الرباط ـ «القدس العربي»: اعتبر العاهل المغربي محمد السادس أن «المسيرة الخضراء» التي جرى الاحتفال الجمعة بذكراها الخامسة والأربعين شكلت نموذجاً فريداً في التعبئة الجماعية والالتزام والانضباط والتشبث بالحق.
وذكر باستجابة المغاربة بكل تلقائية للنداء الذي كان أطلقه العاهل الراحل الحسن الثاني، حيث توجه 350 ألف مغربي ومغربية يوم 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 إلى الأقاليم الصحراوية لتأكيد خلاصها من الاستعمار الإسباني، استناداً إلى رأي استشاري أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي.
مسيرة متجددة ومتواصلة
وقال محمد السادس في خطاب ألقاه في المناسبة، عشية السبت، إن المغاربة «أثبتوا للعالم قدرة الشعب المغربي على رفع التحديات، ودخول التاريخ، بمسيرة سلمية، تكللت باسترجاع أقاليمنا الجنوبية». وأكد أن المسيرة الخضراء ليست مجرد حدث وطني بارز، في مسار استكمال وحدة المغرب الترابية. إنها مسيرة متجددة ومتواصلة، بالعمل على ترسيخ مغربية الصحراء، على الصعيد الدولي، وجعلها قاطرة للتنمية، على المستوى الإقليمي والقاري.
ولاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت تطورات ملموسة على عدة مستويات، مشيراً إلى أنه على مستوى الأمم المتحدة أقبرت القرارات الأخيرة لمجلس الأمن المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية، كما أكدت على المشاركة الفعلية للأطراف المعنية الحقيقية في هذا النزاع الإقليمي، ورسخت بشكل لا رجعة فيه، الحل السياسي، الذي يقوم على الواقعية والتوافق. وأكد أن هذا التوجه «ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تحظى بدعم مجلس الأمن، والقوى الكبرى، باعتبارها الخيار الطبيعي الوحيد لتسوية هذا النزاع».
أما على مستوى الاتحاد الإفريقي، يضيف العاهل المغربي، فقد تخلصت هذه المنظمة، بفضل رجوع المغرب إلى بيته الإفريقي، من المناورات التي كانت ضحيتها لعدة سنوات.
وأصبحت تعتمد على مقاربة بناءة، تقوم على تقديم الدعم الكامل، للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، بشكل حصري، من خلال أمينها العام ومجلس الأمن.
وتابع قائلاً إنه على المستوى القانوني والدبلوماسي، فتحت عدة دول قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، في اعتراف واضح وصريح بمغربية الصحراء، وتعبيراً عن ثقتها في الأمن والاستقرار والرخاء الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية.
وفي الموازاة مع ذلك، يقول العاهل المغربي، ترفض الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، الانسياق وراء نزوعات الأطراف الأخرى. فقد بلغ عدد الدول، التي لا تعترف بالكيان الوهمي 163 دولة، أي 85 في المئة من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
وأضاف أن هذا التوجه تعزز باعتماد القوى الدولية الكبرى لمواقف بناءة، ومنها إبرام شراكات استراتيجية واقتصادية، تشمل دون تحفظ أو استثناء، الأقاليم الجنوبية للبلاد، كجزء لا يتجزأ من التراب المغربي.
وجدد العاهل المغربي محمد السادس التزام بلاده الصادق بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، في إطار احترام قرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل نهائي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي. وأكد أن المغرب سيظل ثابتاً في مواقفه، ولن تؤثر عليه الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، والتي تعد مجرد هروب إلى الأمام، بعد سقوط أطروحاتها المتجاوزة.
وأكد رفضه القاطع محاولة بعض المحسوبين على جبهة «البوليساريو» عرقلة حركة السير الطبيعي، بين المغرب وموريتانيا، في منطقة «الكركرات» أو تغيير الوضع القانوني والتاريخي شرق الجدار الأمني، أو أي استغلال غير مشروع لثروات المنطقة.
وقال إن المغرب سيبقى، كما كان دائماً، متشبثاً بالمنطق والحكمة، بقدر ما سيتصدى، بكل قوة وحزم، للتجاوزات التي تحاول المساس بسلامة واستقرار أقاليمه الجنوبية، معرباً عن ثقته في أن الأمم المتحدة و«المينورسو» سيواصلون القيام بواجبهم في حماية وقف إطلاق النار في المنطقة.
الاقتصاد البحري
واستطرد قائلاً: «إن التزامنا بترسيخ مغربية الصحراء، على الصعيد الدولي، لا يعادله إلا عملنا المتواصل، على جعلها قاطرة للتنمية، على المستوى الإقليمي والقاري، موضحاً أنه استكمالا للمشاريع الكبرى التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، فقد حان الوقت لاستثمار المؤهلات الكثيرة التي يزخر بها مجالها البحري.
وفي هذا الإطار، ذكر بأن المغرب أكمل خلال هذه السنة ترسيم مجالاته البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي، مشدداً على أن المغرب سيظل ملتزماً بالحوار مع جارته إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيداً عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد. ولاحظ أن توضيح نطاق وحدود المجالات البحرية، الواقعة تحت سيادة المملكة المغربية، سيدعم المخطط الرامي إلى تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أنه انطلاقاً من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي. فإضافة إلى ميناء طنجة – المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة، بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي في تعزيز هذا التوجه.
وأعلن أن المغرب سيواصل العمل على تطوير اقتصاد بحري حقيقي في تلك الأقاليم، لما تتوفر عليه، في برها وبحرها، من موارد وإمكانات، كفيلة بجعلها جسراً وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي؛ مشيراً إلى أنه يتعين الاستثمار في المجالات البحرية، سواء تعلق الأمر بتحلية ماء البحر، أو بالطاقات المتجددة، عبر استغلال مولدات الطاقة الريحية، وطاقة التيارات البحرية. كما يتعين مواصلة النهوض بقطاع الصيد البحري، لدوره في النهوض باقتصاد المنطقة، وإعطاء دفعة جديدة، للمخطط الأزرق، تجعل منه دعامة استراتيجية، لتنشيط القطاع السياحي بها، وتحويلها إلى وجهة حقيقية للسياحة الشاطئية.