العاشرة مساء بتوقيت العالم

حجم الخط
1

(حانة)

في نهاية زقاق مهجور
حانة نصف مظلمة
تتعالى منها صيحات السكارى وقهقات النساء
وثرثرات مشوشة تتداخل مع طقطقات الكؤوس
لافتات عارية أضواء ماجنة أناشيد وأخبار
عن الحرب والبطولات والمغامرات الخليعة
وعن خطبة الكولونيل ذي العين الواحدة
وجنوده الذين اختفوا فجأة في البحر
في ركن بعيد من الحانة في زاوية لا مرئية
يجلس رجل بلحية كثة وعينين غائرتين
يتذكر ابنه المفقود في الحرب فيلتمع الليل
تسقط دمعة في الكأس الفارغة
تترنح الحانة
ويصير الكأس بحراً

(قبر زجاجي)

أمام البحر جندي بساق مبتورة
ووجه شاحب نحيل وعينين متجمدتين
يخبئ ذاكرته ورسائله القديمة في زجاجة
يرمي الزجاجة في البحر
ويمضي إلى شعاع في أقاصي الجليد
صار الوطن حبيساً في زجاجة
ابتلعت الزجاجة كل محيطات الأرض
وصار العالم قبراً زجاجياً

(العالم تحكمه فكرة)

من أجل فكرة تطور العالم
من الأميبيا إلى نظريات أينشتاين
وسيمفونيات بيتهوفن
من أجل فكرة صار العالم ثملاً بالتناقضات
وتقاسمته الأضداد المتساوية
من أجل فكرة صار القتل شريعة
ولون السماء أحمر
من أجل فكرة ظل الإله صامتاً يحتفي بعزلته
ومن أجل فكرة أيضاً
صار الإله فكرة تحتفي بشيخوختها

(العالم تحكمه جثة)

أفواج تحج بمشاعلها إلى الكهوف
كائنات بوجه مثلث وعين واحدة
صقيع متورم في جسد المدى
كاهن تيبست أطرافه يسكن القمة العالية
تراتيل وصلوات
ناقوس يدق في الأعالي/ سمفونية تهز السماء
كنت أتدحرج من أعلى القمة إلى أسفل الوادي
تتبعني تلال من الجماجم والرؤوس المقطوعة
أهرول في غابة من الجثث المتشابكة
أصرخ ولا أسمع صراخي
ألمح تابوتاً زجاجيا لجثتي
أحاول تقبيلها
لكنها تغمز لي بعين نصف مغمضة وتبصق في وجهي سائلها الأصفر
ثم تقول لي لا تصدق كل هذا السراب لا تمش واقفاً على أنفك
إقرأ هذا الكتاب
إقرأ هذا
إقرأ
هذا العالم إفعوان بسبعة رؤوس وسبعة أطراف وعين واحدة
هذا العالم خوف أزلي

(العاشرة مساءً إلى ما لا نهاية)

أصدقائي الذين فقدوا ذاكرتهم
باتوا يشبهون الرماد والأنهار المتيبسة
أصدقائي الذين أرى ظلالهم النحيلة في الدروب المقفرة
وألمح وجوههم تغيب بين دموع الجدران وفي احتضار الموسيقى
ما زلت أرى الإنسان يرقص ويبكي ويغني
يبتهل ويصلي
يجوع فيعرى
ثم يقتل نفسه
أو يصاب بالجنون
عندما يرى الكون ينسل هارباً من ثقب إبرة
هذا العالم متاهة لولبية
صورة تكرر نفسها إلى ما لا نهاية
هذا العالم كتاب من نار وطين
هذا العالم حلم داكن
هذا العالم رماد للغواية
هذا العالم تفاحة مقشرة
إنها العاشرة مساء أيها العالم
آن الآوان أن تستيقظ مرة أخرى وتعاود سيرتك الأولى
هذا الغد أمس للأمس الذي ما زال يمضي
هذا الأمس حاضر للغد الذي مضى
أما أنا سأرمي ذاكرتي في البحر
البحر الذي رميته من النافذة
النافذة التي أرى منها العالم
نقطة في ضوء أحدب

٭ كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالله الفارسي:

    رائعة جدا هذه السيمفونيات السابحة في الأفق ..
    إنها ثكلى بالوجع .. وعروس بهيجة بالحياة .
    شكرا أستاذ أوس

إشترك في قائمتنا البريدية