العراقي طه سبع يبعث الإشارة والرمز من بؤر تعبيرية

تتعدد التقنيات والرؤى الفنية في منجز الفنان العراقي طه سبع؛ إذ يشتغل وفق مسالك جمالية متنوعة وأساليب تشكيلية تتميز بمقومات فنية، وتفاعليات جمالية مختلفة، سواء على مستوى البناء الفضائي، أو على مستوى التقنيات العالية الموظفة، أو على مستوى الاستعمالات المضامينية والجهاز المفاهيمي بكل مقوماته. وتفضي المادة الفنية في مجملها إلى صياغة تشكيلية تتقاطع فيها مجموعة من العلاقات التحاورية، لتشكيل بؤر تعبيرية مغايرة للمألوف، يؤطرها المبدع بمجموعة من التقنيات والآليات الجمالية، والاستعمالات العلاماتية. فيبني فضاءات أعماله التشكيلية باعتماد التجريد بصياغات جديدة ومتنوعة، وبانطباعية وبوانتيزم مختلف، باعتماد الدوائر والمثلثات والشخوصات الانطباعية والشكلية، ليروم التعبير وفق نسيج لوني ورمزي وعلاماتي؛ يتم توظيفه وفق أبعاد وقيم اجتماعية وثقافية وفنية، بمسالك يتوخى من خلالها بسط الصيغ الجمالية المتنوعة، باعتبار تجريدية الخطوط والدوائر والتشخيصات المختلفة، التي تروم السيولة التعبيرية لدى المبدع، وهو ما يجعل من بعض التوظيفات العلاماتية واللونية أدوات أيقونية تفصح عن دلالات ورؤى ومعانٍ متعددة، وتعبر عن أحاسيس المبدع بسحر فني لائق، بل إنها تضمر في طيها أبعادا فلسفية وقيمية، تتفاعل مع مقومات العمل التشكيلي المعاصر، وتنسجم مع سياقات المجال التعبيري التعددي، الذي يشتغل عليه.

إنه يشتغل في مساحة خصبة تحتوي مجموعة من الأشكال الفنية والمفردات التشكيلية؛ وهي تندرج ضمن نسيج ثقافي واجتماعي وفني، ورصيد معرفي تشكيلي، يتحكم المبدع في تدبيره بالشكل الأمثل، وإدارته رسما وتعبيرا، ويوظفه بشكل منظم ودقيق مع الاعتناء بقيم السطح إلى حد كبير. وبذلك فإن أعماله تنطق برؤى فلسفية متناسقة، تؤكدها التعددية الأسلوبية المتفردة، وهي تعكس بشكل جلي ثقافته التشكيلية الموسوعية واجتهاداته الرصينة المبنية على ثقافة فنية رصينة، وعلى أسس فنية قويمة. وهو ما يشكل ارتقاء بالعمل الإبداعي إلى التمرد على الجاهز وتجاوز المألوف. وعملا بالقاعدة النقدية، فإن المبدع يعتمد الصياغات اللونية المتنوعة والأشكال المختلفة في سياقات منسجمة، يصنع من خلالها مجالا تشكيليا، يتأسس على ثوابت تصورية ورؤى فنية عالمة، فيوزع المادة التشكيلية في مختلف أعماله – بتنوعها وتعدديتها ـ فيسدّ منافذ الفراغ وفق قيمة فنية تعبيرية معاصرة، فيتقيد بتصاميم وفق منظور فني معاصر، ما يجعل البعد الجمالي مثقلا بالتعابير والقيم الفنية والجمالية، التي يقاربها بماهية إنتاجاته المتعددة ذات تعابير من تفكيره، ومواد من صناعته.

وبذلك تتخطى أعماله حدود الشكل بالمقاييس التشكيلية التي يعتمدها، باعتبارها أدوات فنية ومقومات جمالية، لترتقي أعماله إلى صفوة الفنون التشكيلية. فالمبدع يلامس المادة التعبيرية بمؤهلات وكفاءة عالية، ومهارات كبيرة، يحرك بها النسق اللوني، والمجال التعبيري، ويحوّل المادة الشكلية إلى فلسفة فنية، ثم إلى دلالات ومعان إضافية. وهو يروم من خلال كل ذلك صنع مساحة إبداعية أكثر شمولية وأكثر موسوعية، مرورا بمسالك تشكيلية تقوم على تصوراته الإبداعية، ورؤاه الفنية، ما يفسح المجال لنسج طقوس تعبيرية ذات معنى، وذلك لإرساء مقومات العمل الفني المرتكز على أسس بنائية وعدد من الأشكال والألوان، على نحو إبداعي رصين.
إن تشخيص أشكال جمالية، ورصد مختلف التتابعات الفنية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الصناعية والاجتماعية والثقافية والفنية؛ يُشكل بؤرة فنية وجمالية بقدرٍ من الإسكابات التي يضفيها المبدع على منجزه، ووصولا إلى إدراك الحقيقة المعرفية التي يتوخاها من خلال العملية الإبداعية، التي تحمل حزمة من الإيحاءات والإشارات الرمزية، تقود إلى معانٍ معينة، وترتبط أساسا بفلسفة الفنان في بعدها الصريح المتجانس مع مختلف مقومات التشكيل المعاصر، ليرقى بالعمل الفني إلى الصفوة التشكيلية.
٭كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية