أتباع الصدر انسحبوا إلى محافظاتهم بعد انتهاء الصلاة، من دون رفع لافتات سياسية، التزاماً بتوجيهات زعيمهم، بعكس ما كان متوقعاً من خطوة الصدر تحريك الشارع.
بغداد ـ «القدس العربي»: أسقطت «صلاة الجمعة الموحدّة» للصدريين، الفرضيات التي رجّحت تحولها إلى احتجاجات تقف بالضد من إصرار «الإطار التنسيقي» الشيعي، على تشكيل حكومة «توافقية» وهو ما يرفضه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رغم «استعراض» الأخير حجم جمهوره، وتمسكه بـ«إصلاح» العملية السياسية التي انسحب منها.
أتباع الصدر انسحبوا إلى محافظاتهم بعد انتهاء الصلاة، من دون ترديد شعارات أو رفع لافتات سياسية، التزاماً بتوجيهات زعيمهم، بعكس ما كان متوقعاً من خطوة الصدر الثاني- بعد الانسحاب من العملية السياسية- في تحريك الشارع.
أبرز ما تطرق له الصدر في خطبته التي تلاها نيابة عنه، محمود الجياشي، هي مطالبته بحلّ الميليشيات وإنهاء السلاح المُنفلت، كشرط أساس لتشكيل الحكومة الجديدة.
ونوّه أيضاً إلى أهمية إخراج «الاحتلال» بالطرق الدبلوماسية والبرلمانية، فيما كشف عن سعي جهات «لا يحسن الظنّ بها» لتشكيل الحكومة الجديدة.
وقال أيضاً: «لا تعيدوا المجرب فإنه يستمر بغيّه. فلا نريد أن تُعاد المأساة القديمة ويُضاع الوطن وتتكرر جريمة سبايكر والصقلاوية وغيرها الكثير من الصفقات المشبوهة واستمرار معاناة الشعب».
والأسبوع الماضي، كشفت تصريحات سياسية عن ترشيح ائتلاف «دولة القانون» زعيمه نوري المالكي لرئاسة الحكومي، فيما من المنتظر أن يُعلن «الإطار التنسيقي» الشيعي مرشحه لإدارة الحكومة هذا الشهر.
ويبدو أن الصدر ألمح في حديثه إلى المالكي، الذي لا يرتبط معه بعلاقات جيدة منذ عام 2006 حتى جاءت حادثة التسجيل الصوتي المنسوب للمالكي، الأسبوع الماضي- تضمّن إساءة للصدر- لتعمّق الأزمة بين الطرفين.
ورغم النقاط الـ10 التي تحدّث عنها الصدر في خطبته، غير إن الباحث العراقي، منقذ داغر، رأى إن أهم رسالة للصدر- وصفها بـ11- والتي لم يذكرها هي: «ترون إن بإمكاني قلب الطاولة في أي لحظة. فلا تدفعوني لذلك» حسب «تدوينة» له.
في حين يرى رئيس «مركز التفكير السياسي» الدكتور احسان الشمري، إن فرضية لجوء الصدر إلى الشارع، ما تزال قائمة، غير إنها مؤجلة في الوقت الحالي.
وقال الشمري في حديث لـ«القدس العربي» إن «الصدر أثبت قوته وقوّة أتباعه، فضلاً عن قدرته على إيجاد كتلة جماهيرية كبيرة جداً» معتبراً أن «سرعة استجابة أتباع الصدر لدعوة زعيمهم يمثل رسالة سياسية، وفي الوقت نفسه يمثل تحذيرا سياسيا».
وأضاف: «الصدر وضع اشتراطات للإطار التنسيقي، فيما يرتبط بتشكيل الحكومة المقبلة. رغم إنه خارج العملية السياسية لكنه يستمر راعياً لها ومسؤولاً أمام الشعب وأتباعه على وجه الخصوص».
واعتبر الشمري أن واحدة من رسائل «الصلاة الموحدّة» هي إمكانية «تحرك هذه الجماهير على مستوى الرفض».
وعن ما يمكن أن تشهده مرحلة «ما بعد الصلاة الموحدّة» رأى الشمري إن «هناك ترقباً سياسياً لمسار مفاوضات تشكيل الحكومة، ومن سيختار الإطار التنسيقي على رأسها».
ورأى إن فرضية لجوء الصدر إلى الشارع «ما تزال مطروحة، لكن ليس في الوقت الحاضر، خصوصاً إنه تحدث (الصدر) عن عدم قبوله بحكومة توافقية، ورئيس وزراء (مجرّب) بالإضافة إلى إن الإطار التنسيقي لم يقدّم حتى الآن رئيس وزراء أو برنامجاً وزارياً».
كذلك، عدّ الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، «الصلاة الموحدة» بأنها تأتي لـ«إثبات سيطرة الصدر على الشارع» محذّراً في الوقت عيّنه من خطورة «التمرّد» على الدولة.
وأضاف في تصريح نقله إعلام حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أن «الصدر يريد إثبات انه ما زال مسيطرا على الشارع وجمهوره» موضحاً ان «الصلاة دينية لكن بعباءة سياسية، تضم رسائل إلى المنظومة السياسية في البلاد، ولإثبات قدرته على قلب المعادلة وانه ضمن حسابات المشهد السياسي، والابتعاد عن الاحتكاك بالتيار الصدر على مستوى المناصب الحكومية».
واعتبر أيضاً أن التحرك الأخير للصدر «أثبت هشاشة الدولة العراقية وغياب المؤسسات، وان أي طرف بإمكانه إدارة المشهد أو التمرد على الدولة عبر تسخير تيارات شعبية بأبعاد عقائدية أو مذهبية أو سياسية».
وأكد ان «القيام بالتجمع في ظل تفشي الأمراض بشكل لم يكلف التيار نفسه بالحصول على موافقات رسمية أو استشارة الدولة من الجوانب الأمنية والصحية بجمع مليوني، يتزامن مساعي تشكيل حكومة جديدة».
في حين استعرض المحلّل السياسي العراقي، واثق الجابري، جمّلة رسائل حملتها «الصلاة الموحدّة» أبرزها الضغط على القوى السياسية.
وأضاف، إن «الصلاة الموحدة، تعبدية في ذكرى أول صلاة للشهيد الصدر (محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر) وفي جانب آخر تحمل رسائل للضغط للإسراع بتشكيل الحكومة» وفقاً للمصدر ذاته.
وأكد أن «ما أشيع بتحول التجمع إلى تظاهرة مليونية، لا أساس له من الصحة» مشيرا إلى ان «الصلاة الموحدة تأتي لإرضاء الجماهير، وان التيار الصدري يراقب العملية السياسية».
ولفت إلى ان «الإطار التنسيقي ماض بجهوده مع القوى السياسية لتشكيل حكومة جديدة عقب عطلة عيد الأضحى (تنتهي اليوم الاحد)» معتبراً إن «أي طرف سياسي لا يستطيع ان يؤثر لوحده بشكل كامل».
وأكد ان «التفاهمات مستمرة لتشكيل حكومة خدمية لاختيار البرنامج الأفضل وليس شخصا محددا».
وتعليقاً على «الصلاة الموحدّة» دعا رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي- أبرز حلفاء الصدر في التحالف الثلاثي- إلى «عقد جديد» لمعالجة أخطاء العملية السياسية.
ووفقاً لـ«تدوينة» للحلبوسي، فإن ما طرحه الصدر في خطبة الجمعة الماضية «يعدّ خريطة طريق وطنية كانت أساساً لبناء تحالف قوي يتبنّى هذه الطروحات وغيرها من أساسيات المجتمع وضروراته».
وأوضح أن «العملية السياسية بحاجة إلى عقد جديد تتبنى فيه القوى الوطنية معالجة الأخطاء والخطايا، بعيداً عن أوهام وعُقد (المؤامرة الكونية) التي يعيشها البعض».
في الموازاة، اعتبر زعيم تحالف «السيادة» السنّي، خميس الخنجر، «الصلاة الموحدّة» للصدريين بأنها «فرصة لإعادة هيبة الوطن».
وقال الخنجر في «تدوينة» له، إنه «مشهدٌ إيمانيٌ مباركٌ ورائع (الصلاة) شكرا لسماحة السيد مقتدى الصدر على رسائله الوطنية الصادقة إلى شعب العراق عموماً وإلى المحافظات المحررة ومعاناتها بشكل خاص».
وأضاف، أنها «فرصة أخرى يجب أن تستثمرها القوى السياسية نحو خريطة طريق لتشكيل حكومة قوية تحارب الفساد والإرهاب، وتعيد للوطن هيبته».