بغداد- رائد الحامد: تتجه الحكومة العراقية نحو تبني سياسة جديدة تركز على الاقتراب أكثر من محيطها العربي بإعادة بناء الثقة مع دول خليجية على خلاف مع إيران، هي السعودية والإمارات، واتخاذ مسارات اقتصادية جديدة لبناء نوع من العلاقات الاقتصادية “المتميزة” مع الأردن ومصر.
وعلى الرغم من تهديدات بعض المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، استأنف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال شهري مارس/آذار الماضي وأبريل/نيسان الجاري، جلسات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وأجرى زيارتين ناجحتين إلى السعودية والإمارات، وهما دولتان حليفتان لواشنطن.
وتحتاج الدول العربية إلى عراق قوي آمن ومستقر بعيدا عن التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، يملك قرارا مستقلا في رسم سياساته الخارجية بما يخدم مصالحه الوطنية ومصالح الدول العربية أيضا.
كما أنه من المهم لمحيط العراق العربي، حفاظا على أمن دوله، أن يكون للعراق قوات أمنية غير مرتهنة للمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، وقادرة على حماية أمن وسيادة البلد من التهديدات الخارجية، الإيرانية وغيرها، ومنع اتخاذ أراضي العراق منطلقا للعدوان على الدول الأخرى.
وتنظر إيران بقلق إلى اتجاه العراق نحو محيطه العربي خشية ابتعاده عن محورها بما يهدد مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية وخسارة نفوذها في العراق وحرمانها من استخدام الأراضي العراقية ممرا بريا للتواصل مع القوات الحليفة لها في سوريا ولبنان.
لكن ليس بالضرورة أن يكون اقتراب العراق من محيطه العربي على حساب العلاقات “العميقة” مع إيران، أو الابتعاد عن محورها على الرغم من تشديد الرئاسات الثلاث، الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، على ضرورة إبعاد العراق عن سياسة المحاور الإقليمية أو الدولية، وعدم السماح باتخاذ العراق ساحة لتصفية حسابات دول أخرى ، مثل الولايات المتحدة وإيران، أو الاعتداء على الدول انطلاقا من الأراضي العراقية.
وخلال العقد الأخير، شكلت إيران محورا قتاليا يضم طيفا واسعا من المجموعات الشيعية المسلحة العراقية المنضوية ضمن هيئة “الحشد الشعبي”، و”حزب الله” اللبناني وجماعة “الحوثي” اليمنية وعشرات المجموعات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري التي تقاتل في سوريا وتضم مقاتلين من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان والبحرين وغيرها، بالإضافة إلى مقاتلين سوريين ضمن أكثر من 20 تشكيلا، منها “لواء القدس” و”الغالبون” و”درع القلمون” و”لواء الباقر” وغيرها.
وتشير بعض التقديرات إلى نحو 200 ألف مقاتل من مجموعات مسلحة من دول عدة تقاتل تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا واليمن، منها أكثر من 100 ألف مسلح في سوريا وحدها، وفق تصريحات لقائد الحرس الثوري الإيراني السابق محمد علي جعفري.
ويتعرض الكاظمي لضغوط من المجموعات المسلحة خارج سلطة الدولة تتمثل في مهاجمة الدول الأخرى، مثل السعودية، وتنظيم استعراضات عسكرية وسط العاصمة في تهديد واضح لسلطة الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية.
ويحاول الكاظمي حث إيران على ممارسة المزيد من الضغوط على المجموعات المسلحة الحليفة لها لوقف تهديداتها للأمن والاستقرار.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن مسؤولين عراقيين، قولهم إن الكاظمي أرسل رسالة شديدة اللهجة للسلطات الإيرانية طالبها باستخدام نفوذها لوقف تهديدات الجماعات المسلحة الحليفة لها لتجنب احتمالات المواجهة معها.
ولم تؤكد مصادر رسمية عراقية أو إيرانية صحة ما نقلته الوكالة الأمريكية.
ويُعتقد أن زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى بغداد في 6 و7 أبريل الجاري، جاءت على خلفية الرسالة التي وجهها الكاظمي للسلطات الإيرانية.
وخلال زيارته التي تعد الثالثة منذ توليه منصبه خلفا لقاسم سليماني، الذي قُتل بضربة جوية أمريكية في يناير/كانون الثاني 2020، التقى إسماعيل قااني بمسؤولين حكوميين وقادة مجموعات شيعية مسلحة.
فيما تحدثت وسائل إعلام محلية أنه دعا هؤلاء القادة إلى التهدئة في المرحلة الراهنة حيث تجري إيران مفاوضات حول ملفها النووي مع فرنسا والصين وروسيا وبريطانيا وألمانيا تمهيدا لدخول الولايات المتحدة في هذه المفاوضات التي لا تزال إيران ترفض مشاركتها قبل رفع كامل للعقوبات.
وتزامنت زيارة قااني، مع توقيتات قريبة من اختتام مصطفى الكاظمي زيارتين رسميتين إلى كل من السعودية والإمارات، وعقد جلسات جولة الحوار الاستراتيجي في مرحلته الثانية بين الولايات المتحدة والعراق.
إضافة إلى اقتراب موعد القمة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية والتي أُجلت للمرة الثانية، الأولى تضامنا مع مصر في حادثة تصادم القطارين، حسب تصريحات الكاظمي في 26 مارس الماضي، أي بعد يوم واحد من الموعد المحدد للقمة الثلاثية ببغداد، والثانية على خلفية الظروف الأمنية في الأردن، وفق ما أعلن عنه المتحدث باسم مجلس الوزراء حسن ناظم، في 7 أبريل الجاري.
وعقدت مصر والأردن والعراق اجتماعات على مستويات مختلفة طيلة عامي 2019 و2020، ركزت على الجانب الاقتصادي والتنسيق المشترك في الحرب على الإرهاب.
وتسعى حكومة الكاظمي لاستعادة دور العراق العربي والإقليمي بدعم من السعودية والإمارات والولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، التي التقى أمينها العام أحمد أبو الغيط مع الكاظمي ببغداد، في 10 أبريل الجاري، والذي أثنى على خطوات الحكومة العراقية، لاسيما ما يتعلق بمسار الانفتاح العراقي على محيطه العربي والإقليمي.
وتعتقد الولايات المتحدة ودول خليجية وعربية، أن الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي تبدو أقل “تبعية” لإيران مقارنة بحكومات سابقة، حكومة عادل عبد المهدي وما قبلها.
ويحاول مصطفى الكاظمي خلال المرحلة الانتقالية بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة استعادة جزء من قرار الدولة واستقلاله عن نفوذ قيادات المجموعات المسلحة الحليفة إلى إيران.
واتخذ الكاظمي بعض الخطوات للحد من نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة سواء بتغيير بعض القيادات الأمنية المقربة من تلك المجموعات، أو بمحاصرة بعض مصادر تمويلها بإخضاع عدد من المنافذ الحدودية مع كل من سوريا وإيران لإشراف وسيطرة القوات الأمنية وجهاز مكافحة الإرهاب بعد أن كانت تخضع لإشراف تلك المجموعات التي كانت تستحوذ على معظم إيراداتها المالية.
ومع تراجع خطر تنظيم “داعش” بعد خسارته عسكريا في العراق وسوريا، برز تهديد المجموعات الشيعية المسلحة للمصالح والقواعد الأمريكية في العراق، ومصالح الدول الحليفة لها في المنطقة مثل السعودية التي تعرضت لعدة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، حيث أشار مسؤولون أمريكيون وأمميون إلى أن مصدرها كان من العراق.
وأعلنت ألوية الوعد الحق (أبناء الجزيرة العربية)، وهو فصيل يُعتقد أنه واجهة لأحد المجموعات المسلحة العراقية، استهداف العاصمة السعودية بالطائرات المسيرة في 23 يناير الماضي، حظي بمباركة وتأييد كتائب “حزب الله” العراقي في بيان للمتحدث باسمها.
وخلال لقاء الكاظمي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 27 مارس الماضي، أكد الكاظمي أن العراق لن يسمح بأي اعتداء على المملكة، لكنه، يعترف بوجود سلاح خارج سلطة الدولة لدى مجموعات شيعية مسلحة تنشط بشكل علني وتنظم استعراضات عسكرية بعضها في شوارع العاصمة دون أن تتخذ القوات الأمنية أي إجراءات ضدها.
ومن منطلق رؤيتها بأن العراق يشكل جزءا من نفوذها التقليدي في المنطقة، ترفض إيران أي شكل من أشكال التدخل أو النفوذ الخارجي في العراق سواء الأمريكي أو السعودي أو غيرهما من الدول التي تعتقد طهران أنها “معادية” لها.
ولأسباب تتعلق بزيادة نفوذها في العراق والمنطقة، من المهم لإيران بقاء العراق “معزولا” عن محيطه العربي، والعمل على تعزيز قدرات القوى الحليفة لها سواء المسلحة، أو السياسية، لتنفيذ سياساتها في المنطقة انطلاقا من العراق الذي تسعى إيران لإضعاف دوره العربي والإقليمي، وإبعاده عن محيطه “التقليدي”.
(الأناضول)