ليس سراً يباح، ولا صدفة أتت من فراغ وخُلقت من عدم، أن العداء لأمريكا ومن سار معها وفي ركابها موجود ومتناثر في كل مكان من عالمنا، فأمريكا لها مصالح كبرى وغايات تواصل العمل لتحقيقها والدفاع عنها بما ظهر واستتر، وما خشُن ونعُم من الأدوات والوسائل، كل هذا تقوم به أجهزة ومؤسسات وكوادر ذات أذرع وأنياب، تخلق أشكالاً وألواناً وأحجاماً متباينة من مشاعر العداء عبر العديد من الدول والثقافات، ورغم أن السياسة الخارجية الأمريكية قد تُنتج وتطرح عداءً من باب الفعل وردّ الفعل، لكن ردود الأفعال قد أصبحت سياسات من العنف ومدارس من النقمة، غالباً ما تخطئ الاتجاه وكثيراً ما تُضل الطريق. لقد أصبح التطرف والتعصّب فزعاً وكابوساً أمريكياً وغربياً، وفزّاعة تُشدّ بها رحال الجيوش وتغزا بها الأوطان، وبنفس الوقت قد أصبح التطرف مشكلة خطيرة تهدد الأمن والسلام في مجتمعه، وتسمم أهله وجيرانه، ابتداءً من عدم قبول المنطق والصواب رغم وضوح الأدلة والشواهد، بسبب ميلٍ أعمى إلى جهة أو جماعة أو مذهب أو فكر معين، فتُصادر آراء الآخرين ويُرفض الآخر ولا يُحترم، ثم مروراً بالمغالاة الحادّة والإفراط في الموقف عند الاقتراب من دوائر الدين والسياسة والايديولوجيا، ليعاني المجتمع الذي بُليّ بالتطرف والمتطرفين، وليكابد من إشاعة عدم الاطمئنان وبث الرعب والفزع، فتكون النتيجة عدم الاستقرار والتأخّر. قد يُنظّر دعاة التطرف ويفسرون تطرفهم، فيصبح القتل والعنف وجهة نظر، مُضرّجة بلونها الأحمر، فأمريكا قد احتلت ودمرت البلاد، وأوقعت الظلم والقهر والعدوان على العباد، وفي معظم الأحيان بدون غطاء شرعي أو دوليّ أو حتى أخلاقي، بالإضافة لفقدان المجتمعات المغلوبة على أمرها للنظام المؤسساتي وضبابية الطابع المدني في إدارة شؤونها، وان استكبار أمريكا ومن معها قد فاقم الفقر والبطالة والجهل، في بحر الأفراد والجماعات والأمم، وهنا نسأل إن قَبِلنا الآخر ومضغ السؤال، هل تُواجه أمريكا بقتل الأبرياء وتدمير المباني واستهداف أعداد من الرعايا، أم بخطف الطائرات ونسفها وزرع العبوات في القطارات والموانئ والجسور، أم بخطف المدنيين واحتجازهم مقابل مطالب لن تُحقّق، وشروط تنتهي إلى حقيبة من المال في نهايتها، وأخيراً وليس آخراً هل تُكره الشعوب والحكومات على تغير نهجها وسياساتها باستهداف الرياضيين وتفجير ميادينهم وبتر أطرافهم وأطراف من شاهدهم أو حتى إن صادفهم؟ كل ذلك ليس إلا غرقا في العمى وإمعانا في الإجرام، فمناطحة الغرب لِمَن أرادها لا تكون إلا بنمو تكنولوجي قدير ومتسارع، وتطور علمي وثقافي يغلق مسارب الجهل والانحدار، وحياة تزيّنها ديمقراطية متحضرة تقوم على التداول والتراكم، حياة تُحترم فيها المرأة وتصان حقوقها، وحياة يُطلق فيها عنان الصحافة والنقد والرأي الحر، ثم ليُنظر إلى النخب والمبدعين والمفكرين بعين الحرية والرعاية والإعجاب، وقبل كل شيءٍ أن يكون المجتمع لجميع أبنائه مهما اختلفت مذاهبهم وأديانهم وأعراقهم، فلا صوت يعلو على صوت المواطنة والحرية والمحبة، وأن السبيل لمواجهة الآخر لا تكون إلا برفع القامة لتطاول قامة الآخر، ونيل خوف الآخر لا يكون إلا بعد الحصول على احترام الآخر، وأن الشجاعة ليست بغسل العقول وتجييش البسطاء ودفعهم إلى وادٍ من الجهل والانتحار، لا يَصله إلا المغرّر بهم بعد أن يسلكوا ما تيسر لهم من .