الصين وثورات الربيع العربي

حجم الخط
2

بعد مرور 10 سنوات على أيام الربيع العربي، لم تهدأ المناقشات ولم تجف الأقلام، التي تتحدث عن بدايات ثورات العرب، التي نشبت نيرانها نهاية عام 2010، والتي لم تنطفئ جذوتها حتى الآن. حرص قادة كبار، بداية من أوباما في مذكراته الأخيرة وغيره في أوروبا، ومراكز الأبحاث في أنحاء العالم، على التذكير بما فعلوه لمتابعة. وكشفت الكتابات والتقارير والرؤى التي صدرت في كتب ووثائق وأفلام مصورة عن كيف تحول ذلك الربيع إلى ساحة للحرب بين كل طرف من الأطراف، بينما انشغل الثائرون بمعارك جانبية أدت إلى تلاشي معالمه، وتشرذم مساراته.
جاء الاستثناء الوحيد من المشهد السياسي المتابع لهذا الحدث من دولة الصين الشعبية، بما أثار المزيد من الغموض حول حقيقة الموقف الصيني من ثورات الربيع العربي. هذا الاستثناء ليس توقعا، بل يأتي بعد متابعة دقيقة لما تعلنه الحكومة المركزية في بكين، حيث تتحفنا سنويا بالعديد من التقارير والكتب «البيضاء» التي تصدر عن مجلس الدولة «مجلس الوزراء» ووزارة الخارجية، والجهات البحثية الرسمية، التي تحدد موقف الصين من القضايا الدولية كافة.
جاء الكتاب الأبيض الأخير الصادر عن مجلس الدولة في يناير/كانون الثاني الماضي 2021، خاليا من أي إشارات عن ما يجري في دول الربيع العربي، رغم توصيفه عام 2021 بأنه عام التحولات الكبرى.
كشف التجاهل الصيني لعشرية الربيع العربي، عن مكنون الموقف الرسمي مما وقع في بلاد العرب من أحداث، يسمها شاء من شاء ، بأنها»هبات أو انتفاضات أو ثورات» ولكنها في كل الأحوال بالنسبة لنا نراها زلزالا شعبيا غيّر المنطقة وللأبد، وأن توابع الزلزال مازالت قوية ومستمرة، ولن تهدأ قبل أن يتحقق أمل الشعوب في الحرية والتنمية والكرامة الإنسانية. ولكن المشهد يقتضي تبيان الموقف الصيني الذي رصدته عن كثب، بحكم معايشتي للحدث من داخل ميدان التحرير، وعلاقات متينة بشخصيات صينية دبلوماسية وأكاديمية عاشت معنا الأحداث، وما زالت مؤثرة، حيث تحيط برئيس الدولة الصيني شي جينبنغ، في دوائر الحزب ومجلس نواب الشعب ومراكز الأبحاث. لم تكن الصين بعيدة عما يجري في الشارع العربي قبل أحداث الربيع، فقد ظهرت في العقد الأول من القرن الحالي، علاقات اقتصادية قوية بين العرب، وبلغ معدل النمو التجاري السنوي بين المجموعة العربية والصين، نحو 12% سنويا، خاصة مع دول الخليج ومصر والجزائر، ومن قبلها السودان التي تحولت إلى مزرعة صينية ومعمل للبترول. وفتحت أسواق ليبيا، أمام التجار والشركات الصينية، فور إلغاء الحظر الأمريكي، حيث نافست الصين الوجود الروسي وشركات شرق أوروبا التي هيمنت تقليديا على السوق الليبي. في هذا الخضم كانت الصين تنافس الولايات المتحدة على أن تصبح الشريك التجاري الأول لافريقيا، بعد أن هيمنت على صناعة الثروات المعدنية والمشروعات الكبرى، في نحو 46 دولة، مزيحة بذلك فرنسا وغيرها من أهم المشروعات، خاصة في نيجيريا وجنوب افريقيا، والساحل الغربي للقارة، وزحفا منه نحو المغرب وامتدادا نحو إثيوبيا وتنزانيا وكينيا. لم تتحرك الصين نحو هذه المناطق من فراغ، فقد حرصت على خلق روابط قوية مع الحكومات، لأنها تخشى التعامل مع الشعوب، إما خوفا من إحداث مشاكل مع الأنظمة المتعاونة معها، أو سعيا وراء المصالح بعيدا عن التعقيدات التي تثيرها هذه النوعية من العلاقات، التي يهوى الغرب التدخل في أمورها.

الصين الدولة التي صنعتها ثورة شعبية دموية استغرقت نحو ربع قرن، تخشى الفعل الثوري والثورة بصورها كافة

ظهر الموقف الصيني جليا أمامنا في مصر، التي كانت تشهد حالة فوران شعبي قبيل ثورة 25 يناير 2011. فقد أثمرت زيارة برلمانية رفعية المستوى شاركت فيها عام 2007، برئاسة الدكتور فتحي سرور رئيس البرلمان المصري الأسبق في توقيع بروتوكولات للتعاون بين البلدين رفعته بعد ذلك للمستوى الاستراتيجي. حرصت الصين على دعم التعاون مع الدول العربية، من خلال منتدى التعاون العربي – الصيني الذي حضره السفير عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية في مدينة تيانجين عام 2010، مع ممثلي 22 دولة عربية ورئيس مجلس الدولة الصيني الأسبق وان جيا باو. عكس الحوار الصيني العربي الموقف البراغماتي الذي تتبعه بكين مع العرب، فهي تركز في أغلب الموضوعات على التعاون الاقتصادي، وبينما تبرز حرصها على دعم القضايا العربية، خاصة حق إقامة دولة فلسطين على الأراضي المحتلة عام 1967، فهي تقيم علاقات قوية مع إسرائيل، على المستويات العلمية والعسكرية والاقتصادية كافة، بل توطين بعض اليهود والتساهل على انتشار اليهودية في الكثير من المدن الصينية.
واصلت الصين تقدمها في المنطقة، مستغلة قدرتها على غزو الأسواق العربية بكل السلع الرخيصة الملبية لكل الطبقات، وعدم وجود رقابة محلية على مسائل الجودة والشفافية في الفواتير والجمارك. فلدى المسؤولين والتجار الصينيين قناعة بأن «ما تكسب به إلعب به» كما يقول المثل الشعبي، ولهذا بدأ السياسيون يلعبون في الساحة السياسية، عبر دعم العلاقات الثنائية بين الحزب الشيوعي الصيني ومؤسسات الحكم المحلية في الدول العربية. بدأ التحول الصيني حينما وقع عضو في المكتب السياسي الحاكم، وهو أحد السبعة الكبار في الصين مذكرة مع الحزب الوطني الحاكم في القاهرة، منتصف عام 2010، اتفاقية للتعاون بين الحزبين اللذين يقعان «نظريا» على النقيض الأيديولوجي. وتلقى جمال مبارك بصفته أمينا للجنة السياسات في الحزب الوطني دعوة لحضور احتفالات الصين بأعياد الثورة الشيوعية التي تحكم البلاد من أكتوبر/تشرين الأول 1949. وكانت مفاجأة لنا أن كبار المسؤولين الصينيين كانوا يعتقدون أن جمال سيأتي عاجلا أو آجلا رئيسا لمصر. هذا الاعتقاد الخاطئ نقله كثير من السياسيين والأكاديميين المصريين لأمثالهم الصينيين، ما دفعهم لعقد لقاءات معنا وعدد من الإعلاميين الواقعين خارج نطاق السلطة رسميا، حيث أكدنا في حينه استحالة ذلك الأمر، ثقة في واقع يبين أن مصر، يستمد الحاكم فيها شرعيته من حكم دولة 23 يوليو/تموز بما يتطلب دعم المؤسسة العسكرية له، وهو أمر لن يتحقق بوجود جمال مبارك كرئيس مدني، سواء أصبح وريثا لأبيه أو يأتي به الشعب في إطار حكم دولة مدنية.
نظرة الصين لما يجري في الشارع العربي والمصري بخاصة ظلت ضيقة للغاية، فهي لا ترى في مظاهرات المواطنين ضد الفساد، وتزوير الانتخابات والقهر الأمني، وملاحقة الإعلاميين إلا حركات مدفوعة، إما من أصحاب مصالح في الداخل أو يغذيها الغرب في إطار سعيه للهيمنة على إرادة الشعوب. مع تلاحق الأحداث، تبين أن الدولة التي صنعتها ثورة شعبية دموية استغرقت نحو ربع قرن، تخشى الفعل الثوري والثورة بصورها كافة، وأي كلمات مرادفة لها، سواء كانت على حدودها الجغرافية أو أي بقعة في العالم.
كاتب وصحافي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    لماذا الاصرار على نسيان، لغة (حذاء) منتظر الزيدي، في عام 2008،

    والتي تصادفت مع انهيار نظام العملات/المال الربوي والتأمين عليه لرفع المسؤولية عن الموظف الآلة/العالة/الروبوت على ممثلي الديمقراطية، في النظام البيروقراطي في الدول،أعضاء الأمم المتحدة، وفي بث حي ومباشر،

    هو أول ما خطر لي عند قراءة عنوان (الصين وثورات الربيع العربي) والأهم هو لماذا هذا الإنكار من أهل حضارة وادي النيل، أهل اللغة الصورية الهيروغليفية/الفرعونية، خصوصاً عند الكلام عن أهل حضارة الصين، أهل لغة الأشكال (الماندرين)؟!

    مفهوم اللغة، أو الترجمة أو التأويل، عند نقل ما بين لغة فلان، ولغة علان، عند أهل كتاب العهد القديم (التوراة)، من كتاب (الإنجيل) عند أي مسيحي أو يهودي،

    يختلف عن مفهوم وغرض اللغة، عند الثنائي:

    – أبو الأسود الدوؤلي،
    – الخليل بن أحمد الفراهيدي،

    بعد إصدار علي بن أبي طالب، أمر لهما بإكمال تصميم الحرف أو الكلمة أو الجملة، من أجل تدوين لغة القرآن وإسلام الشهادتين،

    بعد أن نقل عاصمته إلى وادي الرافدين وليس إلى وادي النيل، كما فعل قبله الاسكندر المقدوني، وقبله فعل كورش، عندما حرّر اليهود من السبي البابلي،

  2. يقول S.S.Abdullah:

    ومنها أطلق عليها قرن (التدوين اللغوي)، وبعد ذلك أتى قرن الترجمة (بيت الحكمة)، بعد إصدار العملة، وتكوين دواوين الدولة، من خلال إقتصاد الأوقاف الإسلامية،

    ولذلك عملية نقل عاصمة كورش أو الاسكندر المقدوني أو علي بن أبي طالب، لا يمكن أن تلغي ما قدمه أهل وادي الرافدين، إلى الحضارة الإنسانية،

    ومن هذه الزاوية، تفهم سبب كل كلام البابا،

    وليس ما قام الإعلام، من تأويل وتزوير وغش فاسد، من أجل توجيه إلى عقلية الصراع/الحرب، وكأنّه أهل روما (البابا) احتل أهل دولة الخلافة (أبو بكر البغدادي)؟!??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية