هناك مقاربة ساخرة بين الرحلة الأخيرة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أمريكا اللاتينية، وحضوره قمة دول العشرين في البرازيل، وبين قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، توجيه اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يواف غالانت، بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية.
ففي حالة بايدن، تمثل الرحلة الأولى والأخيرة له للقارة الأمريكية الجنوبية، بمثابة إسدال الستار على أسوأ رئاسة في تاريخ الولايات المتحدة. رئاسة بدأت بمحاولة إعادة موقف أمريكا في العالم واستعادة الثقة بها بعد أربع سنوات فوضوية من حكم دونالد ترامب. كان بايدن وحيدا في قمة العشرين، ولم ينتظره المشاركون لالتقاط صور جماعية، مثلما لم ينتظروا جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، فحضور بايدن لم يكن مهما في حد ذاته، فلا أحد من القادة الحاضرين يريد الحديث مع «بطة عرجاء» سهلت ومولت عملية الإبادة الجماعية في غزة، وتجد نفسها متهمة بجرائم حرب كتلك التي وجهتها يوم الخميس محكمة الجنايات الدولية لنتنياهو وغالانت.
وهنا ما يربطه بنتياهو، الذي أصبح مجرم حرب ومطلوبا دوليا مثل بقية المطلوبين الذين أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرات للقبض عليهم. وسيجد نتنياهو ووزير دفاعه السابق نفسيهما في عالم منكمش، ليس مرحبا بهما، خاصة في الدول التي وقعت على نظام روما، المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، الـ 124 دولة، ومنها فلسطين التي انضمت إلى الجنائية الدولية عام 2015 ما يعني اختصاص المحكمة يشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة. وقد عبرت معظم الدول الموقعة على نظام المحكمة ومنها الحليفة لإسرائيل والتي أسهمت بتسليح وتقديم الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل في الأمم المتحدة عن التزامها بأمر المحكمة، إلا الولايات المتحدة (غير موقعة) التي شجبت في أيار/مايو قرار مدعي عام الجنائية، كريم خان الطلب من قضاة ما قبل المحاكمة إستصدار مذكرات بحق نتنياهو وغالانت وثلاثة من قادة حماس، ووصف بايدن الخطوة بالشائنة وأكد أنه لا مساواة أخلاقية بين قادة إسرائيل وحماس الإرهابية. وهددت أمريكا المحكمة وقضاتها باتخاذ إجراءات وعقوبات ضدها، وهناك مشروع قانون مرره مجلس النواب وينتظر موافقة مجلس الشيوخ لمعاقبة الجنائية الدولية. وهذا يفسر الضغوط التي تعرض لها القضاة وتأخرهم ستة أشهر لاستصدار الحكم، مع أن المدة القانونية هي شهرين، فيما لم يستغرق قرار استصدار مذكرة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوى عدة أسابيع.
اختفى من الصورة
وهو ما يعيدنا للمفارقة الصارخة بين بايدن الذي وجد نفسه وحيدا في غابات الأمازون ونتنياهو المطلوب دوليا والمجرم. فكما يقول إيشان ثارور في صحيفة «واشنطن بوست» (20/11/2024) فقد فرض المجاز نفسه، فلم يكن بايدن في آخر لقاء دولي يحضره كرئيس، واقفا بين المشاركين. وتحدث المسؤولون الأمريكيون عن قضايا لوجيستية أخرت بايدن عن حفلة الصورة التي غاب عنها ترودو ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني أيضا.
وكتب معلق يميني على منصات التواصل الاجتماعي يوم الإثنين إن وقوف بايدن في الأمام أو الوسط في منصة ريو دي جانيرو لم يكن مهما. فمع أن بايدن حاول أن يجعل من رحلته هذه أغنية «البجعة الأخيرة» ولكنها أكدت موقعه كبطة عرجاء ينتظر انتقال السلطة لإدارة جمهورية.
كما ووجد بايدن في أول وآخر رحلة إلى أمريكا اللاتينية نفسه في ظل الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي التقاه في العاصمة البيروية، ليما. وحظي شي باستقبال حافل في بيرو والبرازيل وفرش له البساط الأحمر ما يتناسب مع التوسع الصيني في هذه القارة. وتعلم رحلة بايدن الوداعية صورة عن إرثه الذي حاول مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان تحديده بما عمله في أوكرانيا. ومن المفارقة أنه وافق في هذه الرحلة على استخدام أوكرانيا السلاح الأمريكي والأوروبي لضرب العمق الروسي.
خيبة الأمل
وصورة بايدن المؤسفة مع صورته عندما دخل بايدن البيت الأبيض واعدا بإعادة القيادة الأمريكية التي تشوهت أثناء فترة دونالد ترامب الأولى، فهو وإن حشد الدعم لأوكرانيا إلا أنه كان راقب سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان والخروج الفوضوي من هناك، ويخرج من الحكم وهو متورط في الحرب الإسرائيلية ضد غزة والتي قتل فيها أكثر من 44.000 شخص وتشريد معظم سكان القطاع وتدميره. ومن هنا فبدلا من «إصلاح» ما خربه ترامب ينهي بايدن «استراحته» في عصر ترامبي أكثر غضبا. فمع عودة ترامب فقادة العالم كانوا يريدون التحدث عن القادم وليس الماضي الذي بات يمثله بايدن، الذي لم يكن قادرا على إقناع عالم الجنوب بمصداقية أفعاله، نظرا لدعمه الثابت للإبادة في غزة. والحقيقة أن الديمقراطيين خسروا الانتخابات نظرا لرفضهم تغيير موقفهم من الحرب في غزة واتخاذ أبسط المواقف لإقناع الناخبين، وهو ما استمر بايدن برفضه وتمسكت به كامالا هاريس التي حلت محله كمرشحة للديمقراطيين. وأدت مواقف الإدارة الحالية ودفاعها المستمر عن إسرائيل لعزلتها الدولية، وقد تبدت في التصويت بمجلس الأمن الدولي على مشروع قرار لوقف النار في غزة، حيث كان نائب المندوبة الأمريكية الوحيد الذي رفع يد بالفيتو، وهذه هي المرة الرابعة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الفيتو حماية لإسرائيل.
مواصلة دعم إسرائيل
والحقيقة الأخرى هي ان الديمقراطيين الذين أنقسموا حول الحرب في غزة ودعم إسرائيل واجهوا ويواجهون كما تقول صحيفة «نيويورك تايمز» (19/11/2024) سلسلة من الاختبارات في الأسابيع المقبلة بشأن الاستمرار في دعم الحكومة اليمينية الإسرائيلية والنقاش المصاحب حول معاداة السامية واليسار المناهض لإسرائيل.
من ذلك تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي ضد قرار صاغه السناتور عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، وهو مستقل ويهودي، لحرمان إسرائيل من بعض الأسلحة العسكرية الهجومية. ورغم أن القرار رمزي إلى حد كبير، إلا أنه أصبح مشبعا بالمعنى. وإلى جانب هذا، مشروع قرار يتعلق بمعاداة السامية، أقره مجلس النواب في أيار/مايو. وهو قرار يعتبر اختبارا لوحدة الحزب الديمقراطي. وتم تمريره بأغلبية ساحقة، بينما كانت المظاهرات المناهضة لإسرائيل تهز الحرم الجامعي، ويوسع تعريف معاداة السامية ليشمل «إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير» على سبيل المثال، «بالزعم بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري». وبموجب تعريف التشريع، فإن «إجراء مقارنات بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة وسياسة النازيين» يعتبر خطاب كراهية معاد للسامية، وربما يكون آخر ما يقوم به تشاك تشومر، الديمقراطي اليهودي عن نيويورك كزعيم للأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.
كما ويحاول الجمهوريون استغلال اللحظة الحالية وانقسامات الديمقراطيين بشأن إسرائيل ودعمها وأعدوا مشروعا تم التصويت عليه، من شأنه أن يمنح وزارة الخزانة المزيد من السلطة لإلغاء وضع الإعفاء الضريبي لأي منظمة غير ربحية تعتبر «منظمة داعمة للإرهاب» وهو التشريع الذي تخشى الجماعات المؤيدة للفلسطينيين أن يضعهم في مرمى نيران إدارة ترامب المقبلة. وسيواجه الديمقراطيون في كانون الثاني/يناير، إدارة جمهورية، لا يزال ترامب يختار المرشحين لها. يأتي هذا ضمن ما يتعرض له المؤيدون لفلسطين من قمع لحرية التعبير في الجامعات الأمريكية، فكما أظهر موقع «انترسبت»(18/11/2024) فقد استعدت الجامعات الأمريكية طوال الصيف لبناء استراتيجيات وإجراءات تجعل من التجمعات المؤيدة لغزة محرمة، وفرضت عقوبات على جماعات تطالب بالعدالة لفلسطين، مثل طلاب من أجل العدالة في فلسطين، وأصدرت إنذارات أو علقت دراسة عدد من أعضائها، وكذا المجموعة الأخرى، أصوات يهودية للسلام التي شاركت في انتفاضة الربيع الأمريكي. ومن المؤكد أن يزداد القمع للأصوات المؤيدة لفلسطين في ظل ترامب الذي هدد بترحيل الطلاب الأجانب الذين يشاركون في تظاهرات مؤيدة لغزة.
ضد الجنائية
في ضوء الدعم الشامل من قبل المؤسسة السياسية الأمريكية لنتنياهو وحكومته المتطرفة، لم يكن مفاجئا رد الإدارة الأمريكية على قرار الجنائية الدولية، حيث كشف القرار المتأخر عن المعايير المزدوجة في أمريكا، فقد رحب المشرعون الأمريكيون بقرارها عندما أصدرت مذكرات ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولكنهم سارعوا باتهام الجنائية الدولية بأنها متحيزة وهددوا بفرض العقوبات عليه، كما يقول إيشان ثارور في صحيفة «واشنطن بوست» (21/11/2024) وأشار لرد السناتور الجمهوري عن اركنساس، توم كوتون، الذي وصف المحكمة بالكيان المزور من قبل الأمم المتحدة وأنها «محكمة صورية» ووصف خان بأنه «متعصب مختل عقليا» محذرا في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من أن الكونغرس سيتخذ تدابير عقابية ضد المحكمة الجنائية الدولية.
من جانبه، قال السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا، ليندزي غراهام، إن المحكمة الجنائية الدولية «مهزلة خطيرة» ودعا إلى فرض عقوبات أمريكية على الهيئة وأعضائها. وقال النائب الجمهوري عن فلوريدا مايك والتز، الذي تم اختياره ليكون مستشار الأمن القومي للرئيس المنتخب دونالد ترامب، إن الإدارة القادمة ستحشد «ردا قويا» على كل من المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير. وقال ثارور إن نتنياهو لا يزال مرحبا به في الولايات المتحدة، إلا أنه أصبح مقيدا في خياراته للسفر، وبات مطالبا بالحذر لتجنب سفريات تمر طائرته فيها عبر دول موقعة على نظام روما.
معايير مزدوجة
وكشف الموقف الأمريكي عن المعايير المزدوجة التي مارسها الغرب تجاه أفعال إسرائيل في غزة وأفعال بوتين في أوكرانيا. وأمام الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل من الصعب تجاهل التواطؤ الغربي فيها. وقال نيكولاس كريستوف في صحيفة «نيويورك تايمز» (21/11/2024) إن القرار يثير الكثير من الأسئلة حول الدور الأمريكي في الحرب على غزة. فالمحكمة الدولية تعتقد أن إسرائيل ربما ارتكبت جرائم حرب في غزة، وطبقت سياسة تجويع مقصودة ضد المدنييين، والسؤال هو أسلحة من استخدمت لتنفيذ هذه السياسة؟ ومن هي الدولة التي حمت إسرائيل في الأمم المتحدة ومنعت الكثير من الجهود القوية لتوفير الطعام للجوعى المدنيين في غزة؟ الجواب بالطبع هو الولايات المتحدة. وعلق على رفض بايدن لإصدار المذكرة بأنه لا توجد مساواة بين إسرائيل الديمقراطية وحماس أو حزب الله الإرهابيين، قائلا إن هناك مساواة أخلاقية بين الطفل الأمريكي والإسرائيلي والفلسطيني، وكلهم يستحقون الحماية. و«يجب علينا ألا نتصرف وكأن هناك طبقية في قيمة حياة الأطفال، بعضهم حياتهم مهمة والبعض يمكن التضحية بهم». وذكر بايدن بما قاله عن «النظام الدولي القائم على القواعد» وذلك عندما أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد بوتين، وإذا كنا ندين انتهاكات بوتين للقانون الدولي في أوكرانيا، فكيف يمكننا استمرار تصدير أسلحة تقول محكمة دولية إنها تستخدم في انتهاكات القانون الإنساني الدولي في غزة؟ ودعا كريستوف الأمريكيين التأمل في حالهم بعدما أصبحت إسرائيل معزولة «كما بدا في الأمم المتحدة هذا الأسبوع». و«عندما تتورط أسلحتنا بجرائم حرب، ربما حان الوقت لإعادة التفكير بالسياسة».
إلى هذا نضيف أن أونا هاثاواي، أستاذة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل، حثت إدارة بايدن على إجبار إسرائيل على فتح تحقيقاتها الخاصة في سلوك جيشها في الحرب، بدلا من صب غضبها على المحكمة الجنائية الدولية. وفي أيار/مايو، كتبت في مجلة «فورين أفيرز» بعد أن تقدم خان بطلب مذكرات الاعتقال: «إن فرض عقوبات على المحكمة ومسؤوليها من شأنه أن يرسل رسالة واضحة: إن التزام الولايات المتحدة بالعدالة الدولية ليس مبدئيا بل سياسيا بحتا». وحتى في ذلك الوقت، كما أشارت هاثاواي، لم تستطع إدارة بايدن التظاهر بأن الاتهامات، وخاصة تلك التي تركز على التجويع القسري، لا أساس لها من الصحة. وقد قيمت وكالات داخل إدارة بايدن في مناسبات متعددة أن إسرائيل لم تفعل ما يكفي للسماح بدخول المساعدات إلى غزة المنكوبة بالحرب أو عرقلت تدفقها عمدا. وظلت الولايات المتحدة ثابتة في دعمها للمجهود الحربي الإسرائيلي، حتى مع تدمير غزة إلى حد كبير، وارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين، وتحذير مسؤولي الأمم المتحدة مرارا وتكرارا من ظروف تشبه المجاعة في جميع أنحاء المنطقة.
ونقلت صحيقة «واشنطن بوست» عن جانينا ديل، أستاذة الأمن العالمي بجامعة أكسفورد قولها: «هذا، بالنسبة لي، يعني بوضوح شديد أن أي دعم مادي أو دبلوماسي لحرب إسرائيل في غزة يخاطر بدعم جرائم الحرب المستمرة والجرائم ضد الإنسانية. يجب أن يصبح من الواضح بشكل متزايد للدول أن دعم هذه الحرب هو في الأساس اتخاذ موقف قوي ضد القانون الدولي».
قائمة العار
وربما حاولت إدارة ترامب وحلفاء إسرائيل في الغرب التقليل من أهمية الجنائية الدولية وتصويرها مثلما فعل نتنياهو بالمعادية للسامية وغير ذلك إلا أن صدور المذكرة ضد نتنياهو وغالانت هي لحظة قاتمة وإذلال لإسرائيل، وانضم نتنياهو إلى قائمة العار، ووصفت صحيفة «إندبندنت» (21/11/2024) المذكرة بأنها لطخة في جبين إسرائيل، مشيرة إلى أن نتنياهو رجل فاقد الحياء، وسيتخذ من تحرك الجنائية الدولية وسيلة لمواصلة حربه في غزة، وإقناع الإسرائيليين الذي حشدهم خلفه بأنه الوحيد القادر على حماية إسرائيل من العالم ومؤسساته المتحيزة. وكان هذا واضحا من مواقف المعارضة التي سارعت للدفاع عن نتنياهو وغالانت. ورأت صحيفة «الغارديان»(21/11/2024) أن القرار زالزال كبير، حيث توجه مؤسسة قضائية دولية ولأول مرة اتهامات ضد حليف للغرب. ورأت أن نتنياهو سيحاول الاستفادة محليا من القرار، لكن على المدى البعيد سيشعر بثقل الاتهامات، حيث سيتقلص عالمه ويصبح غير قادر على السفر بحرية، حتى للدول التي عقد اتفاقيات تطبيع «فوصمة العار بأنك أصبحت متهما بارتكاب جرائم حرب، من الصعب محوها» كما تقول الصحيفة.
وأضافت إن العالم كما ينظر إليه من لاهاي، مقر الجنائية الدولية، ستغير مذكرات الاعتقال مكانتها وللأبد. ففي الوقت الذي عجز فيه مجلس الأمن وبسبب الولايات المتحدة عن فعل أي شيء لوقف الإبادة في غزة، فسينظر إلى المحكمة، وخاصة في عالم الجنوب باعتبارها مدافعا أكثر فعالية عن ميثاق الأمم المتحدة. وتعلق إيفا فوكوشيتش، الأستاذة المساعدة في التاريخ الدولي بجامعة أوتريخت: «أن هذه المجموعة من أوامر الاعتقال رائدة لأنها وللمرة الأولى في حالة إسرائيل، تطال حليفا قريبا للدول الغربية الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي كانت حتى الآن معفاة تقريبا من التدقيق القضائي الدولي». مضيفة أن الكثيرين يعتبرون إسرائيل ديمقراطية فعالة بنظام قضائي قوي وحليفة قوية للغرب و»لم نشهد أي مذكرة اعتقال كهذه». ويعتقد جوناثان فريدلاند في صحيفة «الغارديان» (22/11/2024) أن نتنياهو هو المسؤول عن تحويل إسرائيل لدولة منبوذة، مشيرا إلى أن قضية الجنائية الدولية قوية لأنها تتناول مسألة التجويع ومن الصعب على نتنياهو رفضها. وقد فشل نتنياهو بالتحقيق في هذا ولا في ظروف الفشل الأمني في هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر. ويعتقد أن الحركة جرت إسرائيل لممارسة أقصى درجة من الانتقام المجنون وورطتها في الإبادة، حسب قوله. وهي مسألة فيها نظر، فقد كان لدى نتنياهو الكثير من الفرص لوقف الجنون الذي يتحدث عنه فريدمان، بدون أن ينتهزها، خوفا على منصبه ومن المتطرفين الذين هددوه بإفشال حكومته والحالمين بالعودة إلى غزة والاستيطان من جديد أو الطامعين ببناء شقق فارهة على بحرها كما هو حال صهر ترامب، جاريد كوشنر. وبالمحصلة فإدانة الجنائية الدولية هو علامة مهمة كما تقول صحيفة «الغارديان» (22/11/2024) في افتتاحيتها، وهو ينهي عقودا من الإفلات من العقاب أو «درع الإفلات من العقاب».
وفي الوقت الذي شجبه نتنياهو ورحبت به حماس، إلا أن الامتحان الكبير، هو تطبيقه من كل أعضاء الجنائية والمطالبة قانونيا باعتقال المتهمين ونقلهما إلى لاهاي. وفي حالة الفشل في تحقيق هذا فإن سيقوض واجهة القانون الدولي ويجرده من مصداقيته، ما يسمح للقوى الدولية وحلفائها بالدوس على العدالة. وتطبيق هذه الأوامر ليس واجبا قانونيا بل وأخلاقيا، والتأكيد ألا زعيم فوق القانون.
وأضافت أن هذا التفويض يتطلب المساءلة الفردية ومسؤولية الدولة، ويحظر على الحكومات المساعدة أو تمكين جرائم الحرب المزعومة. ومنذ فترة طويلة، تواجه بريطانيا انتقادات بسبب دعمها لإسرائيل، التي يقول الناشطون أنها تنتهك القانون الدولي. كما ويتعين على العديد من الدول الأوروبية التي دافعت عن تحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الآن مواجهة التزاماتها تجاه إسرائيل. إن الفشل في تنفيذ أوامر الاعتقال يخاطر بخيانة الالتزامات وتآكل الثقة في العدالة المتعددة الأطراف. وسوف يختبر اتساق ردودها التزامها بالقانون الدولي. وقالت إن رفض الولايات المتحدة لقرار الجنائية الدولية يعطي حسا بأن القانون لا يطبق إلا على الدول الضعيفة وليس القوية، وهو ما يقوض العدالة الدولية. مشيرة إلى طبيعة الجرائم الموجهة لنتنياهو ورفيقه بأنها التجويع واستهداف المدنيين، وهي خطيرة.
ورأت أن اللحظة الحالية ليست مجرد عملية قانونية ولكنها تحد للنظام الدولي. وتؤكد المذكرات أن الدول القوية ليست مبرأة أو معفاة من المساءلة عن انتهاكات القانون الإنساني. وإذا فشلت الدول الأعضاء في التصرف، فإنها تخاطر بجعل القانون الدولي بلا معنى. والاختيار واضح: إما التمسك بمبادئ العدالة والقانون أو القبول بعالم تعتبر فيه القوة هي الإفلات من العقاب. وتتضمن أوامر المحكمة الجنائية الدولية رسالة قوية مفادها أن عصر الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب لابد وأن ينتهي.