لم تتوقف الحكومات، ومنذ القدم، عن بناء الجدران حول بلدانها، وإمبراطوراتها للحماية من الأخطار الخارجية. وعبر التاريخ تحصنت المدن ببناء الأسوار حولها والتي نراها ماثلة إلى اليوم، ويبقى سور الصين العظيم كأكبر أثر عمراني قامت به إمبراطوريات الصين المتعاقبة منذ القرن الثالث قبل الميلاد والذي يبلغ طوله أكثر من 21 ألف كم، لحماية الصين من هجمات الأعداء. أو جدار هادريان الذي شيده الامبراطور هادريان في القرن الثاني قبل الميلاد الذي يفصل بريطانيا عن سكوتلاندا ويبلغ طوله حوالي 120 كم. وجدران أخرى هنا وهناك جميعها كانت للتحصين ضد الخارج. وانتشرت بشكل أوسع في القرون الوسطى، وعرفت أمريكا المكتشفة أول جدار في نيويورك بني لصد هجمات الهنود الحمر والذي يسمى اليوم (وول ستريت).
إسرائيل الدولة المتجدرنة
في كتابه المعنون ” المتجدرنون” ( les emmurés) يصف صحافي فرنسي كيف تحولت إسرائيل إلى دولة محصنة بالجدران، وهذا الجدار الذي بدأ بناؤه في العام 2002 بعد الانتفاضة الفلسطينية مباشرة يبلغ طوله أكثر من 400 كلم يفصل أراضي الحكم الذاتي الفلسطينية عن إسرائيل، يعزل تماما إسرائيل ويمنع الفلسطينيين من الدخول والخروج، وقسم قرى وبلدات وعائلات باتت تعيش ما وراء الجدار. وتتذرع إسرائيل بأن بناء الجدار جاء لدواع أمنية بعد الهجمات المتكررة لفلسطينيين قاموا بعمليات داخل إسرائيل.
حرب الجدران بين المغرب والجزائر
الأزمة بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء الغربية، والتي تتجدد وتحتد بين فينة وأخرى، دفعت الجانبين إلى تحصين بلادهما الواحد ضد الآخر، فقام المغرب ببناء سور عازل يصل طوله إلى أكثر من مئة كلم، وقامت الجزائر في العام 2016 في أشغال بناء جدار عازل بارتفاع سبعة أمتار وعرض مترين ويمتد على مسافة حوالي 250 كلم. واليوم تعود نذر حرب وشيكة بينهما.
أوربا المتحصنة ضد المهاجرين
في الفترة الأخيرة بعد ثورات الربيع العربي والحروب التي اندلعت في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وأفغانستان، ثم في اليمن، والأزمات السياسية والاقتصادية التي عمت بلدانا كثيرة كلبنان، ومصر، ودول المغرب العربي، وكذلك في أكثر من بلد افريقي دفعت الملايين من السكان إلى اللجوء في بلدان مجاورة، أو الهجرة السرية إلى بلدان أوروبية. وكانت أكبر الهجرات واللجوء التي شهدتها السنوات الأخيرة اندفعت من سوريا حيث بلغ عدد السكان الذين تجاوزوا الحدود السورية أكثر من ستة ملايين نسمة حسب إحصائيات الأمم المتحدة. كما أثار انسحاب الولايات المتحدة المفاجئ من أفغانستان وعودة الطالبان إلى السلطة في البلاد دفع الكثير من الأفغان إلى مغادرة البلاد. بدأت موجات الهجرة الكبيرة التوجه إلى أوروبا عبر نقاط عبور في اليونان، أو إيطاليا (عبر البحر). وقامت اليونان بتشييد حواجز لمنع وصول المهاجرين إليها.
الاتحاد الأوروبي: تمويل بناء جدران
تلقت مفوضية الاتحاد الأوروبي رسالة من 12 دولة في الاتحاد تطلب من التكتل تمويل بناء جدران لمنع الهجرة غير النظامية. ووصفت هذه الدول هذا الإجراء بالشرعي داعية إلى دعمه “لأنه يخدم مصلحة الاتحاد ككل”.
وجاء في الخطاب، الذي تم إرساله إلى كل من مارغاريتيس شيناس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، ويلفا جوهانسون، مفوضة الشؤون الداخلية “يجب تمويل هذا الإجراء الشرعي، بشكل إضافي وكاف من ميزانية الإتحاد الأوروبي، كمسألة ذات أولوية”.
وكانت ليتوانيا، وهي واحدة من الدول الموقعة على الخطاب، قد قررت بالفعل بناء سياج طوله 508 كيلومترات (316 ميلا)، على حدودها مع بيلاروسيا، لوقف موجة غير مسبوقة للمهاجرين، الذين يتدفقون إلى شرق الاتحاد الأوروبي.
كما كشفت لاتفيا المجاورة، التي وقعت أيضا على الخطاب، النقاب عن خطة مماثلة لبناء سياج من الأسلاك الشائكة، طوله 134 كيلومترا على حدودها مع بيلاروسيا. هذه الأسيجة والجدران التي تنتشر في العالم تجعل منه عالما متحصنا ضد بعضه البعض. ويخالف كل الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، ومبادئ الليبرالية التي بنيت على أساس دعه يفعل، دعه يمر، ومبادئ الحرية وحقوق اللجوء عندما يتعرض الناس لخطر على حياتهم جراء الحروب، والأوبئة والمجاعات. وتأتي كارثة الانحباس الحراري لتزيد في الطين بلة، ليتفاقم الفقر، والتصحر، والكوارث الطبيعية من فيضانات، وزلازل، والتي سببها الرئيسي هو انبعاث الغازات الدفيئة من قبل الدول الصناعية والتي تقع عليها المسؤولية كاملة أيضا في الهجرات بسبب تاريخها الاستعماري السابق، ونهب ثروات البلدان. اليوم يجب إعادة التفكير بإنقاذ البشرية ككل بجهد عالمي والحل ليس ببناء الأسوار والجدران، بل في وضع استراتيجيات لحلول مستدامة لأزمة الإنسانية ككل.
*
كاتب سوري
ولا يقاتلونكم إلا من وراء جدر.،. جمع جدار صدق الله العظيم