فشلت السلطة/ الدولة العراقية، على مدى سبعة عشر عاما من لحظة الاحتلال في نيسان 2003، في إنتاج استراتيجية للسياسة الخارجية، تماما كما فشلت في العمل على إنتاج أية استراتيجية أخرى تتعلق بمفهوم الدولة الحديث! ولا أعتقد أن زيارة السيد مصطفى الكاظمي، على الرغم من الحفاوة البالغة، والملفتة، التي تلقاها في زيارته الأخيرة إلى واشنطن قبل أيام، أو الحديث عن «الشام الجديد» الذي تردد بمناسبة اجتماع القمة الثلاثي الذي عقد في عمان بين السيد الكاظمي والملك الأردني والرئيس المصري، ستشكل قطيعة حقيقية في هذا السياق، ففي النهاية، السياسة الخارجية للدولة لا تتحدد عبر الرغبات والخيارات الشخصية، بل تستند إلى جملة من العوامل الموضوعية المتعلقة بالظروف الداخلية للدولة نفسها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية)، ومدى توفرها على رؤية متفق عليها داخليا حول القيم والمصالح التي تنعكس بالضرورة على سياستها الخارجية.
قلنا في مقال سابق إن اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في العام 2008، والتي تم توقيعها، في سياق «تصور» أمريكي، بالدرجة الأولى، حول طبيعة هذه العلاقة بعد الانسحاب الأمريكي من العراق والذي كان مقررا نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2011، فشلت لاحقا في الوصول إلى اتفاق يتعلق ببقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق بعد ذلك التاريخ، بسبب مشكلة الحصانة المفتعلة، وقد ثبت أن التصور الأمريكي حول مستقبل تلك العلاقة كان مجرد «وهم»؛ إذ لم يكن الفاعل السياسي الشيعي، الذي يحتكر القرار السياسي في العراق، «راغبا» في تطوير هكذا علاقة من الأصل، والإدارة الأمريكية نفسها، حتى قبل مجيء الرئيس ترامب، لم تعد حريصة عليها، ولم يعد العراق يحضر في ذهن صانع القرار الأمريكي إلا في سياق الحرب على الإرهاب من جهة، وصراعه المتجدد مع إيران.
إن هيمنة الفاعلين السياسيين الشيعة الأكثر راديكالية، تجاه العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، على القرار السياسي في العراق؛ سواء لأسباب أيديولوجية بحت؛ كما في حالة التيار الصدري (كان شعار كلا كلا أمريكا كلا كلا إسرائيل أحد رموز هذا التيار عند نشأته في تسعينيات القرن الماضي)، أو لأسباب ترتبط بالموقف الإيراني كما في حالة تحالف الفتح ودولة القانون، والذين يملكون أكثر من ثلثي الأصوات الشيعية في البرلمان العراقي، لا تتيح عمليا أي إمكانية لتطوير العلاقات العراقية الأمريكية خارج الاطار الذي يحكم هذه العلاقات في الوقت الحالي، أي التعاون العسكري، المقبول براغماتيا من هذه الأطراف بسبب الحاجة الماسة اليه، وربما القبول ببعض الاستثمارات الأمريكية في مجال الطاقة، على أن لا يتقاطع هذا الاستثمار مع المصالح الإيرانية، تحديدا فيما يتعلق بالغاز.
إقليما أيضا، ليس من المقنع الحديث عن «شام جديدة» تعيد إنتاج «مجلس التعاون العربي» الذي تأسس في شباط/ فبراير العام 1989، والذي ضم حينها العراق ومصر والأردن واليمن الشمالي (قبل توحيد اليمنين في العام 1990)، وتعيد التذكير بالأهداف نفسها التي اعتمدت لذلك المجلس، دون الالتفات إلى طبيعة الاستقطابات/ الخنادق التي تحكم المنطقة حاليا، خاصة فيما يتعلق بالعامل الإيراني!
لا يمكن في سياق الانقسام الداخلي العراقي هذا، شيعيا وسنيا وكرديا، وفي سياق الاستقطاب وحرب الخنادق التي تحكم المنطقة ككل، التفكير بإنتاج سياسة خارجية «متسقة» قادرة على بناء تحالفات إقليمية، أو دولية، لا تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة كل طرف على حدة
لم يعد العامل الإيراني مجرد عنصر «قلق» في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وربما البحرين، بل ثمة عمل منهجي لإحلاله، بوصفه «خطرا استراتيجيا» محل العامل الإسرائيلي التاريخي. ولا يمكن الفصل بين ذلك وبين الخطة الأمريكية المتعلقة بصفقة القرن، التي تسعى لتحويل المشكلة الفلسطينية إلى مجرد مشكلة اقتصادية، من الممكن معالجتها عبر احتلال خمس نجوم يستبدل الاقتصاد بالأرض، الأمر الذي يطرح أسئلة جدية حول الموقف العراقي من ذلك كله. لذلك وجدنا حرص السيد الكاظمي في البيان الذي تلاه في القمة الثلاثية على الإشارة إلى حل الدولتين، وإلى موقف العراق الثابت من القضية الفلسطينية، وكان واضحا أن هذه الإشارة لم تكن عرضية، في ظل تداعيات الخطوة الإماراتية الأخيرة.
بعد احتلال العراق، كان ثمة انقسام عراقي حاد تجاه الموقف من سوريا؛ فقد كان الفاعل السياسي الشيعي يصنف النظام في سوريا آنذاك بأنه نظام بعثي/ قومي داعم لفصائل المقاومة «السنية» وصل الأمر حينها إلى مطالبة رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلى تشكيل محكمة جناية دولية لمحاكمة النظام في سوريا بعد تفجيرات وزارة الخارجية في آب/ أغسطس 2009، في المقابل كان الفاعل السياسي السني يصنف النظام في سوريا على أنه نظام قومي/ عربي وداعم لهم (كانت سوريا طرفا في التحالف السداسي الذي دعم القائمة العراقية في انتخابات البرلمان في العام 2010). ولكن الوضع تغير بشكل جذري بعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011، بحيث أعاد الموقف السياسي الشيعي تصنيف تراتبية هوية النظام السوري من جديد، ليتحول من نظام بعثي معاد للنظام الجديد في العراق، إلى النظام ذي الهوية العلوية، و الحليف الاستراتيجي لإيران، ويجب دعمه لمنع وصول «الأكثرية السنية» إلى الحكم.. في مقابل فاعل سياسي سني يعيد هو الآخر تصنيف تراتبية هوية النظام في سوريا؛ حيث أصبح أيضا يصنف لديه على أساس هويته المذهبية باعتباره نظاما علويا متحالفا استراتيجيا مع إيران، لا بد من إسقاطه من أجل وصول «الأكثرية السنية» إلى الحكم! فكلاهما انطلق في موقفه من الثورة السورية من مصالحه الطائفية/ المذهبية الذاتية المباشرة، والتداعيات المحتملة لأي تغيير في سوريا على طبيعة التحالفات الإقليمية، وتأثيرها على علاقات القوة داخل العراق نفسه.
لا يمكن في سياق الانقسام الداخلي العراقي هذا، شيعيا وسنيا وكرديا، وفي سياق الاستقطاب وحرب الخنادق التي تحكم المنطقة ككل، التفكير بإنتاج سياسة خارجية «متسقة» قادرة على بناء تحالفات إقليمية، أو دولية، لا تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة كل طرف على حدة، في ظل غياب شبه مطلق لاتفاق المصلحة القومية أو الوطنية للدولة العراقية، ومراجعة الموقف من مطلب الإنسحاب الأمريكي من العراق أوضح مثال على ذلك، بعيدا عن أي إنشاء عبثي!
كاتب عراقي
لنرى نتائج الإنتخابات العراقية القادمة لنحكم على الشعب العراقي, هل لازال طائفياً أم لا ؟
الأحزاب الدينية شوهت الإسلام بفسادها وعمالتها للأجنبي!! ولا حول ولا قوة الا بالله
دكتور يحيى السياسة الخارجية العراقية منكفأة ليس قبل ١٧ عاما بل انها لم يعد لها اي تأثير عربي حاضر بشكله الطبيعي منذ ١٩٦٣ حيث الانزلاقات والمواقف المتلكئة والتصرفات الشخصية المزاجية وفق هوى حزب البعث، اما موقف الشيعة الراديكالي كما تفضلت فقد سبقه موقف اكثر ريداكالية من الجانب السني حين اعتبروا تغيير نظام صدام والاطاحة به هو نهاية لسلطتهم ومافعلوه باحمد الجلبي اعلاميا شاهد على مجرد تبدل بالمواقف لا اكثر تبعا لتغييرات المنطقة تحياتي