العالم أكثر أمنا من دون أمريكا

حجم الخط
0

للوهلة الأولى سيقف من يقرأ المقالة من عنوانها ويقول: وهل قتلت أمريكا عزيزا عليك أو أكلت مال أبيك أو انتهكت عرضك أو اعتقلت ولدك أوسجنت أخاك من دون جريرة، وهل.. وهل..؟ مع أن كل ذلك حاصل لي ولغيري، فليس لهذه الأسباب وحدها جاء المقال ولن أستبق التفاصيل. وسيحكم القارئ عند انتهائه من قراءة المقال.
فلو استعرض القارئ أماكن التوتر في العالم لوجدها كلها وليس أكثرها، تصاعد فيها التوتر بسبب مباشر من أمريكا أو بصورة غير مباشرة. لن أعود مع القارئ إلى بدايات صعود قوة أمريكا، بداية القرن العشرين أو قبله بقليل، بل سأبدأ من الأحداث القريبة في منطقتنا العربية، تحديدا أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين.
ذكرنا في مقالات سابقة أن الجيش السوري دخل لبنان تحت مظلة واشنطن. وقد طالبت القرارات الأممية بشار أسد بالانسحاب من لبنان فلم يستجب لها إلا في 26 نيسان/ابريل عام 2005، عندما خاطبه الرئيس الأمريكي جورج بوش بعبارات حادة داعيا سورية للخروج من لبنان، مؤكداً في 3 آذار/مارس 2005 ‘بأن العالم الحر متفق على أن سلطة دمشق على الشؤون السياسية اللبنانية يجب أن تنتهي الآن’. إن قول بوش كلمة ‘الآن’، يؤكد أن وجود الجيش السوري كان قبل ذلك في لبنان بمعرفة واشنطن وموافقتها، وإلا لكان من المفترض أن يكون ترك لبنان بعد اتفاق الطائف في عام 1989.
التدخل الأسدي في لبنان ترك وراءه آلاف القتلى من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وكل ذلك كان لمصلحة أمن إسرائيل، ومن دون نفوذ أمريكا كان لبنان سيكون أكثر أمنا.
أما في الصومال فقد حكم سياد بري بالحديد والنار وأطيح به في عام 1991 بثورة شعبية لتعيش الصومال في دوامة القلاقل وعدم الاستقرار. بعد حرب عاصفة الصحراء ضد العراق، التي خرج منها الرئيس الأمريكي جورج بوش كالفاتح الغازي، فلم يلو عنان طائراته إلا بعد أن أدخل خمسة عشر ألف جندي من المارينز إلى مقاديشو كي يعاقب الصوماليين على انقلابهم على عميل أمريكا سياد بري. وقد قام جنديان من رعاة البقر من جنود أمريكا بتعليق مواطن صومالي فوق نار تلظــــى وشووه كما تشوى الدجاجة، فرد عليهم الصوماليون بتعليق عدد من الجنود الأمريكيين على سفافيد وشووهم فوق نار تشتعل، ما اضطر واشنطن التي أشعلت نار الحرب إلى سحب جنودها بعد أن تركت الصومال تحترق بالحرب الأهلية حتى الآن. ولولا تدخل واشنطن كانت الصومال أكثر أمنا.
من دون الدخول في معرفة من قام بهجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001، مع أن أدلة مهمة تشير لبراءة العرب التسعة عشر من هذه الجريمة، فقد رفضت واشنطن تكليف لجنة من مجلس الأمن بالقيام بتحقيق حيادي، كما فعل عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري. وقد سار العالم بمن فيهم العرب، كالعميان وراء أحقاد جورج بوش الابن، الذي كان يتلمظ لسفك دماء المسلمين ونهب ثرواتهم. وقاد الجيوش ليدمر أفغانستان، التي لم تكن قد انتهت من إعمار ما خربه عدوان الاتحاد السوفييتي. وقد قتلت الجيوش الأمريكية الألوف حتى الآن، ومن دونها كانت أفغانستان أكثر أمنا.
وكأن دماء الأفغان لم ترو عطش جورج بوش الابن لدماء المسلمين، فتآمر مع توني بلير وزعما ، زورا وبهتانا، أن العراق لم يدمر كل أسلحته من الدمار الشامل. فشن الصديقان حربا أتت على كل مقومات الحضارة في العراق، وتسببت بقتل مئات الألوف. خرج الأمريكان من العراق وهو أقل أمنا، وتركوا نوري المالكي ليكمل تدمير ما تبقى من وئام بين مكونات الشعب العراقي.
اليوم، يقف العالم كله مؤيدا ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في سورية لإزاحة الطاغوت الذي أذاق السوريين صنوف القهر والإذلال، واعتقل كل من رأى بعينيه نظرة مجرد نظرة رفض لطغيانه واستبداده، وهرب الملايين خارج سورية.
استبشر السوريون بتصريح الرئيس أوباما بأن على بشار أن يرحل، لكن هذا التصريح لم يتعد حدود القول. فقد رفض أوباما تسليح الجيش الحر بصواريخ مضادة لطائرات بشار أسد وقاذفات تدمر دباباته. ليس هذا فحسب فقد طالب دولا تدور في فلك واشنطن ألا تزود الجيش الحر بتلك الأسلحة.
استطرادا نورد هنا آخر ما نشر عن رفض أوباما لتقديم أسلحة للجيش الحر. فقد كشفت صحيفة ‘وورلد تريبيون’ الأمريكية في 1 ابريل 2013 على لسان مصادر أمريكية بالبيت الأبيض أن: ‘أوباما عازم على التصالح مع إيران الحليف الأول لبشار أسد، ورفض النظر في تقديم أي شيء للثوار في سورية غير المواد الغذائية والدواء’. وقد سرب موقع ‘ويكيليكس’ وثيقة تكشف عن تقديم الولايات المتحدة لنظام بشار الأسد خمسة مليارات دولار لمواجهة المعارضة لتخوّف أمريكا من البديل في حال سقوط الأسد هو وصول الإسلاميين لسدة الحكم. ولولا حظر واشنطن السلاح عن الجيش الحر لما بلغ عدد القتلى مئة ألف أو يزيدون، ولكانت سورية أقل تدميرا.
يوم أطيح بالرئيس التونسي بن علي، انبرت الصحف الفرنسية منددة بالحكومة الفرنسية لأنها سكتت عن جرائم بن علي. أكثر ما يميز الإدارات الأمريكية سكوتها عن الحكام المستبدين، بل كثيرا ما كانت تمهد لهم طريق الوصول للحكم كما فعلت مع حافظ أسد.
استعرضت هنا بعض الأمثلة، وهي غيض من فيض، مما فعلته وتفعله الإدارات الأمريكية بزرع القلاقل وإثارة عدم الاستقرار في دول العالم الثالث، وتزعم أنها تريد مساعدة الشعوب المضطهدة للتخلص من حكم الأنظمة المستبدة الفاسدة، وإشاعة الحرية في الدول الاستبدادية. وكم كانت دول العالم ستكون أكثر أمنا لولا تدخل الولايات المتحدة في شؤونها.
نذكّر هنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُبِقت ناقته ‘العضباء’، فحزن الصحابة لذلك فقال: ‘إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه’. صدق رسول الله، فإن ما تفعله أمريكا سيرتد عليها يوما عندما تتفكك إلى ولايات مستقلة يحارب بعضها بعضا. وإن غدا لناظره قريب.

‘ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية