تصاعدت الدعوات لانتخابات مبكرة بوصفها علاجا أخيرا للأزمة التي يمر بها النظام السياسي في العراق، دون أن يقدم الداعون إليها خارطة طريق واضحة ومحددة حول الإجراءات والآليات التي توصِل، في النهاية، إلى تلك الانتخابات!
فوفقا للدستور العراقي، لا يمكن حل مجلس النواب (وهي الخطوة الأولى لأي انتخابات مبكرة) إلا عبر تصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، على هذا الحل. والجميع يدرك أن الأغلبية الساحقة من الأعضاء لن تصوت على ذلك! وتجربة حل مجلس النواب السابق حاضرة في الأذهان، فالحل لم يكن دستوريا، وإنما جرى بالتدليس على النص الدستوري من جهة، وعلى التصويت الذي جرى على الحل المؤجل لمجلس النواب الذي تم تمريره بالأغلبية البسيطة وليس بالأغلبية المطلقة! وكان يجب أن يكون هناك اجتماع لمجلس النواب للتصويت بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، لكن قادة الكتل السياسية بالاتفاق مع رئيس مجلس النواب ونائبيه، قرروا المضي بالحل دون تصويت حقيقي، لعلمهم بأن قرار الحل لن يحصل على الأغلبية المطلوبة!
ويحاول البعض رمي الكرة في ملعب المحكمة الاتحادية العليا من أجل استخدامها كأداة لحل مجلس النواب، وهذا انقلاب صريح على الدستور العراقي، وعلى طبيعة النظام السياسي الذي حدده، خاصة أنه لا وجود لأي “ثغرة” يمكن التسلل منها لتسويغ مثل هكذا قرار. والحقيقية أن المحكمة الاتحادية العليا لن تتخذ هكذا قرار، وإن كانت قد أصدرت قرارات كثيرة، فيما مضى، انتهكت فيها أحكام الدستور الصريحة، لكنها اليوم لن تفعل بسبب صعوبة التوصل إلى صفقة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي على هذا القرار جراء الخلافات الحادة بينهما حول ثلاث قضايا هي قانون الانتخابات، والمفوضية التي تنظم هذه الانتخابات، ومجلس الوزراء الذي يدير هذه المرحلة.
إن حالة الجمود والاستعصاء الحالية تستدعي تفكيرا عقلانيا، حفاظا على السلم الأهلي ومصالح الجمهور، وبعيدا عن النصوص الناظمة التي لا يمكن أن تنتج حلا، بل قد تفاقم الازمة، في ظل حضور السلاح بيد الجميع
فثمة خلافات واسعة بين القوى السياسية على قانون الانتخابات الذي مُرِّر عام 2020، والذي كان نتاج صفقة شارك بها التيار الصدري مع رئيس مجلس النواب، وموافقة ضمنية من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجميعهم كانوا الفائزين الأكبر في تلك الانتخابات! وقد أشرنا إلى هذا في أكثر من مقال قبل تشريع القانون وبعده، فالنظام الانتخابي الذي اعتمده هذا القانون فشل في تحقيق عدالة التمثيل، ومراجعة إحصائية للعلاقة بين عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب السياسية، وعدد المقاعد، يكشف عن تباين كبير، وبالتالي لم يعكس التمثيل المتحقق في مجلس النواب، الحجم السياسي لتلك القوى في الشارع، وحينها قلنا، وبعد الانتخابات مباشرة، أن هذا الوضع سيقود بالضرورة إلى انتخابات مبكرة!
الخلاف الثاني المتعلق بمفوضية الانتخابات كان مجال سجال كبير بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، ومن الصعب المضي إلى انتخابات جديدة مع بقاء مفوضية الانتخابات نفسها، لاسيما أن التجربة أثبتت فشل القضاة في إدارة انتخابات عام 2021، فضلا عن دخول القضاء نفسه طرفا في الصراع الحاصل حاليا بين الطرفين المتخاصمين!
الخلاف الثالث يتعلق بالحكومة التي تسيِّر مرحلة ما بعد حل مجلس النواب، وصولا إلى الانتخابات المبكرة؛ فالإطار التنسيقي يتهم حكومة السيد مصطفى الكاظمي بأنها حكومة “صدرية”، وبالتالي لن يسمح ببقائها!
وهذا يعني أنه لا يمكن الحديث عن حل مجلس النواب دون اتفاق حول القضايا الثلاث تلك، وبالتأكيد لا تَصلُح السياقات الدستورية لاتفاق كهذا، فهذه القضايا الثلاثة تتطلب تشريعات من مجلس النواب، كما تتطلب أن يبت مجلس النواب نفسه في موضوع الحكومة التي تسيِّر المرحلة، وكما قلنا فان علاقات القوة المختلة داخل مجلس النواب، لا يمكن التعويل عليها، فضلا عن وعي التيار الصدري بأن السماح لمجلس النواب بالاجتماع سيقوِّضُ كل ما قام به حتى اللحظة، وبالتالي لن يسمح بذلك!
دستوريا أيضا سيكون ثمة عقبة أخرى في وجه أية انتخابات مبكرة في حال حل مجلس النواب؛ فالدستور يقرر أن رئيس الجمهورية هو من يقوم بالدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوما من تاريخ الحل، وتعد الحكومة مستقيلة وتواصل تصريف الأمور اليومية/ تصريف الأعمال، وهذا النص يعني أن من يتخذ هكذا قرار هو رئيس جمهورية كامل الولاية، وليس منتهي الولاية، وأن بإمكانه اتخاذ هكذا قرار في حال وجود حكومة كاملة الولاية، وليست حكومة مستقيلة أو حكومة تصريف أعمال من الأصل!
لهذا كله نكرر ما قلناه في مقالنا الأسبوع الماضي من أن سياقات الدستور لا يمكن لها أن تنتج حلولا، وأنّ تعكز الإطار التنسيقي وغيره على مقولة “سقف الدستور” لا يأتي بسبب من إيمانهم أو التزامهم بهذا الدستور، فالطبقة السياسية العراقية برمتها لا تحترم الدستور من الأصل وتتعامل معه بوصفه أداة سياسية، وسبق لهم مرارا أن “مسحوا به الأض”، لكن لان هذه السياقات تتيح للإطار، اليوم، احتكار القرار السياسي بالكامل!
إن حالة الجمود والاستعصاء الحالية تستدعي تفكيرا عقلانيا، حفاظا على السلم الأهلي ومصالح الجمهور، وبعيدا عن النصوص الناظمة التي لا يمكن أن تنتج حلا، بل قد تفاقم الازمة، في ظل حضور السلاح بيد الجميع، والحل يكون من خلال حزمة واحدة هي:
أولا: الاتفاق السياسي على تعطيل المواد 54، 64/ أولا وثانيا، 76/ أولا وثانيا وثالثا وخامسا من الدستور، وأن يصدر مجلس النواب العراقي قرارا يتيح ذلك لمدة عام كامل غير قابل للتمديد بأي حال من الأحوال.
ثانيا: الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية مصغرة لمدة عام واحد غير قابلة لأي تمديد، على أن لا يكون رئيسها وأعضاؤها محسوبين بشكل مباشر على أي قوة سياسية، تعمل وفق ما تقرره المادة 13 من قانون الإدارة المالية بالسماح لها بالصرف بنسبة 1 إلى 12 فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية 2021 على أساس شهري. وتمنح صلاحية محددة لتشريع قانون جديد للانتخابات، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة من غير القضاة حصرا، لإجراء انتخابات مبكرة خلال عام واحد، على أن لا يسمح لرئيس وأعضاء هذه الحكومة الترشح للانتخابات المبكرة القادمة، وتصويت مجلس النواب على منحها الثقة.
ثالثا: تعليق عمل المحكمة الاتحادية باستثناء الطعون المتعلقة بإجراءات الحكومة الانتقالية.
رابعا: تقديم رئيس الجمهورية لاستقالته وفقا لأحكام المادة 75/ أولا من الدستور، على أن يبقى المنصب شاغرا لحين انتخاب مجلس نواب جديد، وانتخاب رئيس جمهورية جديد.
خامسا: يُعد مجلس النواب منحلا بعد قيامه بهذه الخطوات.
ولكن هل ثمة عقلاء لوعي ذلك قبل وقوع الكارثة؟
٭ كاتب عراقي
أساس المشكلة يا أستاذ هو الثلث المعطل !
فلو أن المحكمة الدستورية لم تفرض هذا الإشكال ,
لتم إنتخاب الرئيس ورئيس الوزراء !! ولا حول ولا قوة الا بالله
Great analysis and pointing to solve crisis,Mr Qubiasy.
انت عايش بالخرافه
لا غياب لخريطة الطريق ولا تنظيرات جوفاء.الأمور واضحة وتقسيم الأدوار متفق عليه ومعلوم لنا،وهناك أجندة متفق عليها خطوة خطوة.وكما قال القاريء مشرق ( أنت عايش بالخرافة ).وبعيد عن كواليس الصراع الظاهر وهو ليس بصراع
حقيقي لكنه تبادل أدوار خشية ضياع السلطة.
تحليل راقي وواقعي وحل لمشكله العراق الازليه