصل إلى 141 مليون مصاب لوحدهم في الصين، وهذا الرقم يشكل ثلث المصابين في العالم بداء السكري والبالغ 537 مليونا، وكشفت دراسات اللجنة الوطنية للصحة في الصين أن المشكلة المتزايدة هي أن أكثر من نصف البالغين الصينيين يعانون من زيادة الوزن، حيث تجاوزت معدلات السمنة الضعف خلال عقدين، وبلغت أكثر من 16% من عدد السكان في 2023 اليوم وهذا الخطر المحدق الذي يواجه الاقتصاد الصيني حيث إن القوة العاملة في الصين تصبح مريضة أكثر وسيثقل هذا كاهل ميزانية الصحة أكثر فأكثر.
اليوم تتسع رقعة التنافس الصيني الغربي وتمتد لقطاعات غير رقمية مثل صناعة الأدوية والتكنولوجيا المالية والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وهذا يرسم ملامح معارك مستقبلية جديدة سوف تعقد المشهد التنافسي. ورغم كل الصعوبات تبقى السوق الصينية فرصة كبيرة للشركات الأجنبية، خاصة مع النمو الاقتصادي ونمو الطبقة المتوسطة التي من المتوقع أن تصل إلى 1.2 مليار شخص في عام 2027، الذي يشكل ربع الطبقة العاملة المتوسطة الدخل في العالم.
كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية