رياض غنية واحد من فناني جيل الشباب في العراق، لا يبتعد كثيرآ عن التأثيرات المتداولة لدى أغلب الفنانين من أبناء جيله، إلا أنه يمارس لعبة من نوع آخر فعلى الرغم من هيمنة طابع أو أسلوب وروحية التجريد على بعض من أعماله، إلا أن القراءة الدقيقة لأعماله والهدف الذي يسعى له الفنان وينشده بعين المتلقي المختص، أو الذي يمتلك رؤية ودراية بالفن التشكيلي ومدارسه وأساليبه التقليدية أو الحداثوية، يرى أن هنالك قصدية مدروسة ومتزنة في استخداماته للرموز الحياتية والخطوط والإشارات والأغصان وبعض علامات الاستفهام. فضلآ عن ذلك (الجسد) وتحديدآ الجسد الأنثوي بالتمويه أو بالمباشرة أحيانا، فجميع ذلك يؤشر ويدلل لهواجس من بينها الحنين للأم، التي تمثل لديه الملاذ الأول والوطن الذي يشعره بالفخر والطمأنينة التي تجذرت في مخيلته خلال سنوات الغربة، وجميع تلك المعطيات والهواجس وأسلوبه في تنفيذ أعماله، تتفاعل لتخلق حوارآ متباينا حسب الرؤية الشخصية، وطبيعة المتلقي من ناحية، معرفته وإدراكه لأساليب الفن والحداثة، وذلك ما يسعى له الفنان رياض غنية في أعماله لتكون قصدية التوازن بين مفردات الفنان المستخدمة ومساحات التجريد بالشكل واللون والتكنيك تكون متلاشية أمام صدق المعالجة لتلك المساحات والمجاورات اللونية.
ولقصدية رياض غنية في التركيز على الوجه، الذي سعى وبشكل غير مباشر تجسيد وجه الأم بكل عفويتها وحنانها وتضحيتها، واستخدام الجسد الأنثوي كثيمة في البعض من أعماله، ربما يسعى في ذلك، ليدلل على هواجس ومكنونات شخصية يحررها هو بطريقته وأسلوبه على سطح اللوحة، إذ تارة تكون متماهية مع اللون والشكل، رغم عدم صعوبة التشخيص حتى للمتلقي العابر، إلا انه يبقي على المضمون الفكري لرغبته الشخصية، أو لطريقته وأسلوبه في التعبير عنهليدع المتلقي يصل الى فهم الشكل والمضمون الفكري والنفسي الذي حدده هو كرسالة بصرية قابلة للتأويل تارة ومحددة بالرمز تارة أخرى.. إلا أن بعضا من أعماله فيها مباشرة في تحديد شكل العنصر النسوي قريبا للواقعية ومحددة بكتابات وخطوط ورموز غير متماهية مع أسلوب التجريد الذي قد يأخذ حيزا او جانبا كبيرا من مساحة اللوحة..
هنا قد يتوهم البعض أن هنالك ازدواجية في الأسلوب الذي يستخدمه الفنان، إلا أن ذلك وكما أسلفنا، يتلاشى بعد تحليل روح الانفعال، التي غالبا ما تكون واضحة من خلال حركة الفرشاة والأسلوب الانفعالي الذي يلجأ إليه أحيانآ للبحث عن ملاذ آمن للروح، أو لربما الجسد وهو ما يسعى له لتحقيق الذات، وبالأحرى نرى أن غنية يجد في المرأة ملاذا، أوكما أسلفنا، وطنا. إلا أن دوافع القلق في استخدامات خطوطه وحركة فرشاته والجرأة في اللون، تفسر رغم أنها قابلة للتأويل، فليس هنالك ثوابت في أساليب الحداثة لأنها متحولة وفقآ لرؤية الفنان الشخصية والأسلوبية، أو لربما وهو الأقرب لما يريده الفنان على ما نعتقد أنه يوضح هاجس ضياع الوطن فـ(الأم أو المرأة) هي الوطن، وهنا قد يكون ذلك ما يسعى لإيصاله، أو لتحديد موقفه كفنان من قضية باتت قضية رأي عام، من خلال توضيحه لحقيقة ضياع الوطن، أو في ما حل بعد خراب النفوس، واختلال معايير العلاقات العامة في المجتمع بشكله العام والخاص.
تجربة الفنان رياض غنية تبدو وكأنها تجربة لها خصوصية من ناحية الأسلوب هذا في جانب، ومن ناحية الإحساس الذي طالما يتأثر بتضادات الحياة العامة وفضاءات المعرفة وقد نرى أن له تقييما فلسفيا خاصا به، وفي طرح الأفكار والقناعات وطابع التشظي الذي بات يسود مجتمعنا محققا إياه عن طريق صدق المشاعر ويجسده بمفردات عناصره المستخدمة، سواء كانت في الشكل والمضمون أو اللون أو الرمز.
تشكيلي وناقد من العراق