أشرنا في مقال سابق إلى أن مبدأ اللامركزية لم يكن نتاج رؤية أو استراتيجية حقيقية لدى المشرع او لدى الطبقة السياسية في العراق، بل كان خاضعا للسياق السياسي الحاكم! الذي كان يقر التشريعات ثم يطيح بها بتواطؤ جماعي لصالح الجهة المهيمنة سياسيا. وذكرنا كيف أطاح تدخل السلطات الاتحادية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بفكرة لا مركزية المحافظات في إدارة شؤونها عبر حكوماتها المحلية المنتخبة! ومثلما هذا السياق بطبيعة الصراع السياسي القائم في العراق، وبرغبات الفاعل السياسي الأقوى ومصالحه الاقتصادية المباشرة، ارتبط ايضا بعلاقات هذا الفاعل وتحالفاته السياسية ومصالحه الاقتصادية او تقاطعاته مع القائمين على هذه المحافظات!
نلاحظ هذا التناقض في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 وتعديلاته الثلاثة؛ حيث نجد مواد تعضد اللامركزية، ومواد تطيح بها تماما في الوقت نفسه!
ففي النص الاول للقانون، نصت المادة 7/ رابعا على أن من صلاحية مجلس المحافظة: «رسم السياسة العامة للمحافظة بالتنسيق مع الوزارات المعنية في مجال تطوير الخطط المتعلقة بالمحافظة». ثم يأتي التعديل الثاني للقانون ليعيد صياغة هذه المادة لتكون: «رسم السياسة العامة للمحافظة وتحديد أولوياتها في المجالات كافة بالتنسيق المتبادل مع الوزارات والجهات المعنية، وفي حالة الخلاف تكون الاولوية لقرار مجلس المحافظة»! وكما هو واضح فان التعديل أعطى للسياسة العامة التي تضعها المحافظة اولوية على السياسة العامة التي تضعها الوزارات والجهات المعنية في حالة الخلاف بين السياستين! ليأتي التعديل الثالث للقانون ليضيف مادة جديدة هي المادة 45/ ثالثا التي تقرر أن «تلتزم المحافظة بالسياسة العامة التي يرسمها مجلس الوزراء والوزارات المختصة وللمتضرر الطعن بالقرار أمام المحاكم المختصة»! وهذه المادة انتهاك صريح للمادة 122/ خامسا من الدستور التي قررت أن «لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة او جهة غير مرتبطة بوزارة»! كما أن هذا النص يلغي عمليا فكرة إمكانية وجود نزاع بين الحكومة المركزية ومجالس المحافظات، لأن هذا النص يعني ان ثمة ولاية للأولى على الثانية، في حين نص الدستور بوضوح على أن المحكمة الاتحادية هي صاحبة الاختصاص الحصري في الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات المحافظات غير المنتظمة في إقليم (المادة 93/ رابعا)! والمفارقة هنا أن المشرع لم ينتبه التناقض الذي يقع فيه، ولنكون مرة اخرى أمام تنازع لا يتعلق بقوانين مختلفة، بل بتنازع في القانون نفسه! فضلا عن أن القانون نفسه، بنصه الأول، يتضمن تنازعا آخر عندما يقرر في المادة 31/ ثالثا أن من اختصاصات المحافظ: «تنفيذ السياسة العامة الموضوعة من قبل الحكومة الاتحادية في حدود المحافظة»!
يتضمن قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الكثير من الانتهاك والتناقض والتنازع، وهذا يعكس فوضى التشريع في العراق، ويعكس ايضا غلبة التوجهات المركزية لدى صانع القرار على المستويين التشريعي والتنفيذي، وان دعاوى اللامركزية التي تعكسها الخطابات السياسية هي مجرد بروباغاندا لا أكثر
وبعيدا عن النصوص، فان الممارسة كشفت هيمنة مطلقة للحكومة المركزية فيما يتعلق بالسياسات العامة، لأنها صاحبة القرار النهائي فيما يتعلق بتحويل هذه السياسات إلى مشاريع وبرامج من خلال وزارة التخطيط، وفيما يتعلق بالتمويل من خلال وزارة المالية ايضا!
فيما يتعلق بالعلاقة بين مجلس النواب ومجالس المحافظات، يقدم لنا القانون أيضا تنازعا آخر بين المركزية واللامركزية عندما يعطي لمجلس النواب، من دون أي مسوغ دستوري أو منطقي، الولاية على مجالس المحافظات! فبعد أن تحدث النص الاول للقانون قبل التعديلات في المادة (20/ ثانيا/ ب) أن «لمجلس النواب حل المجلس بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناء على طلب المحافظ، او ثلث عدد أعضائه» في الحالات التي أشار اليها القانون. أضاف التعديل الأول ولاية أخرى لمجلس النواب عندما قرر في المادة (20/ ثانيا/ أ) أن «مجلس النواب أن يعترض على القرارات الصادرة من مجلس المحافظة إذا كانت مخالفة للدستور أو القوانين النافذة، وفي حالة عدم إزالة المخالفة فلمجلس النواب الغاء القرار بالأغلبية البسيطة»! في انتهاك صريح للدستور الذي أعطى للمحكمة الاتحادية العليا حصرا هذا الاختصاص! فليس من اختصاصات مجلس النواب إلغاء أية قرارات تشريعية أو تنفيذية يصدرها مجلس المحافظة أو المحافظ، فهذا الاختصاص يجب أن يكون للحكومة الاتحادية ومن خلال الطعن في هذه القرارات أمام المحكمة الاتحادية حصرا! وقد أضاف التعديل الثاني ولاية ثالثة لمجلس النواب على مجالس المحافظات عندما قررت المادة 2/ ثالثا من القانون أن «تخضع مجالس المحافظات لرقابة مجلس النواب»، وهي مادة تنتهك بشكل صريح أحكام المادة 61 من الدستور التي حددت اختصاصات مجلس النواب بالرقابة على أداء السلطة التنفيذية حصرا! ومجالس المحافظات بموجب القانون، المادة نفسها من القانون هي «سلطة تشريعية رقابية» منتخبة، وبالتالي لا رقابة لمجلس النواب عليها!
القانون نفسه يقرر في المادة (12/ أولا/ 1) أن يتم «نقل الدوائر الفرعية والاجهزة والخدمات والاختصاصات التي تمارسها وزارات «البلديات والأشغال العامة، والإعمار والإسكان، والعمل والشؤون الاجتماعية، والزراعة، والمالية، والشباب والرياضة مع اعتماداتها المخصصة لها في الموازنة العامة»، وأن يبقى دور الوزارات في التخطيط للسياسة العامة! وفي الوقت نفسه ألزم القانون وزيري التربية والصحة «بتفويض الصلاحيات اللازمة» للمحافظات! ولكن القانون يقرر في الوقت نفسه، في المادة 32 بأن تلتزم الوزارات والجهات غير المرتبط بوزارة بإشعار المحافظ بالمخاطبات التي تجريها مع دوائرها ومرافقها في نطاق المحافظة لاطلاعه عليها ومراقبة تنفيذها»! أي تحويل المحافظ إلى مجرد «مراقب» لتنفيذ الأوامر المركزية! كما تقرر المادة 4/ ثانيا أن من صلاحية «الوزير» رفض المرشح الذي يختاره المحافظ للمناصب العليا في المحافظة ويوافق عليه مجلس المحافظة (وهي مناصب المدراء العامين ومدراء الدوائر ورؤساء الاجهزة الأمنية في حدود مسؤولية المحافظة ممن يتقاضون رواتبهم من موازنة المحافظة)، فيما يجب الحصول على تصويت «مجلس الوزراء» على تعيين المرشحين لمنصب مدير عام أو من بدرجته! وهذا تعني منح السلطة الحقيقية، فيما يتعلق بتعيين المناصب العليا في المحافظة، للحكومة المركزية!
يتضمن قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم الكثير من الانتهاك والتناقض والتنازع، وهذا يعكس فوضى التشريع في العراق، ويعكس ايضا غلبة التوجهات المركزية لدى صانع القرار على المستويين التشريعي والتنفيذي، وان دعاوى اللامركزية التي تعكسها الخطابات السياسية هي مجرد بروباغاندا لا أكثر!
كاتب عراقي
من وجهة نظري من حق د يحيى الكبيسي أن ينشر مقالة في جريدة القدس العربي تحت عنوان (العراق: اللامركزية برؤية مركزية!) ولكن من الواضح بعد قراءة ما ورد أسفل العنوان،
لم يكن وفق سياق الترتيب الجديد للعالم الذي تم فرضه عام 1991 في مؤتمر مدريد بواسطة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدولي الذي فرض أربعة شروط،
وأضاف لهما معهد الحوكمة الكندي شرط خامس في المؤتمر الدولي في بغداد يومي 24 و 25/1/2018 في فندق بابل.
والشروط الخمسة هي:
1- الشفافية.
2- اللامركزية.
3- الحاضنة التقنية للإنسان المبادر.
4- الحوكمة الرشيدة.
5- حق تعليم أي لغة من لغات الأقليات، مساوي لحق تعليم اللغة الأم في الدولة.
لأن العولمة (مشروع مارشال 1945 ورقم سويفت الموحد لنقل الأموال) والإقتصاد الإلكتروني (ربط أسواق الأسهم والمال آلياً حول العالم عام 1992) منتجات أمريكية صرفة،
هذه أثارت على أرض الواقع إشكالية من له حق الوظيفة في حوكمة الحكومة الإلكترونية، هل الأفضل استخدام عقلية الإنسان أم استخدام عقلية الآلة (الروبوت) سيكون أكثر عائدات من الآخر؟!
وحتى لا يأخذ الروبوت، مكان الإنسان في أي وظيفة،
لو أردنا للإنسان والأسرة والشركة المنتجة وبالتالي الدولة طرد شبح الإفلاس الإقتصادي عنها.
ببساطة، لأن آلة الروبوت، من الجيل الرابع من الثورة الصناعية (مهما كان ذكياً/غبياً) بغض النظر مكان تصنيعه، لا يدفع ضريبة أو رسم أو جمارك، مثل الإنسان والأسرة والشركة المنتجة في أي دولة.
ولذلك نحن نطرح (طريقة صالح) لتعليم كل اللغات الإنسانية ومن ضمنها لغة الآلة بطريقة موحدة، من خلال مفهوم الوقف والتجارة الحلال، لتكون هي الأكثر عائد اقتصادي في المردود الزمني والمالي مقارنة بالفلسفة الأمريكية والحكمة الصينية،
أساسها خمسة أركان (1- الحاجة أم الاختراع( عقلية رجل الأعمال بدل المقاول)، 2- لوحة المفاتيح (الشفافية واللامركزية والتقنية)، 3- الحرف (الحاضنة، للصوت والموسيقى)، 4- الكلمة (القاموس وهيكل اللغة، والحوكمة الرشيدة)، 5- الجملة (الحوار والتبادل والتكامل ما بين منتجات ثقافة الأنا وثقافة الآخر للوصول لثقافة النحن كأسرة إنسانية في أي مجتمع/دولة)).??
??????