العراقية أمل الصندوق ترسم العادات البغدادية

تحمل أعمال التشكيلية أمل الصندوق خصائص الثقافة العراقية العريقة، تشكلها وفق العادات البغدادية برؤاها الفنية وأسلوبها التشكيلي الماتع، الذي يمتح من الانطباعية مقوماتها الأساسية ومن البوانتيزم أهم خصائصه الفنية، فهي ترسم الأصالة بكل ما تشتمل عليه من مواد تراثية عريقة. وهي جديرة بالفحص والمتابعة النقدية الجادة، لأن المبدعة تستلهم منها إبداعاتها التي تحولها إلى فن له خصائصه الجمالية وله مكوناته الإبداعية، وله مفرداته التشكيلية.
ويتضح ذلك جليا من خلال التوظيف العفوي لمختلف العناصر التراثية التي تملأ كل الفضاء، وتكتسح المساحة بمعية اللون بانسيابية وعفوية وتلقائية. وتتحرى المبدعة بسط مختلف الجماليات التشكيلية التي تبعث نوعا من الحركة عن طريق عملية التركيب والتوليف بين مختلف العناصر التشكيلية. فهي وإن كانت تحكمها الفطرية والانطباع أحيانا، فإنها توقد شعلة تراثية أصيلة، وتبعث فيها الحياة من خلال إنتاج فني صادق متناسق مدجج بمختلف القيم الجمالية. إنها تستحضر بُعد الأصالة، وتستحضر المقومات الحضارية التي تميزت بها الثقافة البغدادية، ولتأكيد ذلك تستعمل مختلف التقنيات التي تؤهلها لتمرير معظم الخطابات الأصيلة بأسلوبها الإبداعي. إن البعد الحضاري وما يشتمل عليه من مقومات تراثية وأصالة مترسخ في نفسية المبدعة أمل الصندوق فتصرفه في حيز إبداعي صرف، وتشكله وفق رؤاها التشكيلية وتصوراتها الفنية، لأنه بُعد يمثل حضارة بغدادية أصيلة متعددة المرامي وتمتد في العراقة، وهو ما يجعل أعمالها مليئة بالتعابير والدلالات والمعاني، بقدر ما يمنحه أسلوبها من فيض ثقافي وجمالي يضرب في لب التشكيل بوهج فني.


واستنادا إلى العمل النقدي، فإن بعض الأشكال تتبدى فيها البساطة، وتطبعها بعض الفارقيات التي تؤطر بعض المفردات التشكيلية، التي يتم دمجها بشكل سطحي، لكن على الرغم من ذلك فإن المبدعة تستطيع بتجربتها المميزة أن تصنع توليفات تحدّ بها من الفارقيات، وتشكل نسيجا مكتملا من الأشكال التعبيرية، التي توظفها وفق تشكيلات في فضاء كثيف تسد به كل المنافذ، وهي بذلك تحيلنا – لا محالة – إلى مجال إبداعي تراثي خصب، يضع هذه التشكيلات في قوالب لونية وعلاماتية ورموز تراثية ذات ترابطات قيمية تَخصُّها في طريقة الوضع وكيفيته بطرق إبداعية متفردة تروم عدة أوضاع، بانسجام من حيث الألوان وتناسقها مع رؤاها الداخلية، وحرصها على السيولة في التعبير عن المادة البغدادية، وما تشتمله من أشكال تراثية تعنى بتفاصيل البغداديات ودقائقها، في نطاق تحويل التراث إلى حقيقة فنية موجودة تروم الرؤية البصرية الآنية، بما تشكله عين القارئ من تأويل وإضافات.
ويعتبر هذا المسلك أداة تأسيسية لأسلوبها الإبداعي، وابتكارا خاصا بها، يبرهن على توجهها الفني الذي يُدخل القارئ في شحنات رمزية وعلاماتية من التراث العريق، كأداة تعبيرية في الوقت المعاصر. ويبرهن كذلك على قدرتها التشكيلية في التعامل مع المواد التراثية بتقنيات متنوعة، وإمكانات تعبيرية ذات معان ودلالات مختلفة.
أعمالها تتسم بالصياغة التراثية ذات الأبعاد الجمالية على مستوى التنغيم اللوني، وتحريك المفردات التراثية في مساحات تحكمها العفوية والتلقائية. وهي حاليا ـ وإن استهوتها عمليات الرسم بتقنيات 3D – إلا أن أعمالها في التراث والبوانتيزم والانطباع، تظل الأساس الذي تبني عليه أسلوبها المتفرد، وتنجز من خلاله أعمالها التشكيلية الرائعة، خاصة أن معارضها الفنية في كل من أمريكا وعمان وبغداد، وفي عدد من الأقطار يمنحها الجديد الفني المستمر.

٭ كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية