الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
يكتب الشعر الحديث
لا يكلم الناس
ولا يكلمونه
فروحهُ مشغولةٌ
بالبحث عن قراءةِ المعنى
وعن شفافية العبارةْ.
٭٭٭
الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
بين يدية رزمةٌ من الأوراق
في بياضها
يرى قصيدةً لم تكتمل
وغِزلاناً من المعاني
ووعولاً شارداتٍ
في براري الكلمات النافرةْ.
٭٭٭
الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
لا يرى عيونَ امرأةٍ
تطل من نافذة البيت القريب
تحتفي بهِ
تومي له بمنديلٍ
من الحريرِ الأخضر
الشفيفْ.
٭٭٭
الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
عاد من شروده
يشده ظلُ فراشةٍ
ضلت طريقها إلى المقهى
فأيقظت روادهَ
وسحرت أعينهم برقصها
وثوبها الجميل.
٭٭٭
الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
يشتكي العزلةَ
يبكي وجعَ الروح
ويخشى أن يرى الناسُ
دموعَهُ
وما تكتبه على طاولة المقهى
من الأحزان.
٭٭٭
الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
شارداً
يحكُ بين لحظةٍ وأخرى
رأسَ عصاتهِ
كأنه يهم أن يشج
وجهَ الريح
أو يحارب الهواء.
٭٭٭
الرجلُ العجوزُ
ذلك الذي يجلسُ عند مدخلِ المقهى
وحيداً
قبل غروب الشمس
هل يحزنه غروبها؟
يوحى له
بأن عمره الحافلُ بالأحلام
والخيبات
في طريقه إلى الأفول.
٭ أديب وشاعر يمني
من أجمل ما يقرأه المرؤ في صباح ساخن . الكبير د. عبد العزيز المقالح، الشاعر والباحث يكتب عن (الرجل العجوز) سعدي يوسف بما يجعلنا نسخر من أعمارنا. شكراً للصباحات الساخنة وهي تجود علينا بالجمال.
جميل..نشرت قصة قصيرة بعنوان (انتظار) منذ سنوات نوهت اليها الكاتبة الكويتية باسمة العنزي واعادت نشرها بصحيفة الرأي الكويتية تدور حول نفس المعنى ..عله توارد خواطر ليس إلا.
قصيدة محلقة بتقنية لغوية بارعة ومحكمة . بما تضمنته من توريات ورؤى وأخيلة .
انتظار
فتحي نصيب
ستأتي كاشراقة الشمس عقب المطر.
ستجلس أمامه في مهابة ، ويتقافزان بحديثهما من ضفة إلى أخرى.
سيشكو لها بألم وحدته، وكيف تبخر الأصدقاء ، الواحد تلو الآخر، كمدا أو عشقا أو جنونا أو اغترابا.
منهم من غيبه البحر ، أو هوى من ارتفاع شاهق ، أو قضى في مستشفى بداء غامض ،أو بغرفة باردة في إحدى دول الشمال الأوروبي.
ستأتي حتما.
جلس على نفس الكرسي بذات المقهى الذي يرتاده منذ عشرين عاما، بالقرب من حوض أسماك الزينة التي تسبح في حلقة مفرغة داخل المستطيل الزجاجي الذي تتوزع داخله أصداف بحرية ونباتات ( بلاستيكية ) وطاحونة تنفث فقاعات الأوكسجين.
ستأتي.
سيردد عليها بانشراح مقاطع كاملة يحفظها غيبا من رواية ( الحب في زمن الكوليرا).
سيبوح لها في شوق بكل أسراره الصغيرة التي كتمها في قلبه طيلة سنوات . وسيلقي عليها ما احتفظت به ذاكرته من دعابات سمعها طوال حياته.
سينقل إليها بحنين أخبار حيهم ، وكيف آلت الأمور في شارعهم القديم ، وتلاشي الساحة التي ركض فيها صبيا وعن حديقة الأطفال وكيف هجرتها أسراب الحمام ولماذا اختفت المراجيح وحلت محلها خيول خشبية لا تبرح مكانها.
سيخبرها بحزن عن تلك العجوز التي تعمل بمسح بلاط المستشفى لتؤمن مصاريف الدراسة الجامعية لابنتها الوحيدة.
.
وعن جارته الودود التي تطوعت لغسل ملابسه ورتق جواربه ومده بوجبات الطعام.
ستأتي ، وسيتنادمان ، ويبكيان شوقا.
سيغني لها بمرح ، وسيشبك أصابعه بأصابعها ويغيب في عينيها.
ستأتي . لا يساوره أدنى شك في هذا.
سيحدثها بفخر كيف انفجر في وجه مديره الأجوف ذات يوم وطرده من العمل.
سيخبرها بحميمية عن المدن التي عشقها ، وتلك التي حلم بها ولن يراها مطلقا، ومقاطعته للصحف وامتناعه – في السنوات الأخيرة – عن تناول لحوم الحيوانات ، لا خوفا من ( الكوليسترول) بل لقناعته بأنه ليس من الإنصاف افتراس الكائنات التي تشاركنا البر والبحر.
سيقرأ لها بوله النصوص التي جمعها والتي تحكي عن ضياع العمر والانكسارات و الحروب المجنونة والأطفال الذين يموتون جوعا.
سيحكي لها بحسرة عن اللقاءات العابرة مع نساء كحبات الكرز صادفهن في صالات الانتظار بالمطارات أو ردهات الفنادق أو أولئك الرجال المنهمكين بأعمال لا يعرفها أو سحنات رجال الشرطة المتشابهة في جميع دول العالم.
سيبوح لها بانكسار عن لياليه الحزينة في أمسيات الصيف ، وزياراته لقبر أمه ورشه بالماء ، وإدمانه التدخين والقهوة وقراءة المعلقات.
اتكأ على عكازه ، نهض بتثاقل ،غادر المقهى المزدحم برواده، مضى يشق طريقه في ليل تكاثف ظلامه.