في كل انتخابات عراقية، برلمانية كانت أم تتعلق بمجالس المحافظات، يحدث لغط كبير حول أحكام القضاء فيما يتعلق بالمرشحين من جهة، او حول بعض القضايا المرتبطة بالعملية الانتخابية. ولعل الإشكال الأبرز هنا هو عدم استقرار الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن الهيئة التمييزية المكلفة بالنظر في الطعون المتعلقة بإجراءات المساءلة والعدالة، أو الهيئة القضائية للانتخابات التي تنظر في الطعون الخاصة بالقرارات الصادرة عن مجلس المفوضين، والتي يفترض بها توحيد التفسير وعدم اصدار أحكام متناقضة.
عرف قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم 10 لسنة 2008 الهيئة التمييزية بأنها «الهيئة المختصة في محكمة التمييز بتطبيق قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة» (المادة 1/ ثالثا) ونص القانون على أن «تعد الهيئة جهة كاشفة عن المشمولين بالإجراءات الواردة في الفصل الرابع من هذا القانون» (المادة 2/ثانيا) وان القرارات التي تصدرها «قطعية وباتة» (المادة 17). وفي انتخابات عام 2010 اجتمعت الهيئة التمييزية للنظر في بعض الطعون المقدمة إليها، وأصدرت قرارا في 2010 رأت فيه ان البت في هذه الطعون «يتطلب وقتا لا ينسجم ولا يتناسب مع الوقت المحدد مع موعد بدء الحملة الانتخابية» ومن ثم قررت بالاتفاق «إرجاء النظر في الطعن مع بقية الطعون المقدمة والسماح للمعترض بالمشاركة بالترشيح للانتخابات لممارسة حقه الدستوري… وفي حالة فوزه وفق قانون الانتخابات… فان هذا الفوز لا يرتب له حق إشغال مقعد في مجلس النواب ولا يخوله التمتع بالحقوق والامتيازات التي يمنحها القانون للأعضاء في مجلس النواب، ومنها الحصانة البرلمانية والمزايا المالية وغيرها، إلا بعد البت باعتراضه». نحن، إذا، أمام قرار صريح يستند إلى معايير العدالة التي تشترط التدقيق في الوثائق وهي عملية فنية معقدة تستلزم وقتا لإتمامها، ولكننا وجدنا يومها تدخلا صريحا مارسته السلطتان التنفيذية والتشريعية اضطر الهيئة التمييزية للتراجع عن قراراها مع كونه «قطعيا» بموجب القانون، وأصدرت قرار آخر يجتث هؤلاء!
بموجب قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 تشكلت الهيئة القضائية للانتخابات التي تتألف من ثلاثة قضاة تمييز للنظر في الطعون المحالة اليها من مجلس المفوضين أو المقدمة من المتضررين من قرارات المجلس مباشرة (المادة 8/ ثالثا) وقد وجدنا هذه الهيئة «تجتهد» في أحكامها، إلى الدرجة التي تنتهك فيها احكام الدستور نفسه! ففي انتخابات 2014 أصدرت هذه الهيئة قرارات «متناقضة» فيما يتعلق بشرط حسن السيرة، إلى الحد الذي جعل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في حيرة من أمره؛ فالهيئة التمييزية أقصت مرشحين في قضايا تتعلق بالنشر، وعندما حاول مجلس المفوضين تطبيق هذا «القرار» من خلال منع المتهمين في قضايا نشر من الترشح للانتخابات، رفضت الهيئة التمييزية ذلك، وسمحت لبعض المرشحين المتهمين بقضايا تتعلق بالنشر بالترشح!
ولكن الواقعة الأبرز كانت «إقصاء» مرشح ومنعه من الترشح للانتخابات بدعوى «أن الجريمة المنسوبة للمرشح وفق أدلتها المستخلصة من وقائعها الثابتة في الأوراق التحقيقية، تشكل خرقا لشرط حسن السيرة والسلوك» (القرار التمييزي رقم 46 في 16/ 3/ 2014) وملخص القضية أن المرشح وهو نائب في البرلمان اتهم في قضية اختلاس، ولكن المحكمة المختصة أثبتت عدم صحة ذلك الاتهام، ولكن الهيئة التمييزية خالفت نصا دستوريا بأن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة» وعدت مجرد الاتهام يشكل خرقا لشرط حسن السيرة! في إطار الاستعداد للانتخابات المبكرة، والتي أستبعد شخصيا إجراءها، ظهرت قرارات قضائية إشكالية أخرى، فبعد أن استقرت الهيئة التمييزية السباعية (المكلفة بالنظر في الطعون المتعلقة بالمساءلة والعدالة في انتخابات الأعوام 2010 و 2014 و 2018) على استبعاد من كان بدرجة عضو في حزب البعث من الترشح للانتخابات، مع أن المادة 6/ ثامنا من قانون هيئة المساءلة والعدالة نصت على أن «يمنع من إشغال وظائف الدرجات الخاصة (مدير عام أو ما يعادلها فما فوق ومدراء الوحدات الإدارية) كل من كان بدرجة عضو فما فوق في صفوف حزب البعث وأثرى على حساب المال العام» قررت الهيئة التمييزية في العام 2021 أن المادة لا تمنع العضو من الترشح إلا في حال وجود حكم قضائي بات بأنه قد أثرى على حساب المال العام، وبالتالي سمحت لـ 168 بالترشح للانتخابات.
في كل انتخابات عراقية، برلمانية كانت أم تتعلق بمجالس المحافظات، يحدث لغط كبير حول أحكام القضاء فيما يتعلق بالمرشحين من جهة، او حول بعض القضايا المرتبطة بالعملية الانتخابية
وكان يفترض أن يكون الامر منتهيا عند هذا الحد، لأن هذه الهيئة هي المختصة حصرا بالنظر في شمول أو عدم شمول المرشحين بإجراءات المساءلة والعدالة أولا، ولأن قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020 اشترط أن لا يكون المرشح للانتخابات مشمولا بقانون المساءلة والعدالة حصرا، وليس أي قانون آخر ثانيا، ولأن القانون الأخير نفسه حدد الجهة المختصة بالبت في هذه المسألة وهي الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ثالثا.
ولكن المفاجأة جاءت من الهيئة القضائية للانتخابات هذه المرة! فقد أصدرت هذه الهيئة قرارا خاطئا جملة وتفصيلا، ليس فقط لأنها تدخلت في موضوع ليس من صلاحيتها أصلا، ولكن لأنها «اجتهدت» في أن «تنتقي» مرشحين سمحت لهم بالترشح، في مقابل إقصاء آخرين عن الترشح، على الرغم من أنهم جميعا مشمولون بالمادة نفسها وهي المادة 6/ ثامنا!
فقانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة أعطى لهذه الهيئة حصرا حق تقرير المشمولين من عدم المشمولين بإجراءاتها، وقرر ان قرارات الهيئة التمييزية السباعية هي قرارات قطعية وباتة، كما ان قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020 حدد شرطا صريحا هو أن لا يكون المرشح مشمولا بإجراءات المساءلة والعدالة، وان الجهة المنوط بها تقرير ذلك هي الهيئة المختصة بذلك وهي هيئة المساءلة والعدالة تحديدا!
أصدر مجلس القضاء الأعلى يوم الأربعاء 7 تموز/ يوليو توضيحا حاول فيه تسويغ الأخطاء القانونية التي أشرنا إليها، فأخبرنا كاتب هذا التوضيح أن الهيئة التمييزية المختصة بالمساءلة والعدالة يقتصر عملها على النظر في الطعون المقدمة فيما يتعلق بالوظيفة العامة وأن المادة 6 من قانون هيئة المساءلة والعدالة «لم تتطرق في جميع فقراتها إلى موضوع الترشيح للانتخابات البرلمانية وقبول المرشح من عدمه»! ولكنه نسي كما يبدو ان قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020 في المادة 10/ أولا هو الذي قرر أن هيئة المساءلة والعدالة هي المختصة بتقرير شمول أو عدم شمول المرشحين بإجراءاتها! كما نسي أيضا أنه في انتخابات 2010 و 2014 و 2018 كانت هذه الهيئة وحدها هي المختصة بالنظر في الطعون المتعلقة بالترشح للانتخابات، وأنها نظرت فعلا في ذلك عام 2021، وأن قراراتها «القطعية « كانت تتعلق بالترشيح للانتخابات!
ثم يخبرنا كاتب هذا التوضيح أن الهيئة القضائية للانتخابات المشكلة بموجب المادة 19/ أولا من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي صاحبة الاختصاص فيما يتعلق بـ «التحقق من صحة شروط المرشحين وقبول ترشيحهم من عدمه» ثم يستشهد بالمادة 7 من الدستور، وبقانون حظر حزب البعث رقم 32 لسنة 2016، لكن هذا التوضيح غير صحيح بالمطلق؛ فقانون انتخابات مجلس النواب قد نص على أن من شروط المرشح أن «لا يكون مشمولا بقانون هيئة المساءلة والعدالة» تحديدا، وليس أي قانون آخر أولا، وأن القانون هو من قرر أن ترسل قوائم بأسماء المرشحين إلى «الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة» حسب الاختصاص حصرا، ومن الواضح أن كاتب التوضيح قد نسي أن موضوع المساءلة والعدالة إنما يتعلق بالعدالة الانتقالية وأن المقصودين فيه هم من كانوا بعثيين قبل لحظة نيسان 2003، وأن قانون حظر حزب البعث يتعلق بالانتماء لحزب البعث بعد صدور القانون في العام 2016، لأنه لو تم تطبيق هذا القانون على المرشحين فهذا يعني أنهم ما زالوا بعثيين، وهذا يستوجب الحكم عليهم بموجب المادة 8/ أولا من ذلك القانون!
أن تصدر هيئة تمييزية مختصة مكونة من سبعة قضاة تمييز قرارا تمييزيا قطعيا وباتا بعدم شمول مرشحين بقانون المساءلة والعدالة بالإقصاء، ثم تأتي هيئة قضائية للانتخابات مكونة من ثلاثة قضاة تمييز، لتنقض ذلك القرار «القطعي» دون ان يكون لها صلاحية النظر في ذلك الموضوع، أو الحق في نقض القرار التمييزي، و«تجتهد» هذه الهيئة في التمييز بين المرشحين على أسس سياسية، فتسمح لمن لديهم «حظوة» بالاستمرار في الترشح، وتمنع غيرهم من ذلك، ثم يأتي توضيح صادر عن مجلس القضاء ليتستر على هذا الخطأ من خلال حجج واهية لا سند لها في القانون أو في المنطق، فذلك من « الأحجيات» التي لا تجدها إلا في العراق!
كاتب عراقي
القضاء والعدالة لا يتفقان بالعراق, وبمعظم الدول العربية!
إنه تسييس للقضاة وللقضاء برمته!! ولا حول ولا قوة الا بالله
على الكاتب ان يشرح بشكل يفهمه عامة الناس ويترك المصطلحات والقرارات والقوانين في الهوامش ، كاننا في محكمة !!!
هنالك مرشحين نفس الماده التي تم شمولنا بها وهي سادسا ثامنا رغم اننا كسبن الطعن لصالحنا في محكمة التمييز بعدم شمولنا بقرار هيئة المسائله والعداله الأ ان هناك من عاد وسمح له بالترشيح وهناك من لم يسمح لهم منهم على سبيل المثال قصي الاحمدي رئيس جامعة الموصل تمت اعادته ونحن تم استبعادنا رغم صدور قرار من مجلس المفوضين بعودتنا والمصارقه علينا