هبت رياح الثورات العربية، من ناحية الشمال الغربي، حيث انطلقت من تونس الخضراء. جاءت الرياح بما تشتهي الأنفس التواقة للحرية، ومتوافقة لأول مرة مع قوانين الطبيعة، حيث تعلمنا في حصص الجغرافيا، أن زخات المطر التي تهب على سواحل الشام وافريقيا تأتي دوما من هذا الاتجاه. مع ذلك لم يتوقع أحد أن يأتي الفيض الثوري من هناك، بل لم يتخيل الثائرون أو الحكام أن تنتقل مظاهرات الغضب من تونس إلى القاهرة خلال أيام، على الرغم من سخونة الأحداث في مصر، قبلهم بسنوات.
مصر ثائرة، هكذا أفاق الصينيون على الأوضاع في المنطقة، التي يخططون للتوسع لمزاحمة الغرب فيها، والتوسع في المشروعات الكبرى. وعندما شرعوا بفهم ما يحدث فيها، كانت تونس تغير النظام وشعب مصر يطالب برحيل مبارك، وخلال أيام وقعت انتفاضة كبرى في ليبيا، استغلتها فرنسا والولايات المتحدة، في الحصول على قرار دولي باستخدام القوة المسلحة في ضرب النظام الليبي بالطائرات والصواريخ، وملاحقة رجاله بالقنابل والدبابات.
حاولت الصين بالتعاون مع روسيا، منع الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، وقف ضرب ليبيا، وحماية نظام العقيد معمر القذافي، من دون جدوى، وضاعت كلماتها في الهواء، فالدول العربية المعنية دخلت مراحل الحراك الثوري، خاصة بعد أن سقط النظام المصري العتيد خلال 18 يوما فقط. تحقق ما قلناه للمسؤولين الصينيين في زياراتهم المكوكية للمنطقة. وهالهم أن يروا الأنظمة التي راهنوا عليها تتساقط أمام أعينهم في مصر وليبيا واليمن، كقطع الشطرنج، بينما يترنح النظام السوري، وينقسم العرب على أنفسهم داخل الجامعة العربية، وتتمزق أوراق التحالف بين مجموعة عدم الانحياز التي تقودها الصين داخل أروقة الأمم المتحدة. اعترف القادة الغربيون، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي أوباما بأن ثورات الربيع العربي، فاجأتهم وأذهلتهم، بدرجة لم تستوعبها أجهزة المخابرات ومراكز الدراسات البحثية المتابعة بدقة لكل ما يحدث في المنطقة. وعلى الرغم من أن الصين لم تعترف بهذا الأمر علنا، إلا أننا سمعنا ذلك من مسؤولين فيها مرارا، في السفارات واللقاءات التي حضرناها أثناء مقابلاتهم في الصين أو مصر أو بعض الدول العربية. ولذلك شرعوا بالتواصل لأول مرة مع الأحزاب غير المرتبطة بالحكم، فطلب مسؤول الحزب الشيوعي الصيني في سفارة القاهرة، أن نساعده في مقابلة الدكتور سيد البدوي رئيس حزب الوفد في حينه، وسأل زملاءَ آخرين بأن يعضدوه في ذلك. وعندما أتممنا الطلب، وجدنا تدفقا من المسؤولين الصينيين على جريدة «الوفد» التي تصدر عن الحزب الليبرالي العتيق، والتي شاركت في إطلاق موقعها الإلكتروني، وأصبحت صوتا قويا للثورة المصرية. جاء هؤلاء من قيادات وزارة الإعلام الصينية والحزب الشيوعي ووكالة أنباء شنخوا الرسمية، ليفهموا كيف استطاعت وسائل الإعلام الحديثة إحداث تغيير ثوري في الشارع العربي، بهذه السرعة. وشلمت الزيارات دعوات لعشرات القيادات الحزبية والإعلامية ورجال الأعمال من الأطياف كافة لزيارة بكين، لمدد تتراوح ما بين إسبوعين وشهر، تشمل عقد ندوات معهم للتعرف منهم، عما جرى لعلهم يفهمون ما يجري.
مصر ثائرة، هكذا أفاق الصينيون على الأوضاع في المنطقة، التي يخططون للتوسع لمزاحمة الغرب فيها، والتوسع في المشروعات الكبرى
جاءت الطامة الكبرى، عندما شهدت الثورة الليبية تحولات عنيفة، وانتشر السلاح وحالات السلب والنهب، وأصبحت المشروعات الصينية هدفاً ثميناً. خسرت الصين في تلك الأحداث مشروعات بمليارات الدولارات، سبق أن تعاقدت على تنفيذها مع نظام العقيد القذافي. وتحول نحو 30 ألف صيني في شرق وجنوب البلاد، وحول العاصمة الليبية، إلى فرائس هائمة، ما جعل السفارة الصينية في القاهرة، تستنجد المجلس العسكري لمساعدتها في إخراج الصينيين العالقين هناك بأي وسيلة. جاء التنسيق بين الطرفين رفيع المستوى، حيث شاركت قبائل ليبية مرتبطة بمصر من نقل الصينيين من المدن الليبيبة إلى أقصى شرق ليبيا، ومن هناك نقلت مصر الأفراد إلى السفن الصينية الرابضة في ميناء السلوم. فرّ بعض الصينيين في الغرب الليبي إلى الجزائر، بينما تمكن آلاف من اليمن من الهرب إلى جيبوتي، ومن سوريا إلى مصر والأردن. هكذا وجد الصينيون أنفسهم يتحولون إلى مطاريد في منطقة راهنوا مرارا على قوة أجهزتها وحكوماتها، ولم يتعلموا بعد أن يتعاونوا مع أهلها ومؤسساتها المدنية. جاء الدرس قاسيا دفعت الصين ثمنه من أموالها، التي أهدرتها في استثمارات أتت عليها رياح التغيير للأنظمة، كما حدث من قبل مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وها هي تتوسل مساعدتها من أنظمة تحتضر لمساعدتها في إخراج مواطنيها من المنطقة بأي ثمن. لهذا أسرعت الصين بدفع 200 مليون دولار نقدا للمجلس العسكري لمساعدته في شراء صفقة قمح تحتاجها مصر بصورة عاجلة، وتبرعت بـ700 سيارة وأجهزة لاسلكية لإعادة بناء الشرطة المصرية. وكلفت مجموعة الدبلوماسيين وأصدقاءنا الخبراء للالتقاء بالسياسيين ومجلس رجال الأعمال المصريين والعرب، في القاهرة والجزائر والخليج بخاصة، للتعرف على المشروعات المهمة التي يرون ضرورة مشاركة الصين في تنفيذها، لمساعدة العرب في رفع مستوى المعيشة وتحسين الاقتصاد. من أجل ذلك قابل القنصل الصيني في الإسكندرية أمين حزب الحرية والعدالة حسين إبراهيم لأول مرة، كما التقى السفير فونغ فياو، رئيس حزب «الصرح» السلفي طارق نديم، لبحث كيفية إقامة مشروعات صغيرة للأسرة المصرية، على غرار المشروعات التي أحدثت نهضة في المناطق الريفية في الصين، وامتدت اللقاءات مع أحزاب الوفد والتجمع والشيوعي المصري والشعب الديمقراطي وغيرها، داخل السفارة الصينية وخارجها، في القاهرة وبكين وأبو ظبي والرياض وقطر والجزائر والرباط.
وضعت الصين خططا سريعة من أجل التوسع في إنشاء أقسام صينية جديدة في الجامعات العربية، خاصة مصر والمغرب والجزائر، وإنشاء مراكز «كونفوشيوس» لتعليم اللغة الصينية، التي كان بعضها من قدامى الحزب الشيوعي الصيني والخبراء الأمنيين والإعلاميين، الذين يرتبطون بالحزب الشيوعي والمخابرات، أسوة بما تفعله الأجهزة الغربية، في المنطقة. ظهرت العقبة أمام فهم الصينيين للأحداث في أن الجيل القديم القادر على الاحتكاك بالعرب، لا يعرف أدوات الثورات الجديدة، ولا القيادات الشابة التي تدير الميادين، وأجهزة التواصل والإعلام، بينما الجيل الجديد، حتى القادر منهم على التعامل مع الأدوات التكنولوجية، واتقان اللغة العربية، تنحصر دائرة اهتماماتهم، في التمتع بقدر عال من الرفاهية، التي لم تتحقق لآبائهم وتحسين مستواهم الاجتماعي والوظيفي، وأغلب الذين يعملون منهم في المنطقة من أبناء الطبقة الصاعدة من قيادات الحزب الشيوعي والمسؤولين السابقين، الذين درسوا أو عملوا في الشرق الأوسط من قبل. ومن هنا نشأت بين الفريقين، رؤى متناقضة لما يدور حولهم، الشباب أغلق الأبواب على نفسه، أو طلب الخروج على عجل من هنا، حيث سبل الحياة أفضل في بلدهم أو إلى بلدان أكثر هدوءا، بينما جيل الآباء ظل يحذرنا من خطورة ما نقوم به من مبادرات لدعم الحراك الثوري، ويقول: «إن الثورات عندما تبدأ لا يمكن لمن شارك فيها أن يوقف عجلات الزمن، ولن يفيق إلا بعد عشرات السنين، حيث تكون البلاد قد شهدت دمارا للبشر وخرابا، لا يمكن تصوره». كنت أعتبر رؤية هؤلاء الخبراء، ومنهم الدكتور وو بنغ بنغ الأستاذ في جامعة بكين، ووانغ فو رئيسة تحرير مجلة «الصين اليوم» بمثابة مخاوف عجائز الفرح، ولكنها كانت تعبر عن رؤية واقعية لما يؤمن به القادة الكبار في الصين.
كاتب مصري
أبو تاج الحكمة الأول سادن النور الأقدس وفم البركة وشذا العطر النبوي المبارك وهدهد الحكمة :
بوذا كما يقول الشعراوي هو نبي وانا بعد تمحيص أرى أنه ذو الكفل المذكور في القرآن الكريم وانظروا لصوره كيف يضع الرداء على كتفه وفي معجم المعاني مع فارق التشبيه كِفْلُ الثَّوْرِ : قِطْعَةٌ مِنَ الثَّوْبِ تُوضَعُ عَلَى عُنُقِهِ