تروج منذ مدّة غير وجيزة وصمة للناخبين في لبنان بأنّهم يأتون بالطواقم نفسها، ويجدّدون للزعامات هي هي، ويؤبّدون «المنظومة» لا شيء سواها، ولا أحد يفعل ذلك بهذه الجسامة وهذا الاستهتار، سواهم.
وأن هؤلاء الناخبين يدأبون على المازوخية المستدامة من تلقائهم. وأن كل المداخل لتفسير المشهد ستظل ناقصة إن جرى طمس هذه العبودية الطوعية، التي تُزاوَل على الرحب والسعة، ولا يغرنّك قبل ذلك وبعده الغمّ والملاوعة والغثيان.
تنبثق هذه الوصمة للناس، بأنهم يواطئون سوء الحكام ويمدّونهم بالشرعية الصناديقية اللازمة، عن سأم أكيد. جزء من هذا السأم مستحق، وجزء يُسَرْبِلُ بما يحاول تلبيسه لسواه.
سأم يرى أن فئة غير قليلة من الناس، من القواعد، من العامة، لا ينفع معها طيب الكلام ورقيقه.
وفي أحيان كثيرة جداً، ترى من أغدق المدائح والأهازيج فوق اللزوم للجماهير حين رآها تتوثّب، ومضى في تبجيلها بنفحة شبقية ونفس ملحمي، تراه ينقلب الى الموقف الانفعالي النقيض.
فيطيح بأصنامه الجماهيرية المشتهاة حين تتوقف عن الاستجابة لاسقاطاته وانتظاراته. حين يراها عادت أدراجها وقعدت وتركته وحيداً في ساح الوغى على شاشة هاتفه «الذكي» النقال.
القياس الذي يُعمِلُه صاحبنا هنا أنه ما دام تبجيل الجماهير لم يطل نفعه لأبعد من أيام وجيزة، ولم تعد الجماهير للساحات بالتي هي أحسن، ويظهر أنها بصدد تكرار مسلكها الانتخابي الذي يعيد انتاج «المنظومة» كما عند كل استحقاق، إذاً يلزم زجرها كجماهير، سواء أتى هذا الزجر أُكلَهُ، فأنعم على الأنام بالاستفاقة المرجوة، أو لم يحدث أثراً، وعندها يكون الزجر مستحقاً بعد أكثر.
رغم شططه، يُفلح هذا القياس المغلوط في عدم اختزال مشكلة مجتمع ودولة وكيان في بضعة أنفار من الزعامات يتوزّعون أو يديرون «منظومة».
فيصير التأشير بدلاً من الاكتفاء من ذلك، الى العبودية الطوعية الجماعية التي تواكب هذه المنظومة من تحت، وترفدها، وتمدّها بأسباب الاستمرار، وبخاصة على أعتاب الإستحقاقات الانتخابية، بلا انزياح ولا قابلية للتعلّم من درس، ولا يقظة.
تغدو إذاك المنظومة منظومتين: «فوقية» هي الزعامات ونواديها وحاشياتها، و«تحتية» هي تقريباً معظم الناس الواقعين في دوامة العبودية الطوعية. لا اعتبار عند هؤلاء، تستكمل الوصمة، حتى ولو ساءت بهم الحال، وتقطعت السبل بأرزاقهم، واستبيح حرّ مالهم، وطارت ودائعهم، وسبقهم إلى المنافي الاقتصادية بل النفسية أولادهم وأحباؤهم.
يتداخل في هذا الوصم للناس بأنهم يتحملون وزر إعادة انتخاب «المنظومة» نفسها ما يمكن تجزئته إلى عناصر صادرة عن عقل رجعي، مع عناصر صادرة عن عقل تسطيحي لفكرة الديمقراطية
يروج هذا الوصم، بل الوصم الذاتي، بوتائر وتلبيسات متفاوتة وخلفيات متنوعة. الدافع إليه هو الخيبة عند كثيرين، وهو عند آخرين الأمل بأن يحرّك مثل هذا الكلام الشعور بالذنب، وأن يفتح الذنب كوّة يمكن من خلالها طرح سؤال المسؤولية. مسؤولية الناس عن تعاستهم من خلال تمكينهم للمتسببين بتعاستهم، والإنكباب على إعادة انتخاباتهم المرة تلو المرة.
يتداخل في هذا الوصم للناس بأنهم يتحملون وزر إعادة انتخاب «المنظومة» نفسها ما يمكن تجزئته إلى عناصر صادرة عن عقل رجعي، مع عناصر صادرة عن عقل تسطيحي لفكرة الديمقراطية.
العقل الرجعي في هذا الصدد هو المفطور على ترذيل العامة. بموجب هذا العقل العوام ليس أحراراً، ولا ينفع أن يكونوا أحرارا، وحين تُسأل العامة رأياً ينبغي دائماً التوقع بأنها ستجيب بشكل خاطئ. العبودية الطوعية ليست بالنسبة الى العقل الرجعي حالة عارضة تلمّ بالعامة، بل هي الأصل والخروج عنها استثناء مؤقت لا يُعوّل عليه طويلاً.
أما العقل التسطيحي للديمقراطية فهو الذي ينطلق من مقدمات سليمة بالنسبة الى الديمقراطية لكنه يحوّرها فوراً. فالديمقراطية هي أن يتحمل الناخب مسؤولية ما يدلي به في صندوق الإقتراع، هذا صحيح، لكن هذه المسؤولية لا يمكن أن يتحملها هذا الناخب الا بأن يعود له الخيار في أن يدلي بصوته في الانتخابات التي تلي. يمكن أن تستجوب المنتخب، أو أن تطيح به في الانتخابات القادمة، أو حتى أن لا تتحمل الانتظار فتضغط في الشارع للإطاحة به قبل ذلك، لكن لا يمكنك أن تستجوب الناخبين أنفسهم. هناك أمور ينبغي التعلم كيف تضبطها في دخيلتك. منها هذه الشهوة العدمية لاستجواب الناخبين. وهي تصبح عبثية بعد أكثر حين تريد أن تستجوب الناخبين زجراً مسبقاً بهم، قبل أن ينتخبوا، بدعوى أن العبودية الطوعية فيهم متأصلة، لا انهيار ولا انفجار يخرجها منكم.
كما أن الجزم بأن الجمهور الانتخابي يعاود الكرة في كل مرة، وكما لو أنه أصلا مدعو للاختيار بين ملأ الأوليغارشية الموحدة وبين كتلة تاريخية تغييرية متراصة، فهو كلام فوقي إطلاقي تعميمي متبجح.
الأوليغارشية موجودة وتكبس على المشهد. ولن تتوان عن تأجيل الانتخابات عند أول بادرة تسمح لها بذلك. ولأجل هذا أيضا الانتخابات ليست مجرد مسرحية تضبطها الأوليغارشية من كل جانب. وليست في نفس الوقت استحقاقاً ديمقراطياً سليماً. الانتخابات في لبنان تتأرجح بين أن تكون هامشاً ديمقراطياً في حدود سيطرة الميليشيات والأوليغارشية وبين أن تكون حدثاً ديمقراطيا تواقاً للتفلت من هاتين القبضتين.
وفكرة أن الناس في لبنان مثلا تنتخب الشيء نفسه في كل مرة هي في أقل الإيمان غير قادرة على التأريخ للتجربة الانتخابية ومعوقاتها وحدودها لكن أيضاً لدينامياتها وآثارها عند كل منعطف. ليس هناك، حتى في لبنان، انتخابات نسخة طبق الأصل عن التي سبقتها. والأهم، لا ضير في التفكير بأن هناك «منظومة» من فوق، و«عبودية طوعية» لها من تحت، إن اقتصر هذا التفكير على حدود استخدام الاستعارات المجازية. في المقابل، الشطط يتضاعف إذا أُخِذَ المجاز هنا على أنه يغني عن تحليل ملموس للتشعبات الملموسة، وأمعن في المكابرة على الوقائع الطائفية التي هي وقائع فعلية، وليست أبداً من اختلاقات «منظومة فوقية» وتجاسر على التناقضات الفعلية بين الناس، التي هي ليست أبداً من آثار إدمانهم على «العبودية الطوعية». وبعد كل شيء، الناس هي الناس. لا هم ملائكة، ولا هم شياطين. تبجيل الجماهير كما تأنيبها لأنها لم تتجمهر ولم تتمرد وليست بصدد أن تقترع في الصناديق للوائح الثورية غير الموجودة أصلا، كله يرد الى منبع واحد. عدم القدرة على التعامل مع الواقع بحجة أنه ليس بواقع مثالي. أفضل ما في الواقع في الحقيقة أنه غير مثالي، ولأنه كذلك فهو قابل للتغير، بل لأنه كذلك فهو يتغير على الدوام، حتى حين نراه لا يتغير. حتى العبودية الطوعية، حتى أسوأ أنواعها، يتبين عند التدقيق، بأنه غير مطواع كما قد يخيّل للمصرّين دوماً بأن العوام ينبغي إما لجمها وتهذيبها وإما أن تبدع ثورات على الدوام.
كاتب لبناني
نعم وللاسف الشديد تعودت طائفة من شعوبنا علي القمع وتعيش ذليله ولكن اظن الاكثريه لا ترضي بهذا الذل والهوان ولكنها تخاف من بطش الحاكم — فتري التعذيب في اقسام الشرطة والسجون لايزال وبتحريض من القائد المهلم وعلي الشاشات ان لا محاسبه ولا محاكمه لضابط يضرب او يقتل في تصريح وتحريض علي القتل — لعن الله الذي يقتل او يعذب مواطن وحتما سيلقي حسابه يوما ما –وستقوم ثورات
من وجهة نظري لقد أبدع (د وسام سعادة) في كيفية صياغة العنوان («العبودية الطوعية» ليست مطواعة على الدوام) بخصوص إشكالية الإنتخابات، واشكاليات الديمقراطية، في أي دولة،
والدليل إيصال (دونالد ترامب) في أميركا، و(بوريس جونسون) في بريطانيا، الذي نجح في تمرير (بريكست) في عام 2016 قبل استلام كرسي رئاسة مجلس الوزراء في عام 2020، وليس فقط في كيانات سايكس وبيكو، أليس كذلك؟!
لأن بين الطرشان، أو من لا يعترف بوجود الآخر، بسبب فلسفة مناهج تعليم (ثقافة الأنا)، لا يمكن أن يكون هناك حوار، لو كان هناك حوار أصلاً،
والدليل ما حصل في أول يوم ألتقينا به، في غرفة مستشاري رئيس الغرفة التجارية، في بغداد، هل كان ذلك حوار؟!
يا د رحيم العتابي، التلميح وفهمه، عندما تكون مواكب شيء، وعقلية يفهمها وهي طايرة شيء آخر، لأن هذه العقلية لا تقبل أن تسمع كل القصة، تكتفي بأول كلمتين،
وبعدها، يبدأ يطرح فتاوي/رأي، وبالتأكيد لن تكون لها أي علاقة بالموضوع، وليس مسألة الصح والخطأ، أو التقييم والنقد هنا،
فلذلك في أول مقابلة لأي انتخابات، ويتم استخدام ذلك، فخطأ منهجي في مناهج التعليم، الحالية،
فأساس المشكلة، بالنسبة لي، هو لماذا هناك سوء أو عدم فهم، لمفاهيم سوق صالح (الحلال) عند تنفيذ مشروع صالح التايواني، عند متابعي تعليقاتي في جريدة القدس العربي، مثلاً؟!
ولحل ذلك، كل واحد من الجماعة يطرح ما فهمه، حتى يُبيّن لي، اشلون كل واحد منكم يفهم كلامي خطأ، ولماذا؟!
في تلك الحالة أستطيع إيجاد الخلل وين، فأصلح سوء فهم، كل واحد منكم، من يرغب أن يكون ضمن فريق التسويق، بالمحصلة،
ومن هنا إساءة فهم كلمة (الحوار) أو (النضج) من وجهة نظري، في أي أسرة أو شركة أو مجتمع، أو دولة، يا (د وسام سعادة).??
??????