العبور

حجم الخط
0

في الحقيقة إنني أحيانا أخرج من رتابة الورق والأحرف الكتابية التي أتسكع في شوارعها كلما أصبحت مؤثثة بالكلمات.. أجر نفسي من بين تلك السطور الضوئية التي تبدو في الغالب مزدحمة بكل شيء.. عندما أخرج إلى الواقع الحقيقي أعود تلك المرأة التي تكون أكثر هشاشة من الداخل، إنني أعود إلى أول السطر وإلى تراكمات الحياة والتفاصيل العالقة فيها. أتعجب من نفسي أحيان هل ممكن أن أكون امرأتين تتناوبان على الظهور؟!
أقبع تحت الورق كأنثى ناسكة ترتل في محراب الأبجدية حرفاً حرفاً، وتحت ضوء الشمس تحفر الواقع بنصل حاد، وأترك توقيعي في نهاية كل عمل كأن الحياة لا تقبل إلا من يقاتل فيها ليعبر.. رتابة الحياة تجعل مني امرأة مكررة في كل شيء حتى ترددات الكلمات تخرج كخطاب معد سابقاً، كأنها تعيد نفسها في كل موقف.. شيء واحد أضاء في ذاكرتي المقلوبة، وهو أن القرب يفضح الأشياء لا الوجوه، كما كنت أعتقد، وإنك حين تقترب من ذاك الذي كنت تجهل حقيقته كنت أنت ذاتك واقعاً تحت تأثير الأضواء الحبرية والكلمات الإمعة.. وإن تلك الأشياء التي كانت تملك حق نبضك ووقتك وحتى حديثك، تعود بعد انقشاع الوهم وانحسار الضوء إلى حجمها الطبيعي.. إلى ما كانت عليه قبل ذاك الاهتمام العبثي، لا أريد أن أبدو امرأة في الثمانين تخرج من معطفها الليلكي حزمة حقائق لبقايا حياة تبدو كوصايا آخر المطاف.. أستطيع أن أتخيل ملامحك وأنت تعبر هذه السطور بترقب..

كاتبة من عُمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية