العراق: التطبيع مع إسرائيل بصبغة النزعة الانفصالية الكردية

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

قوبل إدعاء حكومتي أربيل وبغداد، برفض التطبيع وعدم علمهما بأهداف المؤتمر، بسخرية من الجمهور الذي يدرك حقيقة مواقف أحزاب السلطة واستعدادها للتحالف مع الشيطان من أجل ثروات البلد.

بغداد-»القدس العربي»: لأن توقع حسن النوايا عند أحزاب السلطة غائب عن قاموس العراقيين بعد 2003 لم يمر حدثان في إقليم كردستان العراق مرور الكرام، وهما المحاولة الفاشلة الجديدة للتطبيع مع إسرائيل، وإحياء تجييش المشاعر القومية الكردية في ذكرى استفتاء الانفصال عن العراق، مع عدم استبعاد صلة الحدثين بمزايدات وصفقات وأجندات تلك الأحزاب المرتبطة بالانتخابات القريبة.
ولم يكن المؤتمر الداعي لتطبيع العلاقة بين العراق وإسرائيل الذي عقد في أربيل مركز كردستان قبل أيام، المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة في هذا الصدد، إلا انه فجر سلسلة مواقف متباينة سواء لمنظمي المؤتمر والمشاركين فيه، أو موقف حكومتي أربيل وبغداد، إضافة إلى ردود الأفعال الشعبية الغاضبة على المشاركين فيه، الذين تراجع معظمهم لاحقا وأعلنوا عدم معرفتهم بنوايا المؤتمر الذي نظمته شخصيات مشبوهة ومنظمة أمريكية للسلام لها صلات بإسرائيل، ومبدين تراجعا عن البيان الختامي الذي دعا للتطبيع، بحجة انهم تعرضوا للخداع فيه. فيما بررت بعض الشخصيات حضور المؤتمر بانها تستعين بإسرائيل للخلاص من إيران، متناسين انهما يشتركان في الأطماع بخيرات العراق والسعي لتدميره.
وحسب المثل العربي «رب ضارة نافعة» فإن تداعيات مؤتمر أربيل للتطبيع، التي كانت بمثابة بالون اختبار جديد للعراقيين، قد فجرت تسونامي إدانات من جميع القوى الشعبية والدينية والسياسية للمؤتمر وأهدافه والمشاركين فيه، وقطعت أية آمال خبيثة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وجددت الوقوف مع القضية الفلسطينية بكل قوة.
وقد قوبل إدعاء حكومتي أربيل وبغداد، برفض التطبيع وعدم علمهما بأهداف المؤتمر، بسخرية واسعة من الجمهور الذي يدرك حقيقة مواقف أحزاب السلطة واستعدادها للتحالف مع الشيطان من أجل السلطة وثروات البلد. إضافة إلى استحالة عقد مؤتمر في أربيل بدون ان تعلم حكومتا بغداد والإقليم بأهدافه والجهات التي تقف وراءه، بل ان بعض المشاركين في العملية السياسية، مثل النائب السابق مشعان الجبوري، كشفوا بأن مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي نظمته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل قبل احتلال العراق، نتج عنه توقيع جميع المشاركين على وثيقة التطبيع مع إسرائيل، مقابل تسليم السلطة للمعارضة. فيما كشف دبلوماسيون عراقيون في نيويورك ان الإسرائيليين يدخلون العراق من خلال تأشيرات دخول تمنحها لهم حكومة إقليم كردستان التي تربطها بإسرائيل علاقات قوية منذ عهد مصطفى بارزاني الاب الروحي للكرد، إذ ان إسرائيل كانت الداعم الأول لتمرده المسلح وشجعت دعوات انفصال كردستان عن العراق. وقد اعتادت القوى السياسية العراقية على اتهام القيادة الكردية بانها جعلت كردستان ساحة مفتوحة للمخابرات الإسرائيلية.
ولم يكن مفاجئا ان ترحب حكومة الكيان الصهيوني بمؤتمر أربيل، بعد كشف صلتها بالجهات والشخصيات الراعية للمؤتمر، الذي لم يكن هدفه ضم العراق لقطيع أنظمة التطبيع فحسب، بل وللمطالبة بتعويضات مالية كبيرة من بغداد عن ما تسميه بأملاك اليهود العراقيين الذين تم تهجيرهم من قبل المنظمات الصهيونية وبالتعاون مع قيادات كردية عراقية وشاه إيران قبيل قيام دويلة إسرائيل.
والحقيقة ان إسرائيل تهتم جدا بتطبيع العراق معها، لانه ليس هناك بين العرب من يكره إسرائيل مثل العراقيين الذين يدركون أبعاد دورها التخريبي في المنطقة. وكان العراق الدولة الوحيدة التي ضربت إسرائيل بـ 41 صاروخا في عقر دارها عام 1991 وشارك في كل الحروب العربية الإسرائيلية وقدم دعما حقيقيا للمقاومة والشعب الفلسطيني. وزاد عداء العراقيين لإسرائيل بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 حيث اعتبروها مسؤولة عن تحريض واشنطن على غزو العراق وما نتج عنه من كوارث وتدمير ممنهج للقضاء على قلب المقاومة العربية الحقيقية، ولذا فإن انضمام العراق للتطبيع سيجعل بقية العرب يسارعون في المسار نفسه.
وقد تزامن مؤتمر التطبيع مع حملة تجييش قومي لمشاعر الانفصال عن العراق التي تؤججها القيادة الكردية، مستغلة إنشغال حكومة بغداد وأحزابها بالانتخابات والصراع على السلطة ومغانمها. ففي الذكرى الرابعة لإجراء الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق، الذي جيش له حزب بارزاني عام 2017 كرر رئيس الحزب مسعود بارزاني تمجيده لنتائج الاستفتاء وتمسكه بحلم انفصال الأكراد عن العراق.
وفي السياق ذاته، وضمن الحملة الكردية للتحريض ضد الدولة العراقية وتشجيع دعوات الانفصال عنها، عقد في أربيل مؤتمر آخر بمناسبة مرور 100 عام على قيام الدولة العراقية الحديثة، لتقييم العلاقة بين بغداد وأربيل. وخلال المؤتمر أكد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، والمشاركون في المؤتمر، أن المشكلة الرئيسية في العراق تكمن في الصراع على السلطة، مدعين ان حزب بارزاني «الديمقراطي الكردستاني» أفشل مؤامرات ما بعد الاستفتاء، مكررين أسطوانة ان الأكراد في العراق تعرضوا للظلم على يد جميع الحكومات العراقية، من دون أي إشارة إلى التمرد الكردي المسلح وتعاون القيادات الكردية مع أعداء العراق مثل إيران وإسرائيل في مختلف الأزمنة، كما لم يخفِ المتحدثون حلم القيادة الكردية بالانفصال عن العراق في الوقت المناسب.
وهكذا فان مؤتمر أربيل، هو بالون اختبار فاشل لمنظميه، ولا يمثل أي توجهات شعبية عراقية نحو التطبيع مع إسرائيل. مع القناعة بأن تزامن عقد مؤتمر التطبيع مع ذكرى الاستفتاء على الانفصال وقرب الانتخابات، ليس مصادفة، كما أن مثل هذه المؤتمرات والفعاليات التي تقام في الإقليم، تعزز قناعة العراقيين بأن القيادة الكردية تثبت كل مرة بانها تنظر إلى صلتها بالعراق على انها مجرد ارتباط مؤقت من أجل الاستمرار في الحصول على ثروات البلد، بانتظار الظروف المحلية والدولية المناسبة لتحقيق حلمها بالإعلان عن إقامة «دويلة» ستكون رديفة لإسرائيل، كونها معزولة عن المنطقة وشعوبها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية