العاهل السعودي عندما يقطع اجازته ومرسي عندما يعلن القطيعة

لا توجد قضية تشغل العالم هذه الايام غير الصراع الدائر على سورية وفيها، حتى الانتخابات الايرانية التي تعتبر نقطة تحول رئيسية ذات ابعاد اقليمية ودولية ‘تتقزم’ ويتم النظر اليها من منظار انعكاساتها على سورية بطريقة او بأخرى.
سورية، وايا كان الموقف منها، مع النظام او المعارضة، او بين البينين، هي التي ستغير خرائط كثيرة، اقليمية ودولية، وستخلق كيانات جديدة، وتحالفات جديدة، وستؤسس لشرق اوسط جديد غير الذي عرفناه او نتوقعه.
‘ ‘ ‘
اربعة تطورات رئيسية طرأت على المشهد السوري في اليومين الماضيين، وكل يوم تقريبا هناك تطور جديد، يمكن ايجازها كالتالي:
‘ التطور الاول: قطع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز اجازته الخاصة التي كان يقضيها في الدار البيضاء (المغرب) وهو الرجل المريض والمسن، والعودة الى بلاده ‘بسبب التطورات في المنطقة’، حتى انه لم ينتظر يوما واحدا للقاء العاهل المغربي محمد السادس الذي كان بصدد العودة الى بلاده بعد اجازة طويلة.
قطع الاجازة، وبهذه الطريقة، لا يمكن ان يحدث الا لسببين رئيسيين، الاول: وجود تطورات داخلية خطيرة في المملكة العربية السعودية، وهذا امر شبه مستبعد، لانه لم يتم رصد اي شيء مثير للاهتمام في هذا الصدد، والثاني: ان تكون الحرب في المنطقة ضد سورية او ايران، او الاثنتين معا، باتت وشيكة، الأمر الذي يتطلب وجود العاهل السعودي في بلاده لقيادة سفينتها باعتباره الربان الاول، والقائد الاعلى للقوات المسلحة، واعطاء الضوء الاخضر لها للتدخل. وهناك سبب او احتمال ثالث لا نستطيع ذكره.
‘ التطور الثاني: الخطاب الناري والمفاجئ الذي القاه الرئيس المصري محمد مرسي في استاد القاهرة الدولي، واعلن فيه قطع العلاقات مع سورية، ووضع الجيش المصري في خدمة شعبها، وتأييد فتوى علماء مسلمين سنة بإعلان الجهاد ضد النظام القائم فيها.
مهرجان التضامن مع سورية الذي خطب فيه الرئيس مرسي وسط مئة الف من انصاره تقريبا، جرى ترتيبه على عجل، ومن اجل القاء هذا الخطاب الذي فجّر فيه الرئيس مرسي قنبلته المفاجئة هذه، ونسف كل مواقفه شبه الوسطية تجاه الصراع في هذا البلد المنكوب.
قبل عشرة ايام التقيت الرئيس مرسي في قصر الاتحادية لما يقرب من 45 دقيقة، ووجدت موقفه وسطيا معتدلا تجاه سورية وما يجري فيها، حتى انه ابلغني بأنه سيوسّع لجنته الرباعيّة التي تشمل ايران والسعودية وتركيا ومصر، بحيث تصبح ‘ثمانيّة’ بحيث يوجه الدعوة للمشاركة فيها من اجل التوصل الى حل سياسي للأزمة الى مندوب عن النظام وآخر عن المعارضة، وثالث عن الجامعة، ورابع عن منظمة التعاون الاسلامي.
السؤال هو: ما الذي غيّر الرئيس مرسي حوالى مئة وثمانين درجة، هل هي معلومات بقرب اندلاع الحرب، ام هو طلب امريكي، ام تقارب مفاجئ مع السعودية التي باتت تجلس في مقعد قيادة التحركات العسكرية الحالية في سورية، ام كل هذه الاشياء مجتمعة؟
‘ التطور الثالث: تصاعد الحشود العسكرية في الجوار السوري، فقد اعلنت بريطانيا عن ارسال 300 جندي (مارينز) الى الحدود السورية ـ الاردنية، وقررت امريكا الابقاء على طائرات (اف 16) العملاقة التي اشتركت في مناورات ‘الاسد المتأهب’ في الاردن وصواريخ ‘الباتريوت’ ايضا، بينما كشفت مجلة ‘دير شبيغل’ نقلا عن تقرير للمخابرات الالمانية ان السعودية قررت تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ مضادة للطائرات، ولا يمكن ان ننسى ما ذكره الصحافي البريطاني المخضرم روبرت فيسك في صحيفة
‘اندبندنت’ ان ايران تعتزم ارسال 4000 جندي لمساندة النظام في سورية.
‘ التطور الرابع: اتفاق بريطانيا وروسيا على العمل سويا من اجل القضاء على الجماعات الاسلامية المتشددة المرتبطة بتنظيم ‘القاعدة’ واعلان ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا انه اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طرد هذه الجماعات، وحذر من انهم سيسيطرون على البلد في حال فشل التصدي لهؤلاء، ولهذا لا بدّ من مساندة الجماعات الاخرى ‘المعتدلة’ بكل الطرق والوسائل من اجل بناء سورية ديمقراطية تعددية تحترم حقوق الاقليات ‘بمن في ذلك المسيحيون’.
هذه التطورات الاربعة ستكون على قمة جدول اعمال زعماء الدول الثماني العظمى الذي سيعقد اليوم في ايرلندا بزعامة الرئيس الامريكي باراك اوباما، وهي ستحدد طبيعة التدخل العسكري المباشر او غير المباشر في سورية في الايام او الاسابيع المقبلة.
التحالف السعودي المصري هو الذي اخرج القوات العراقية من الكويت، وهو الذي وفر الغطاء العربي الاقليمي لغزو العراق واحتلاله، ولعب دورا اكبر في تغيير النظام في ليبيا بتشريع تدخل حلف الناتو، وهذا التحالف الجديد الذي استعاد زخمه على عجل، هو الذي سيتصدى لعملية التغيير المتوقعة في سورية.
النجاحات التي حققها هذا التحالف الثنائي جاءت سهلة ومضمونة لان البلدين المستهدفين (العراق وليبيا) كانا ضعيفين ومعزولين، وفي ظل خلل في التوازن الدولي اثر انهيار الاتحاد السوفييتي (حالة العراق) وخديعة روسيا (في ليبيا) من خلال توفير غطاء اممي يمكن تأويله لهذا الغرض.
‘ ‘ ‘
الصورة الآن مختلفة كثيرا، فروسيا تدعم النظام السوري، وكذلك ايران وحزب الله، مضافا الى ذلك ان مصر منقسمة، والتغيير الكبير في موقف الرئيس مرسي وجماعة الاخوان المسلمين من حيث اعلان القطيعة والجهاد على هذا النظام قد تزيد هذا الانقسام المتفجر اساسا.
الأزمة في سورية بدأت انتفاضة مشروعة من اجل العدالة والحريات والكرامة واحترام حقوق الانسان، وها هي تتطور الى حرب طائفية بين السنة والشيعة، ومن يقول غير ذلك يغالط الحقيقة، ولا نتردد في القول ان هناك في الجانبين من ارادها كذلك مع سبق الاصرار والترصد.
مئة الف انسان بريء استشهدوا في سورية حتى الآن، وهناك من يؤكد ان الرقم الحقيقي مئتا الف، ولا نستبعد ان يقترب هذا الرقم من المليون اذا اندلعت شرارة الحرب، ونحن نراها وشيكة.. بل وشيكة جدا.
Twitter:@abdelbariatwan

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شكرا استاذ عبد الباري:

    تحية لك ايها المبدع العربي
    مقالاتك في شهر يونيو من اهم المقالات التي كتبت في تاريخ القدس العربي

    1. يقول yoons:

      وما هو الحل يا استاد عبدالباري في رئك

  2. يقول Salman:

    الروس والصين وايران لا يسمحون بترك سوريا وحيدة وهولاء يشكلون نصف الكرة الارضية كذلك الشعب السوري يقف باكملة مع النظام وايضآ الجيش وسوف يهزمون جنود الارهابين شر هزيمة الشعب السوري عرف الحقيقة ان المطلوب هو سوريا والشعب السوري وجيشه لذلك سوف يكونون يد واحدة وسوف تحسم المعركة لصالح الشعب السوري , كان في بداية الازمة كان النصف من الشعب متحير هل يقف مع النظام ام مع معارضة الارهاب ولاكن بعد مرور اكثر من سنتين تبين له حقيقة هولاء الارهابين وبانهم يقفون مع المشروع الصهيوني بتفتيت الوطن وخلق حرب اهلية بين الشعب لا نهاية لها لا تبقي ولا تذر حتى لو ذهب النظام وحلت محله المعارضة سوف المعارضة لن تبقي الشعب السوري يعيش بامان بل سوف يخلقون له حرب اهلية للحصول على كل واحدآ منهم على الكعكة الاكبر من سوريا ومن بقي على قيد الحياة يتم تجنيده وارساله الى العراق وليس فلسطين لمقاتلة الشيعة ومن بقي ارساله الى ايران ومن ثم الى اوساط اسيا وشرق اوروبا يعني ان الشعب السوري يصبح حطب للغرب واسرائيل ودول الخليج حتى تخلى الساحة لاسرائيل للتوسع في الاراضي السورية لتحقيق حلم دولتها الكبرى من الفرات الى النيل , فالشعب السوري عرف ان هذا هو مخطط الاعراب والصهاينة وسوف يكون يد واحد مع الجيش والنظام والنصر حليف الشعوب دائمآ في النهاية فنتعلم من الشعب الفتنامي والشعب الافغاني لقد هزموا اكبر دولة عظمى بالعالم كذلك التعلم من حزب الله الذي قارع الصهاينة لمدة عشرون سنة رغم ضعفه بالعدد والعدة ومع الصبر هزم اسرائيل فالشعب السوري سوف يصمد ويقاوم هولاء العملاء والارهابين وسوف ينتصر عليهم وكيف لا ينتصر عليهم والله يقول من يدافع عن نفسه ووطنه فله حلوة النصر في الدنيا ومكافأته بالجنة اما الارهابين المجرمين لهم الخزي والعار والموت على ايدي الجيش وشعبه وفي النهاية مأواهم نار جهنم وبأس المصير لان الجهاد في فلسطين وليس في بلاد المسلمين وقتل شعبها تنفيذآ للمشروع الاسرائيلي .

  3. يقول عربي فلسطيني:

    مئة الف برئ مع قتلي جبهة النصرة او بدونهم.

  4. يقول بني بلعيد ( الجزائر):

    أخي عطوان :
    أنا أختلف معك في كثير من نقاط الأزمة السورية ، وما وقع مع ليبا لايمكن أن يتكرر مرة أخرى ، فالأسد فهم اللعبة جيدا وهو يديرها باقتدار ، وما دخول حزب الله في الحرب إلى جانب سوريا ، هو جزء من هذه اللعبة.
    ما يقع في سوريا ، هو صراع مرير بين مشروعين ، بين مشروع أمريكي صهيوني غربي يهدف لتقوية إسرائيل وتدمير سوريا واستنزاف جيشها ، بأدوات عربية خليجية وإقليمية ، ومشروع آخر سوري إيراني بمشاركة حزب الله يهدف لدعم المقاومة والصمود في وجه إسرائيل .
    أما المعرضة المسلحة في سوريا فهي ضحية للمشروعين ولا هدف لها سوى أنها كاالنار في الهشيم.ويبدو أنهم لحد الآن لم يفهموا هذه المعادلة ، والنمودج الليبي هو المثل الحي ، .
    والسلام

    1. يقول العرئ:

      تحليل واقعي جدا…

    2. يقول badawi:

      أنا اتفق معك أخي بني بلعيد. دخول حزب الله إبى أرض المعركة ما هو إلا دفاع عن نفسه ومصيره، إنها حركة مصيرية، إذا سقطت سورية فحزب الله سييسقط بعد ذلك. بكل صراحة أنا سني وأخالف الشيعة في عقيدتهم وخاصة في سبهم الصحابة الكرام وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. في هذا أنا ضدهم وأطالبهم بالتوقف عن ذلك. أما ما يحدث في سورية فلا علاقة له بالدين ولا بالمذهب ولا… ولا… أبدا

  5. يقول diaa/Algerie:

    كنا نتمنى من مرسي ان يقطع العلاقات مع اليهود لا مع سوريا فما الذي حدث يا ترى؟

    1. يقول توفيق:

      مرسي قطع العلاقات مع اللانظام الأسدي وليس مع سوريا، بل بموقفه عزز العلاقات مع الشعب السوري الشقيق المظلوم… كفانا مزايدات!!! عليك أن تسأل لماذا لم يرد اللانظام السوري على الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة، وأستخدم كل ما يملك ضد الشعب الأعزل؟؟؟ ما لكم كيف تحكمون!!!

  6. يقول العالم:

    أعتقد انه حان الوقت لتقسيم سوريا الى دويلات مثل العراق وليبيا على يد السعوديه ومصر —بعد القضاء على الاسلاميين الذي من الممكن ان يكونو خطر على الكيان الصهيوني الغاشم

  7. يقول مخمخ:

    كل الحقيقة ولا غير الحقيقة

  8. يقول ابو معتز:

    وبالقابل في الكيان الاسرائيلي اذ يقوم الجيش الاسرائيلي بنشر صواريخ ورادرات متنقله في اجزاء من الضفة الغربية المتاخمة الى الاردن بعيدا عن وسائل الاعلام

  9. يقول امين الجزائر:

    مشكور يا استاذ عبد الباري عطوان
    الحرب وشيكة جدا هذا كلام واضح
    وهذا هو الباب الحقيقي والاوسع لتنظيق الشعوب العربية من الفكر التكفيري
    والفرصة المتبقية امام الشرفاء من الشعب العربي والاخيرة لتحرير القدس الشريف.
    وعلى كل واحد منا يرغب في نيل الشهادة ان يحدد موقعه قبل فوات الاوان
    اللهم ما انصر الحق امين امين امين

  10. يقول وجدي:

    اللهم الطف بالمسلمين وقهم عذاب الحروب والدمار

1 2 3 4 9

إشترك في قائمتنا البريدية