يوضح كتاب «كوبا المرعب: الضحكة والعشرين مليونا» للكاتب البريطاني مارتن إيميس، نقطتين متشابكتين في النظم الشمولية عموما، وليس في الاتحاد السوفييتي فقط: الأولى هي العنف الإبادي والإرهاب الذي تلحقه السلطة الشاملة بالشعوب التي تحكمها، والثانية هي الكوميديا السوداء التي تخلقها التناقضات الهائلة بين الأيديولوجيا والواقع.
طال عنف المنظومة وتناقضات الأيديولوجيا والواقع عائلة ستالين نفسه. زوجته الثانية انتحرت بعد حفل في الكرملين للذكرى 15 للثورة. ابنته سفيتلانا أحبت كاتب سيناريو فأرسله للسجن. شقيقها فاسيلي سلم لقائد المخابرات لتنشئته ثم أصبح طيارا مقاتلا (تم ترفيعه بسرعة ليصبح قائدا للقوى الجوية)… ومدمنا على الكحول ومزواجا. أخو زوجة ستالين الأولى أعدم بتهمة التجسس واعتقلت زوجته ونفي ابنهما. أخت الزوجة اعتقلت وماتت في السجن. شقيقة زوجته الثانية وزوجها اعتقلا بتهمة التجسس. أرملة أخوها وزوجة عمها اعتقلتا.
استهدف ستالين البلد الذي ولد فيه بالعنف الرهيب، بحيث «لم يكن هناك ضحايا عوملوا بوحشية أكبر من الجورجيين». من أعضاء الوفد لمؤتمر الحزب الـ644، في أيار/مايو من ذاك العام، 425 منهم قتلوا، أو أرسلوا إلى الغولاغ (الذي كان في أكثر أوقاته وحشية بين 1937 – 1938). مؤسس الجمهورية، ماميا أوراخيلاشفيلي، قلعت عيناه واستخرجت طبلتا أذنيه بحضور زوجته. رئيس الحزب نيستور لاكوبا الذي سمّم ودفن بتكريم عام 1936، تم اكتشافه بعدها كعدو للشعب، وعذبت زوجته حتى الموت في حضور ابنهما ذي الرابعة عشرة من العمر الذي أرسل إلى الغولاغ مع ثلاثة من رفاقه.
حين قام المحققون بتعذيب بودو مديفاني (الذي سيقتل وتقتل عائلته) رئيس وزراء جورجيا السابق، قال لهم محتجا، «تقولون إن ستالين وعد بالعفو عن حيوات البلاشفة القدماء! أعرف ستالين منذ ثلاثين عاما. لن يرتاح حتى يذبحنا كلنا، بدءا من الطفل غير الرضيع وانتهاء بالجدة العمياء». «كلنا،» يعلّق أيميس قد تعني «كل الجورجيين» (أو كل المواطنين السوفييت). زوجة لينين، التي تلقّت شتائم بذيئة من ستالين عام 1922، لأنها نقلت ورقة من مشفاه تمتدح تروتسكي، رأت أنه لو لم يمت لينين لكان قضى نحبه بالإعدامات التي طالت قادة البلاشفة.
أصدرت السلطات قانونا يعتبر الضباط السوفييت الأسرى «خونة» يمكن اعتقال عائلاتهم. أسر ياكوف، ابن ستالين، وضعه في ورطة، فابنه صار خائنا، وهو نفسه يمكن اعتقاله. وجد ستالين حلا: اعتقل زوجة ابنه!
كان ثمن بقاء المسؤولين المقربين من ستالين، على قيد الحياة، لاحقا، حسب أيميس، هو السكوت على التضحية بأقرب الناس إليهم. تعرضت زوجة ابن نيكيتا خروتشوف للسجن، كما ألقيت زوجة مولوتوف في الغولاغ، وتم تعذيب زوجة كالينين قبل إرسالها للغولاغ، ونفي ابنا ميكويان للغولاغ، وأرسلت زوجة بوسكريبيشيف للغولاغ ثم أعدمت. كان هؤلاء من الحلقة الصغيرة المحيطة بستالين التي عمل أفرادها معه وشربوا الكحول وسهروا الليالي.
من المثير في قضيتي المجاعة والإرهاب اللذين بدآ في حقبة لينين، أن لينين الذي اضطر للسماح لهيئة الإغاثة الأمريكية بإنقاذ الجوعى في روسيا (ما ساهم في نجاة قرابة 10 ملايين شخص) منعها من ذلك في أوكرانيا.
مفيد في السياق التاريخي الحالي تتبع بعض آثار الكراهية العنيفة من البلاشفة، لأوكرانيا خصوصا، بين 1918- 20 قام الجيش الأحمر باجتياحها عدة مرات، وفي فترة المجاعة الكبرى استمرت مصادرة الأغذية حتى 1933، وحين هرب الفلاحون إلى المدن صدر قرار بمنع «اختراق الكولاك للمدن» واعتبرت تلك هجرة بتنظيم من «أعداء النظام» و»العملاء الأجانب». من شدة اليأس والجوع هرب كثير من الفلاحين من أطفالهم، وبعضهم قتلوهم وأكلوهم. تحول الناس إلى أكلة للحم البشر، وللحومهم أيضا التي التصقت بعظامهم.
شمل «الإرهاب العظيم» على أي حال، كل سكان الاتحاد السوفييتي. خلال الأعوام 1929-1933، ورغم أن الكولاك (الفلاحين الأغنياء) كان قد قضي عليهم، لكن كان مطلوبا خلق عدو جديد وإشاعة الإرهاب وبدء «عبادة ستالين». سياسة «القضاء على الكولاك» كانت، عمليا، تصادر الأراضي التي وزعها البلاشفة ثم إعادة تشغيل ملاكها عليها كعبيد. كان الفلاحون يشكلون 85% من السكان، وقدّر ستالين، المغرم بالأرقام، عدد الضحايا الذين سيموتون خلال عملية «التجميع» بـ12 مليون شخص، لكن الأرقام التقريبية وصلت إلى 20 مليونا، وكان عدد الأطفال القتلى وحدهم 4 ملايين. مات خمسة ملايين في أوكرانيا ومليونان في أقاليم كوبان، الدون والفولغا وكازاخستان وهذه كانت أغنى الأراضي الزراعية في الاتحاد السوفييتي. شمل الإرهاب أيضا المسؤولين عن النظام (لإرهاب القائمين على الإرهاب) فاعتقل عام 1930، 20 ألفا من الناشطين الشيوعيين بتهمة «التعاطف الإجرامي» مع الفلاحين.
ما علاقة زبالة الفلاسفة بالصراع الطبقي؟
سخر دافيد ريازونوف، الشيوعي القديم، من ستالين قائلا: «كوبا، لا تتصرف كالأحمق. الكلّ يعلم أن النظرية ليست الحقل الذي تبرع فيه». وهو تصريح سيكلّف صاحبه الكثير. بمجرد وفاة لينين عام 1924، قدم ستالين عدة محاضرات، تم طبعها لاحقا في كتاب بعنوان «قواعد اللينينية» وقد احتوى كله على اقتباسات من لينين جمعها باحث يدعى كزينوفونتوف، وهو سيدفع أيضا ثمن مساهمته!
في عام 1925 عيّن ستالين جان ستين نائب رئيس مؤسسة ماركس ـ أنغلز، ليكون مدرّسه الخاص لتعليمه مبادئ «المادية الديالكتيكية» واستمرت الدروس مرتين في الأسبوع لمدة ثلاث سنوات كان ستين يشرح فيها أفكار هيغل، كانط، فويرباخ، فيتشه، شيلينغ، وبليخانوف. كان ستالين يعلّق خلال الدروس قائلا: «من يستخدم كل هذه الزبالة في الأمور العملية؟» و»ما علاقة كل هذا بالصراع الطبقي؟». انتهت الدراسة عام 1928، وفي عام 1930 وفيما كانت البلاد تتعرض لموجة هستيرية من إرهاب الدولة، وجد الزعيم وقتا ليحاضر في مجموعة من كبار الأكاديميين قائلا: «يجب أن نقلب كل كومة الخراء التي تجمعت في مسائل الفلسفة والفيزياء الطبيعية. كل شيء كتبته مجموعة ديبورين يجب أن يحطم. يمكننا رمي ستين وكاريف للخارج. ستين يتفاخر كثيرا لكنه مجرد تلميذ لكاريف. ستين هو كسول يائس. كل ما يمكن أن يفعله هو الكلام».
تم اتهام ستين وآخرين بـ»المثالية المنشفية» وبـ»عدم تقدير المادية الجدلية». لم يفهم أحد ما يريده ستالين، ولذلك لجأ الجميع، خوفا على سلامتهم، للتوقف عن الكتابة في الموضوع. طُلب من كاتب «قواعد اللينينية» أن يتوقف عن العمل وتم إعدامه لاحقا. جان ستين اتهم بأنه «يلحس بصاق تروتسكي» وتم إعدامه لاحقا. ريازونوف، الذي قال لستالين أن يتوقف عن الحماقة اتهم بتدبير مؤامرة منشفية وطرد من الحزب ونُفي ثم أعدم.
يمكن تلخيص ترابط المجزرة والمسخرة في «التجربة الشيوعية» بهاتين الواقعتين: عام 1937 حسبت هيئة الإحصاء عدد سكان الاتحاد السوفييتي فكانت 163 مليونا. كان ستالين يتوقع 170 مليونا وعليه تم إعلان أعضاء هيئة الإحصاء «جواسيس مخربين» وتم إعدامهم. لم يتطابق الواقع مع الرقم فعوقب أشخاص بالموت، رغم أن الأرقام تم تسليمها لستالين شخصيا ولم تعلن على الملأ!
الواقعة الثانية تتعلق بابن ستالين الأول، ياكوف. خلال الحرب العالمية الثانية عام 1941، وبناء على توجيهات الزعيم أعلنت السلطات أن من يقعون في أسر الألمان هم «خونة أشرار» وأن عائلاتهم يمكن أن تعتقل. أسر النازيين لياكوف وضع ستالين في ورطة فابنه صار خائنا وهو نفسه معرّض للاعتقال. والحل كان اعتقال زوجة ياكوف التي سجنت سنتين!
تحية للأخ حسام وللأخ الرائي، وليس دفاعا عن ستالين هنا أيضا، ولكن ما لا يستطيع المتأسلمون الأدعياء أن يروه حقا هو أن هناك صفتين “مشتركتين” بين الرسول وستالين تم التنويه عنهما دون قصد أو “دراية” في النص والتعليق، ألا وهما:
الصفة الأولى: عدم تصديق المنجمين بشكل قطعي (مما يدل على الواقعية الصارمة).
الصفة الثانية: عدم محاباة الأقربين بشكل قطعي (مما يدل على الديمقراطية الصارمة).
وبالمناسبة، ستالين كان من الروس المعجبين جدا بشخصية الرسول !!؟
أختي سماهر البارودي، هذا تشابه لانعنى له فالورد أصفر والشمس صفراء أوعلم الدولة في تركيا (والإتحاد السوفيتي سابقًا) والصين أحمر اللون!. محمد رسول الله كان يقول رجعنا من الجهاد الأصغر (محاربة المشركين) إلى الجهاد الأكبر (جهاد النفس). باختصار ستالين مجرم حرب وقاتل أطفال ومستبد ومكانه الصحيح مزبلة التاريخ كالنازيين ومثله أنظمتنا الإستبدادية القمعية كبشارون والسيسون والقذافون وصدامون …. !
كما عودنا الأستاذ حسام، تجري عملية القراءة دائماً في جملة أفكار ومواضيع، هي من البنى القوية التي تساهم في عملية أعمارٍ وتجديد لفكرة سالفة وقد تكون هادمة، ولربما هذا القراءة في الكوميديا السوداء والتي أشار إليها الكاتب بالمسخرة، وعلاقته بالمجازر، يعيد أمام ناظرنا، مجازر الأسد وكلّ من حوله، في ملتهم أيضاً، ما أشبه التاريخ وما ألعن هذه الأنظمة التي تقوم على جماجم وأرواح شعوبها.
خالص الشكر
عزيزنا حسام الدين محمد ، حقيقة في كل من مقالك هذا ومقالك في الأسبوع الماضي (الشيوعية والمثقفون: فتنة الطغيان) ، هنالك خلط واضح بين الشيوعية الحقيقية والشيوعية المزيفة (أو غير الحقيقية ، إذا توخينا “لطف التعبير”) ، ففي أغلب العرض في المقالين يأتي الكلام “النظري” عن الأولى بامتياز في حين أن الاستشهاد بالأمثلة “العملية” يأتي عن الثانية بامتياز كذلك ؛ المرة الوحيدة واليتيمة التي تكلمتَ فيها عن الأولى (أي الشيوعية الحقيقية) هي عندما أشرتَ إلى اعتقال 20 ألفا من الناشطين الشيوعيين (الحقيقيين) بتهمة «التعاطف الإجرامي» مع الفلاحين عام 1930 …… مع التحية