العالم على أبواب أزمة لاجئين غير مسبوقة والأسوأ لم يأت بعد

حجم الخط
0

برلين – د ب أ: رغم أن عدد اللاجئين في العالم وصل إلى أكثر من 100 مليون لاجئ، حسب تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يرى الكاتب والمحلل السياسي الألماني، أندرياس كلوث، في تحقيق نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة لأزمة اللاجئين في العالم.
ويقول، رئيس تحرير صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية سابقاً، إن أي شخص في العالم يمكن أن يجد نفسه في يوم ما مضطراً للرحيل عن مسقط رأسه هرباً من الظلم أو العنف أو الطغيان أو الجوع أو لأي سبب آخر. لذلك علينا جميعاً أن نحسن معاملة اللاجئين أو المهاجرين الذين يعيشون بيننا.
وقد استقبلت أوروبا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة ملايين النساء والأطفال الأوكرانيين الذين فروا من الحرب التي تشنها روسيا على بلادهم. وهناك ملايين آخرون أغلبهم سقطوا من دائرة اهتمام الإعلام الغربي، والذين فروا من العنف في بلاد مثل أفغانستان وبوركينا فاسو وميانمار والكونغو الديمقراطية.
ومع ذلك، فإن أزمة اللاجئين في العالم سواء من حيث الأعداد أو حدة المعاناة لم تصل إلى ذروتها بعد. فالحرب الروسية ضد أوكرانيا حرمت العالم من أحد أهم مصادر القمح والعديد من المحاصيل الزراعية المهمة التي تنتجها وتصدرها أوكرانيا، مما يدفع العالم نحو أزمة جوع طاحنة. وإذا كان الكثيرون من شعوب الدول الأوروبية ستشعر بتداعيات الأزمة في صورة زيادة كبيرة في الأسعار، فإن الدول الفقيرة في إفريقيا والشرق الأوسط ستعاني من الجوع بسبب الأزمة.
ويقول مارغاريتيس شيناس، مفوض شؤون الهجرة في الاتحاد الأوروبي، إنه يتوقع أزمة لاجئين جديدة. وفي هذه المرة سيأتي اللاجئون عبر البحر المتوسط وليس عبر القطارات والحدود البرية كما حدث في الأزمة الأوكرانية. كما أن الموجة الجديدة ستكون أكثر فوضوية بصورة تدفع إلى الشعور كما لو أن الموجات السابقة لم تكن فوضوية بما يكفي.
ويقول كلوث إنه في عامي 2015 و2016 غطى بحكم عمله الصحافي موجات اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب الدامية التي شنها النظام الحاكم في دمشق على المعارضة. ويشير كلوث إلى تباين ردود أفعال الأوروبيين على قدوم هؤلاء اللاجئين.
ففي محطة قطارات ميونيخ استقبل الكثيرون من الألمان اللاجئين بزجاجات المياه والأحضان وألعاب الأطفال، في حين كان هناك ألمان آخرون يشعرون بالغضب من وصولهم ويطالبون بعدم استقبالهم. لكن الجميع التزم الهدوء في التعبير عن مواقفهم. بالمثل كان هناك تباين في المواقف في باقي دول أوروبا. فدولة مثل المجر حاصرت اللاجئين بالأسلاك الشائكة ومدافع المياه.   ويمتد تباين المواقف الأوروبية تجاه اللاجئين والمهاجرين الأجانب من حسن الضيافة وحتى العداء للأجانب “زينوفوبيا”.
ويقول كلوث إن خبراته الشخصية تشير إلى أن “العداء للأجانب” يعكس في بعض الأحيان مواقف عنصرية وقسوة، لكنه في أغلب الأحيان يكون مجرد قلق. على سبيل المثال، في ألمانيا كانت المصادمات مع الأجانب في عام 2015 أسوأ في الشطر الشرقي من ألمانيا الذي كان خاضعاً للحكم الشيوعي قبل إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، وأصبح الآن معقلاً لليمين الشعبوي، وكثيراً ما يقال في الشطر الشرقي من ألمانيا إن إعادة توحيد البلاد جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية، في بلدهم. والآن ومع وصول اللاجئين في الحافلات إلى ألمانيا، بدأ هؤلاء الألمان في شرق ألمانيا يشعرون بالخوف من أن يؤدي وصول هؤلاء الأجانب إلى جعلهم مواطنين من الدرجة الثالثة، ويفقدون ما يطمعون فيه من حقوق وربما الرفاهية والتعاطف والاهتمام الذي يجب أن يكون من حق أبناء البلاد فقط.
وفي أمريكا رفض المهاجرون الأسكتلنديون، والإيرلنديون، الذين كانوا أوائل من وصلوا إلى الأراضي الأمريكية، الترحيب بموجات المهاجرين الألمان في القرن التاسع عشر. ثم ردد الألمان كلمات الأسكتلنديين نفسها عندما جاء المهاجرون من إيطاليا، ثم من روسيا ثم اليهود ثم الصينيون وهكذا.
ويقول كلوث إن الطبيعة البشرية تميل إلى التمييز بين أعضاء الجماعة التي ينتمي إليها الفرد وباقي الناس، وتظهر تعاطفاً مع أبناء الجماعة أكثر من الآخرين. فحتى بنيامين فرانكلين، أحد مؤسسي الولايات المتحدة والذي ينظر إليه باعتباره كان إنساناً متفتح الذهن، كان ينظر بارتياب إلى المهاجرين الألمان وغيرهم من غير المتحدثين باللغة الإنكليزية ويعتبرهم “داكني البشرة” وأنه مشكوك فيهم.
وحتى الآن فنحن مشدودون بين دوافع بشرية متبانية. من ناحية هناك مشاعر التعاطف والانفتاح والرحمة والإيثار، ومن ناحية أخرى توجد مشاعر الريبة والشك في الغرب والتحيز لأبناء الوطن. وفي حين يركز البعض على قصص نجاح المهاجرين الذين اندمجوا بسهولة في مجتمعاتهم الجديدة وشاركوا في نهضتها، واحترموا قواعد اللعبة، هناك آخرون يتحدثون عن اللاجئين الذين تعرضوا لصدمة حضارية ولم يندمجوا في المجتمع وأصبحوا عبئاً عليه.
والحقيقة أن قصص هؤلاء وأولئك حقيقية وتستحق أن تروى وأن تسمع. لكن نفس هذا التباين سنجده في قصص أبناء البلاد الأصليين، فمنهم من نجح وساهم في رخاء وازدهار المجتمع واحترم قواعد اللعبة، ومنهم من تحول إلى عبء على المجتمع.
وأخيراً، فإن أكبر أزمة لجوء في التاريخ لم تأت بعد، لكنها تبدو في الأفق. فكوارث الحروب والمجاعات لن تظل في مناطقها بعيداً عن الدول الغربية الغنية، وإنما ستنتشر وتتمدد بصورة أكبر نتيجة التغير المناخي.
ويختتم كلوث تحقيقه بالقول إنه حتى الشعوب الأوروبية الحالية إما أنها من أسلاف مهاجرين أو أبناء مهاجرين. ليس هذا فحسب، بل إنه يمكن القول إن أحفاد الأوروبيين يمكن أن يصبحوا لاجئين في وقت ما، لذلك على الأوروبيين أن يتعاملوا مع جيرانهم من اللاجئين بشكل أكثر إنسانية لآن المستقبل ليس مشرقاً للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية