العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان: دور فرنسا وصراع المصالح

حجم الخط
0

ثمة مؤشرات واعدة صدرت من داخل الحكومة الإسرائيلية لإخراج حزب الله من جنوب لبنان، ودفعه إلى ما وراء نهر الليطاني، ولكن الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية لا تزال غير واضحة، فهنالك تخبط إسرائيلي واضح في المساءلة اللبنانية، تارة ينادون بعزل الشمال عن الجنوب، بالإشارة إلى شمال فلسطين وجنوبها، وتارة أخرى يعلنون ضرورة دفع حزب الله إلى ما بعد الليطاني، وفي كلا الحالتين إسرائيل ماضية في إضعاف حزب الله واحتلال الجنوب اللبناني، علينا أن نتذكر أن الحدود المرسومة بين لبنان وإسرائيل هي حدود «الخط الأزرق» وتجب الإشارة إلى أن المساحة التي اقتطعها الخط الأزرق من لبنان لصالح إسرائيل نحو 485 ألف متر مربع، بينما تصل مساحة الخروقات الإسرائيلية الدائمة على حدود لبنان الجنوبية إلى حوالي 17 ألف متر مربع.

المشروع الصهيوني يحمل في طياته الكثير من الخطط التوسعية، ما سيؤدي حتماً إلى انفلات عقال الاحتلال، ولا يكون مقصورا على فلسطين وحدها بل يتعدى إلى ما بعد ذلك

خطط توسعية

مما تقدم يدلل على أن الاحتلال الصهيوني ما زال يفكر في قضم مزيد من الأراضي اللبنانية، وضمها إليه، فهو على الدوام يروم من ذلك تأمين حدوده الشمالية، كعمق استراتيجي أمني، فضلا عن السيطرة على نهر الليطاني، أو تحويل مياه لصالحه. في وقت سابق اعتبرت إسرائيل مشروع نهر الليطاني ضربة اقتصادية لها، ونظرت بخطورة إلى مشروع لبنان لتحويل مياه ينابيع الحاصبات وشبعا في منطقة الحاصباني إلى حوض نهر الليطاني، لتخزينها في سد ميفدون في قضاء النبطية. في أحد أهم زوايا الاحتلال الأمنية في جنوب لبنان، وحساباته في الربح والخسارة، تكمن في أهمية هذه المنطقة، من هذا المنطلق، أبعدت إسرائيل الفصائل الفلسطينية المسلحة من المنطقة الحدودية، وآخر الحروب التي تدور رحاها اليوم تتمحور أيضا حول نهر الليطاني وجنوبه. غير أن التاريخ التوسعي للحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل، لهما استراتيجيات تتضمن بعدين رئيسيين: أولهما تفريغ المناطق التي تحتلها في الجنوب من أكبر عدد ممكن من السكان، ثانيهما الاحتفاظ بالجزء الجنوبي الشرقي المفرغ من سكانه إلى أقصى مدة ممكنة لضمان تنفيذ أعمال البناء الواسعة النطاق التي تتطلبها الخطط الهندسية لتحويل مياه الليطاني إلى أراضي إسرائيلية.

فرنسا الحالمة

أما الاستعمار القديم المتمثل في فرنسا التي ما فتئت تحلم بتحكمها في مفاصل الدولة اللبنانية، وتوهم نفسها بأن لها اليد الطولى بالتأثير الكبير في هندسة السياسة اللبنانية، لكن الأمور لا تبدو كما تريد، ففرنسا اليوم ليست فرنسا الأمس، وقوتها إبان الاستعمار للمنطقة العربية والافريقية ليست كما كانت، تحاول إقحام نفسها في لبنان، ثمة مصدات كثيرة أمامها، منها دولة الاحتلال التي ما زالت تفرض سيطرتها على العالم مدعومة بأمريكا، الدولة الكبرى في العالم، التي طردت الاستعمار القديم وحلت مكانه، وعلى الرغم من التقسيمات الإدارية التي أنشأتها فرنسا ودورها في استقلال لبنان، إلا أنها اليوم لا تحكم ولا توجد لديها سيطرة على بلد الأرز.

رسائل الاحتلال

واقع الأمر أن الاحتلال الإسرائيلي يوصل رسائل للعالم بأنه قادر على استباحة أي دولة تعرض أمن بلده للخطر، فدكت ميناء الحديدة اليمني، وقصفت الضاحية الجنوبية من لبنان، للأسف أصبح العالم العربي مستباحا لإسرائيل، فهي تبحث لها عن مكان تحت الشمس، ورغم تلقيها مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية وركيزتها الكاملة، ودورها في تثبيت أقدامها على الأرض ونصرتها في الوقت نفسه، تعتبر إسرائيل نفسها بأنها فوق القانون وقراراتها مستقلة، ولا أحد يستطيع أن يثنيها عن تماديها وما تقوم به من إبادة في قطاع غزة، وما يجري اليوم في لبنان من تدمير وقتل للأبرياء، وما يجري أيضا في الضفة الغربية فهي ترسم اتجاهاً وأهدافاً تعكس لها صورة في الخارج تتمثل في أفضليتها للقوة العسكرية والحرب.

غزة ولبنان لوحدهما

لقد تركت غزة ولبنان وحيدتين، ما يزيد من الأطماع الصهيونية في الدول العربية، خصوصا ما اصطلح على تسميتها دول الطوق. هنالك مشروع صهيوني يطبق بناء على وعود التوراة، بمعناه أينما داست القدم اليهودية فهذا حق مشروع لان تكون تلك الأراضي تابعة للدولة اليهودية، وهنا يكمن الخطر. إن هذا الحس الانتقامي الغاضب كان ولا يزال العمود الفقري لكل أدبيات الحركة الصهيونية عبر التاريخ، إذن المشروع الصهيوني يحمل في طياته الكثير من الخطط التوسعية، إن استمرار هذا الخلل في الميزان سيؤدي حتماً إلى انفلات عقال الاحتلال، ولا يكون مقصورا على فلسطين التاريخية وحدها سوف يتعدى إلى ما بعد ذلك.

التمسك بالوحدة

لكنّ الأثر الأهم الناجم عن الاعتداء الوحشي على جنوب لبنان في الأيام المنصرمة والذي ما زال قائما هو من أجل تقويض قدرات حزب الله، فيعتبر نتنياهو ومن حوله هذه فرصة من أجل السيطرة على أجزاء من لبنان، وضم الضفة الغربية، وأجزاء من قطاع غزة، وأن ما يحدث اليوم في لبنان من اعتداءات وحشيه عليه ليس فقط لدحر حزب الله إلى ما بعد الليطاني، الغرض جر الولايات المتحدة الأمريكية لدخول الحرب، على الرغم عنها، يريد نتنياهو من ذلك تقويض قدرات إيران النووية، وإعادة قوة الردع بعدما تآكلت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكي يخلو له الجو ويفرض شروط التطبيع مع الدولة العربية حسبما يريد. وهنا يأتي الأهم في جبهتنا، وهو في فهم ما يريده الاحتلال، بل إن الزمان زمان التمسك بالوحدة فهي السبيل الوحيد لتبديد مخططات نتنياهو، واليمين المتطرف في إسرائيل.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية