العاهل المغربي يوجه رسائل شديدة اللهجة وانتقادات قاسية للدول الغربية في تعاطيها مع التنمية في دول العالم الثالث

حجم الخط
4

الرباط – «القدس العربي» وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس رسائل شديدة اللهجة وانتقادات قاسية للدول الغربية في تعاطيها مع التنمية في دول العالم الثالث واتباعها سياسة محدودة التأثير الايجابي دون ان تأخذ بعين الاعتبار ظروف كل دولة الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.
وقال الملك محمد السادس اول امس الخميس في الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انطلقت في نيويورك يوم الأربعاء الماضي، في موضوع التنمية البشرية المستدامة ان «الدول الغربية والمؤسسات التابعة لها لا تعرف سوى تقديم الكثير من الدروس، وفي أحسن الأحوال بعض النصائح، أما الدعم فهو ضعيف جدا ودائما ما يكون مشروطا»، واضاف أن عملية تنقيط وتصنيف الدول النامية، حسب المعايير المعتمدة حاليا تثير العديد من التساؤلات، أبانت «عن محدوديتها وعن بعدها، في الكثير من الأحيان، عن واقع دول الجنوب، وعجزها عن تقديم صورة موضوعية عن مستوى التنمية البشرية بها، معربا جلالته عن أسفه لكون تقديم المساعدات، رغم ضعفها، يتم غالبا على أساس هذه التصنيفات ويرتبط بشروطها التعجيزية».
وشدد الملك محمد السادس، في الخطاب الذي تلاه عبد الاله بن كيران رئيس الحكمومة المغربية، إن الدراسات التي قام بها البنك الدولي أثبتت أن الرأسمال غير المادي يقوم على مجموعة من المعطيات المرتبطة بواقع عيش السكان، كالأمن والاستقرار، والموارد البشرية، ومستوى المؤسسات وجودة الحياة والبيئة، وهي معطيات لها تأثيرها الكبير في وضع السياسات العمومية وأن تطور الدول لا ينبغي أن يخضع لأي تنقيط أو تصنيف وإنما يجب التعامل معه كمسار تاريخي يقوم على التراكمات الايجابية لكل بلد ويحترم خصوصياته.
وقال الملك إن استحضار الاثار السلبية للماضي الاستعماري، لا يهدف إلى محاكمة أي كان، وإنما هو دعوة صادقة لإنصاف دول الجنوب من خلال إعادة النظر في طريقة التعامل معها ودعم مساراتها التدريجية، نحو التقدم.
وذكر بما سبق أن أكده في خطابه بأبيدجان عاصمة ساحل العاج، في شباط/ فبراير الماضي، من أن إفريقيا ليست في حاجة للمساعدات الانسانية ، بقدر ما تحتاج لشراكات ذات النفع المتبادل. كما شدد في الخطاب نفسه، على ضرورة تحرر إفريقيا من ماضيها ومن مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعتماد ، بالأساس ، على قدراتها الذاتية في تحقيق تنميتها.
وقال إن ذلك ما جسده المغرب في الاتفاقيات الهامة التي تم توقيعها مع عدد من الدول الإفريقية الشقيقة، وخالصة الاتفاق الاستراتيجي بين المغرب والغابون في مجال انتاج الأسمدة وتوجيهها نحو البلدان الافريقية ، بما يساهم في التنمية وضمان الأمن الغذائي بالقارة ، لا سيما وأنها تتوفر على خزان كبير من الاراضي غير المستغلة يمثل 60 في المئة على الصعيد العالمي.
واعتبر الملك ذلك نموذجا متميزا للتعاون بين دول الجنوب، يبرز قدرة هذه الدول على النهوض بإفريقيا بالاعتماد على الذات واستثمار الموارد الطبيعية لبلدانها.
وأكد أن تحقيق التنمية ليس مجرد مشاريع واعتمادات مالية كما أن التخلف ليس مرادفا لدول الجنوب، موضحا أن المشكل لا يرتبط بطبيعة ومؤهلات الانسان الإفريقي لأنه أثبت قدرته على العطاء والابداع ، كلما توفرت له الظروف الملائمة وتحرر من الإرث الثقيل الذي خلفه الاستعمار.
وحمل الملك مسؤولية ما تعيشه البلدان النامية الى الغرب، وقال ان «الاستعمار خلف أضرارا كبيرة للدول التي كانت تخضع لحكمه، بحيث عرقل مسار التنمية بها لسنوات طويلة، واستغل خيراتها وطاقات أبنائها، وكرس تغييرا عميقا في عادات وثقافات شعوبها، كما رسخ أسباب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد وزرع أسباب النزاع والفتنة بين دول الجوار» وانه على الرغم من مرور العديد من السنوات، فإن الدول الاستعمارية تتحمل مسؤولية تاريخية في الأوضاع الصعبة، والمأساوية أحيانا، التي تعيشها بعض دول الجنوب وخاصة بإفريقيا»، وبالتالي»ليس من حق هذه الدول أن تطالب بلدان الجنوب بتغيير جذري وسريع وفق منظومة غريبة عن ثقافتها ومبادئها ومقوماتها. وكأنه لا يمكن تحقيق التنمية إلا حسب نموذج وحيد هو النموذج الغربي».
ودعا العاهل المغربي إلى ضرورة احترام خصوصيات كل بلد، في مساره الوطني، وإرادته الخاصة، لبناء نموذجه التنموي، لاسيما بالنسبة للدول النامية، التي ما تزال تعاني من آثار الاستعمار، معتبرا ان «تحقيق التنمية المستدامة يعد من التحديات الملحة التي تواجه البشرية، وخاصة ضرورة إيجاد التوازن اللازم بين مستلزمات التقدم الاقتصادي والاجتماعي ومتطلبات حماية البيئة وضرورة الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة».
وأكد الملك أن تحقيق التنمية المستدامة «لا يتم بقرارات أو وصفات جاهزة كما أنه ليس هناك نموذج واحد في هذا المجال»، موضحا أن لكل بلد مساره الخاص حسب تطوره التاريخي ورصيده الحضاري، وما يتوفر عليه من طاقات بشرية وموارد طبيعية، وحسب خصوصياته السياسية وخياراته الاقتصادية وما يواجهه من عراقيل وتحديات،» فما ينطبق على الغرب، لا يجب أن يتم اعتماده كمعيار وحيد لتحديد نجاعة أي نموذج تنموي آخر. كما لا ينبغي المقارنة بين الدول، مهما تشابهت الظروف، أو الانتماء لنفس الفضاء الجغرافي».
وحول مشاكل التنمية بإفريقيا قال انها لا تتعلق بطبيعة الارض والمناخ، رغم قساوته في بعض المناطق ، وإنما بما تم تكريسه من تبعية اقتصادية ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل وانعدام نموذج تنموي مستدام ، وبالتالي فإن تقديم المساعدة لهذه الدول ليس خيارا أو كرما ، وإنما هو ضرورة وواجب رغم أن ما تحتاجه الشعوب، في حقيقة الأمر، هو التعاون المثمر على أساس الاحترام المتبادل.
ودعا العاهل المغربي إلى توفير الظروف الملائمة، على مستوى الفكر والممارسة، للانتقال من مرحلة إلى أخرى في المسارين الديمقراطي والتنموي دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي عليها ، في المقابل، الإلتزام بمبادئ الحكومة الجيدة.

محمود معروف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسناء سمير:

    أن أيا من عباقرة ورجالات الشعب المغربي لم يخلد ويكرم لحد الآن في النقود الورقية تكريما له على فنه أو جهاده أو بطولاته، أو فكره… بينما تجد في الدول المتقدمة، وجوها لسياسيين وزعماء وطنيين وعلماء كبار ورسامين مشهورين وغيرهم ممن جادت بهم تلك الدولة، في رمزية تدل على اتحاد الكل في بناء صرح الدولة والرقي بها دون احتكار ذلك على شخص واحد!

  2. يقول سمير:

    اتحدى اي زعيم عربي قول هذا الكلام ومن على هذا المنبر فالمخاطب ليست داعش ولا المعسكر الشرقي وانما الامبريالية الاستعمارية الظالمة التي لا تسمح بالانتقاد
    هذا الخطاب الشجاع ما كان ليقال من طرف زعيم نصب نفسه عنوة على الشعب والا لخرج يتحسس رقبته قبل ختام خطابه, هذا الخطاب التاريخي الذي ذكر الشعوب بالاعيب الغرب الحقيرة التي تمتص دماء الشعوب النامية وتنهب خيراتها وتفرض شروطا على مقياسها وفي الخير تنقط لها وكانها تلاميذ في الصف

  3. يقول عبد الفتاح:

    زوبعة في فنجان تمنيت لو ذهبت و قلتها بنفسك ؟!

  4. يقول أبو ندى:

    تابعت الخطاب باهتمام ، مضمونه قوي جدا وصريح وشجاع ولبق ومستوى عال في بسط الأفكار واقتراح الحلول ، هو خطاب زعيم اكثر منه خطاب قائد بلد عضو في الأمم المتحدة ، زعيم للشعوب المستضعفة بالفعل لا بالقول ، لنا أن نفتخربالملك محمد السادس نحن المغاربة وشرف لنا أنه ملكنا .

إشترك في قائمتنا البريدية