الطريق للخروج هو الباب

حجم الخط
0

فشل المفاوضات السياسية بقيادة وزير الخارجية الامريكي جون كيري، ينتج مؤخرا في اسرائيل دعوات لانسحاب من طرف واحد من الضفة الغربية. لقد كرر لنا قادتنا في سلاح المدرعات أن لا تقولوا اانسحاب’، من الافضل أن تقولوا اتحسين مواقع الى الوراء’، ولكن ينبغي الفحص اذا كان انسحاب احادي الجانب من الضفة يمكن له أن يحسن الوضع الاستراتيجي لدولة اسرائيل.
ان منطلق المؤيدين لمثل هذا الانسحاب هو أن على اسرائيل ان تتحرر من أزمة الخيار بين غير المرغوب فيه وغير الممكن: بين تحقيق اتفاق دائم مع الفلسطينيين، والذين تبين كغير ممكن، وبين الوضع الراهن غير المرغوب فيه والذي ينطوي على آثار قاسية لاسرائيل في الساحة الفلسطينية، وكذا اساسا في الساحة الدولية. وبالتالي، كبديل ابداعي يجدر تبني نموذج الانسحاب احادي الجانب الذي يساعد اسرائيل على صد الضغط الدولي من الخارج وخطر ثنائية القومية من الداخل.
ولكني أعتقد بان منطق مؤيدي الانسحاب احادي الجانب وفهمهم للواقع مهزوزان. أولا، من قال انه لا يمكن الوصول الى اتفاق؟ ممكن بل وممكن جدا تحقيق اتفاق دائم على أساس مبادرة السلام العربية، الموضوعة امام دولة اسرائيل منذ 12 سنة. وهذه المبادرة تقوم على اساس انهاء النزاع الاسرائيلي ذ العربي، اقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل، شطب الخيار العسكري و احل عادل ومتفق عليهب لمسألة اللاجئين الفلسطينيين. وكل ذلك مقابل انسحاب اسرائيل الى خطوط 67، واقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
‘حل متفق عليهب يفترض مراعاة رأي اسرائيل ايضا، معناه الا تكون عودة جماعية للاجئين الى اسرائيل. هكذا ايضا فهم رافضو المبادرة العربية وعلى رأسهم حماس. ومن الايضاحات الرسمي الفلسطينية والعربية واضح أيضا ان مطلب انسحاب اسرائيل الى خطوط 67 لا يستبعد تعديلات حدودية على اساس الكتل الاستيطانية وتبادل الاراضي، ناهيك عن ضم الاحياء اليهودية في القدس الشرقية الى سيادة اسرائيل.
في أعقاب الهزة في سوريا واضح أيضا ان مسألة الجولان ليست على جدول الاعمال، والمبادرة العربية لا تركز الا على المسألة الفلسطينية. في أساس الأمر تشبه المبادرة العربية مقاييس بيل كلينتون في كانون الاول 2000. وأشار كلينتون الى حجم الارض التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية (94 – 96 في المئة من الضفة الغربية)، وذكر صراحة تعبير احق العودةب للاجئين الفلسطينيين. لو كانت المبادرة العربية تتضمن هذا المصطلح، لاعلنت اسرائيل انه بذلك ينكشف الوجه الحقيقي لمبادريها.
لا غرو أن مؤيدي احادي الجانب يتجاهلون تماما ذكر المبادرة العربية، وذلك لان التجاهل ينسجم مع ادعائهم بان التسوية الدائمة غير ممكنة. وبالفعل، مع حسم االمبادرة العربيةب فان التسوية الدائمة غير ممكنة. وبمبادرتهم احادية الجانب يرسمون عمليا السبيل الذي يستهدف الالتفاف على االمبادرة العربية’.
هل يمكن للانسحاب احادي الجانب ان يجلبنا بالتدريج الى تسوية سياسية؟ لا أعتقد ذلك.
برأيي، الخيار ليس بين التسوية السياسية وبين الوضع الراهن، بل بين التسوية السياسية ومظاهر مختلفة من ادارة النزاع. كل ما لا يؤدي الى تسوية سياسية، يندرج عمليا تحت عنوان اادارة النزاعب: انسحابات احادية الجانب على انواعها، تسويات مرحلية على أنواعها، تستهدف عدم الوصول إلى تسويات دائمة وكذا حالات وقف للنار مع حماس (مثل الهدنة والتهدئة). مخطيء من يعتقد بانه اذا كان يبادر الى انسحاب احادي الجانب ففي يده ايضا المبادرة لادارة النزاع. كل أنواع مظاهر ادارة النزاع لا يمكنها أن تنقذ اسرائيل من ضائقة ثنائية القومية. فاذا ما حبس الفلسطينيون في جيوب في مناطقهم المأهولة ستبقى اسرائيل تتحكم بمصيرهم في كل الجوانب. كما أن مؤيدي الانسحاب احادي الجانب لا يتصورون الانسحاب من غور الاردن ومن شرقي القدس، وخطتهم ستؤدي الى محاصرة الفلسطينيين في جيوبهم.
ما الذي سينفعه الحكماء بحكمتهم اذا ما بقيت اسرائيل في ضائقتها ثنائية القومية؟ هل الضغط الدولي سيرفع عنها؟ فمعروف أنه لم يولد (ولن يولد) الفلسطيني ذو المكانة الذي يكون مستعدا لان ينسق معنا انسحابا احادي الجانب لا ينشأ عن توافق على خط النهاية. لا هذا ولا ذاك، فمؤيدو الانسحاب احادي الجانب يخدمون حماس التي ستؤيد مبادرتهم لانها ليست تسوية ولا تنطوي على اثمان سياسية.
ماذا يشبه الامر؟ لمصمم داخلي يخلق تغييرا داخليا في البيت، يهدم حيطانا ويبني اخرى. ليس في ذلك ما يغير مبنى البيت (ثنائي القومية) نفسه. حسب السوابق الانسحاب من لبنان ومن غزة فان الانسحاب احادي الجانب ينطوي على غير قليل من الاضرار. واولئك الذين مع ذلك يتمسكون بهذه السوابق، ويجدون فيها بعض الايجاب، ينبغي أن يتذكروا بان اسرائيل انسحبت فيها بشكل احادي الجانب حتى آخر متر (باستثناء مزارع شبعا في لبنان). فاذا كانوا مستعدين لمثل هذا الانسحاب في الضفة الغربية، فلماذا لا يفضلون تسوية تضمن اثمانا سياسيا وأمنية ولا تستوجب انسحابا مطلقا؟ كيف يمكنهم أن يبرروا، في ضوء الرأي العام الاسرائيلي، الاخلاءات دون أي مقابل للبلدات اليهودية؟
ان التسوية السياسية الشاملة يمكنها أن تتم على مراحل حسب جدول زمني، ويمكن أن تندرج فيها انسحابات منسقة شريطة أن تكون جزءا من التوافق على خط النهاية. بمعنى، بداية ينبغي الوصول الى اتفاق شامل. ومثلما قال الحكيم الصيني: االسبيل للخروج هو الباب. فلماذا لا تستخدمون هذا المخرج؟’.

هآرتس 20/5/2014

ماتي شتاينبرغ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية