عاد الحديث في الأيام الأخيرة، عن إقامة الأقاليم في العراق، بعد أن أسدل الستار عليها منذ سنوات، ولو أن الحديث عنها يتم بطريقة خجولة وغير واضحة بالمرة، صاحبته الدعوة إلى اتفاقات جديدة، على قاعدة توافقات بين اللاعبين في المشهد العراقي.
كأن العراق عراق حديث العهد، ولم يكن دولة حضارية عمر حضارتها أكثر من ثمانية آلاف سنة، ولدهور سحيقة مضت، وهو راسخ ومتجذر في الوجود عبر سفر تاريخي خالد. إن الدعوة لفيدرلة العراق، أو في الحقيقة بلقنته، هي دعوة للتقسيم والتشظي والإضعاف، وهي دعوة يشك في نزاهتها.
الدعوة لفيدرلة العراق، أو في الحقيقة بلقنته، هي دعوة للتقسيم والتشظي والإضعاف، وهي دعوة يشك في نزاهتها
في لقاء مع أزهر شلال، وهو كاتب صحافي ومراسل إخباري، على قناة البغدادية قبل عدة أيام؛ تطرق فيها إلى موضوع إقامة الأقليم (السني). قال مؤكدا؛ إن كلا من علي حاتم أمير قبيلة الدليم الزبيدية كبرى قبائل الأنبار ومحمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب، كانا قد اجتمعا مع مسعود بارزاني، وبحثا معه موضوع إقامة إقليم (سني) في شمال وغرب العراق، وكبداية يكون بإقامته في الأنبار. وأضاف أزهر شلال؛ أن مسعود البارزاني نصحهما بالوجود في الأنبار والبدء بإجراءات إقامة الإقليم هناك. وفي اللقاء ذاته أوضح قائلا؛ هناك من السنة من يعارضون إقامة إقليم الأنبار.. السؤال الآخر وهو الأكثر أهمية وإثارة للكثير من الأسئلة الأخرى المرتبطة بالسؤال الأساس هذا؛ ما هي الأهداف والغايات التي تدفع الساسة الكرد إلى التحريض على إقامة الأقاليم في العراق، أي تجزئة العراق على شكل أقاليم أو فيدرلة، وهذا التوجه في حقيقته ليس فيدرلة أو إقامة أقاليم على غرار ما هو موجود في أماكن أخرى من العالم، بل هو إذا ما جرى العمل به، من وراء الأبواب المغلقة؛ كونفدرالية وليس فيدرالية. كيف يكون شكل الإقليم، هل هو يشبه إقليم كردستان العراق، الذي هو دولة مستقلة داخل الدولة من الناحية العملية والواقعية، والجميع يعلم بهذا في الداخل العراقي وفي المحيط الإقليمي والدولي، إن دعاة إقامة الإقليم إذا ما تم لهم ـ لا سمح الله ـ ما أرادوا وسعوا إليه، واستقر الوضع؛ سوف يطالبون بأن يكون الإقليم كما في كردستان العراق. العراق دولة واحدة على مر العصور، ولم يكن كما يدعي البعض زورا وبهتانا؛ صناعة، أي أن العراق صناعة بريطانية، بل الواقع أن العراق موجود حتى قبل أن توجد بريطانيا ذاتها، إذا ما سألت أي عراقي في الوسط أو في الجنوب أو في شمال أو غرب العراق عن رأيه بفيدرلة العراق، سوف يكون جوابه وبكل تأكيد؛ هو الرفض التام، إلا من كان مؤدلجا في هذا الاتجاه قبل زمن ما. اعتقد أن هناك وراء الأكمة ما وراءها من مشروع مبيت لبلقنة العراق.. ومن وجهة نظري أن هذا المشروع سوف يكون نصيبه الفشل لا محالة، كما فشلت مشاريع أخرى غيره لا تختلف عنه في النية أو الهدف، بل إن مَن يدعو له سيخسر رصيده الشعبي. إن هذا هو ما يجعل أصحاب الدعوة إلى إقامة الأقاليم لا يجهرون بها، بل يلفونها بغطاء من الغموض، لإدراكهم أن الشعب يرفض هذه الدعوة، التي هي محل شك كبير جدا، كما يرفض الداعين لها أيضا. وعلى الساسة الكرد وبالذات مسعود البارزاني، أن يفهم جيدا؛ أن التحريض على بلقنة العراق، لن يجني الكرد منه أي فائدة، بل العكس هو الصحيح، أي أن كردستان إذا ما تمت فيدرلة العراق ستلحق بهم أضرار بالغة من دول جوار العراق. إن الحنكة السياسية وفن إدارة الأزمات؛ ليس في اللعب على المتناقضات المحلية والإقليمية والدولية، واستثمار الفرصة التي صنعتها وتصنعها إلى الآن؛ المشاريع المخطط لها؛ لإضعاف العراق كدولة واحدة، بل هو في الابتعاد عن هذه الخطط كليا، وأن لا يسمح المسؤولون في كردستان العراق أيا كانوا؛ بان يكون إقليم كردستان ورقة ضغط وأداة تحطيم لوحدة العراق، لأن هذا لا يصب أبدا في مصلحة الشعب العراقي ولا في مصلحة الشعب الكردي كجزء أصيل ومهم جدا من شعب العراق ومن كيان الدولة العراقية. في قناعتي المؤسسة على قراءة المشهد المحلي والإقليمي والدولي؛ فإن الداعين إلى فيدرلة العراق في المقبل من الزمن سيكون مصيرهم الفشل حتى قبل الشروع في تنفيذها. والسبب أن كل دول الجوار، وبالذات دول جوار العراق الإسلامية، إيران وتركيا سوف تقف إلى الضد من هذا المشروع، ليس قبل البدء به، بل حتى قبل التفكير فيه، لأن إيران وتركيا على الأخص يؤثر في كيانهما الجغرافي مشروع بلقنة العراق. حتى المملكة العربية السعودية لا يصب في مصلحتها مخطط بلقنة العراق؛ لدوافع الرفض له نفسها من قبل إيران وتركيا. ملاحظة لا بد منها في نهاية هذه السطور؛ هي أن أزهر شلال لا يمكن أن يدلي بهذه التصريحات في مقابلة متلفزة، إذا لم يكن متأكدا مما قال في المقابلة من حقائق..
كاتب عراقي
أما الزيد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. لا تقلق ياسيد مزهر’ للعراق رب يحميه من شرور ورثة أبرهة الاشرم.