بغداد ـ «القدس العربي»: مرّرت الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية لـ «ثلاثة أعوام» تبدأ من السنة الحالية 2023، بمبلغ إجمالي يفوق الـ 135.5 مليار دولار، وقررت إرسالها إلى البرلمان لتخوض هناك سلسلة مناقشات من المقرر أن تنتهي بتشريعها ودخولها حيّز التنفيذ.
مشروع القانون الذي يعدّ العصب الرئيس لتمويل الحكومة وتمكينها من أداء مهامها وتنفيذ التزاماتها المُضمّنة في منهاجها الوزاري، يركّز على دعم المشاريع الخدمية والصحية، فضلاً عن رفد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمبالغ مالية إضافية، تمكّنها من خلق فرص عمل، عبر قروض، للعاطلين والشباب، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة وشمول أكبر قدر من شريحة «الفقراء» بمبالغ الإعانة الاجتماعية.
وتبلغ القيمة الإجمالية لمشروع قانون الموازنة لعام 2023، أكثر من (197) تريليون دينار (نحو 135.5) مليار دولار، وبعجّز مالي قُدّر بـ(63) تريليون دينار (أكثر من 40 مليار دولار).
قسمان
وتنقسم موازنة 2023 إلى قسمين رئيسين، الأول تشغيلي، يغطّي الإنفاق الحكومي ـ بقيمة تتجاوز الـ150 تريليون دينار (أكثر من 103) مليارات دولار، فيما القسم الثاني (استثماري) بقيمة بلغت أكثر من (47) تريليون دينار، (أكثر من 32) مليار دولار.
أما إجمالي الإيرادات فتقدّر بأكثر من (134) تريليون دينار (أكثر من 92 مليار دولار) تبلغ النفطية منها (117) تريليون دينار (80.5) مليار دولار، بالاعتماد على سعر النفط بـ70 دولاراً.
وخصّت الحكومة في موازنة 2023، أكثر من (12) تريليون دينار (أكثر من 8.2 مليار دولار) لتسديد جزء من الديون العراقية، فيما خصصت نحو (1.5) مليار دولار كقروض للمشاريع الصغيرة في وزارة العمل، وزيادة رأس مال المصرف الصناعي لدعم القطاع الخاص، ورفع التخصيصات المالية للأدوية، بالإضافة لمشروع قانون صندوق العراق للتنمية.
واستعرض السوداني، في مؤتمر صحافي عقده عقب جلسة مجلس الوزراء مساء أول أمس، أبرز تفاصيل «الموازنة الثلاثية» التي تعدّ سابقة في عمل الحكومات منذ 2003، قائلاً: «أولويات البرنامج الحكومي ستكون حاضرة في موازنة 2023» لافتا إلى أن «الموازنة لثلاث سنوات تدعم الاستقرار المالي، ونحن أمام ثبات ذلك».
وأشار إلى أنه «تم تأمين الاستحقاقات لجميع العقود والمحاضرين والشهادات العليا في الموازنة» مضيفاً: «وضعنا في الموازنة إجراءات عملية بينها زيادة مساحة الشمول في شبكة الحماية ومع إقرار الموازنة سيتم صرف الإعانة الاجتماعية».
وطبقاً للسوداني فإنه «لأول مرة يتم إنشاء صندوق للمحافظات الأكثر فقراً، وهذا الصندوق سيعالج حالة الفقر في هذه المحافظات» مبينا أنه «في هذه الموازنة حافظنا على دعم المحافظات المحررة وخصصنا مبلغ 500 مليار دينار لتأمين مشاريع الخدمات ودعم العوائل النازحة».
وكشف رئيس الحكومة الاتحادية عن أسباب تأخير إقرار الموازنة، معتبراً أن أحد هذه الأسباب يتعلق بـ «التفاهم مع إقليم كردستان، حيث تم التوصل إلى اتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل» مبينا أنه «لأول مرة يتم إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرفي تودع فيه ويخضع للإدارة الاتحادية».
نقاط واضحة
وأوضح أن «التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت بنقاط واضحة وتؤكد مضي الطرفين نحو إقرار قانون النفط والغاز» مؤكدا أنه « في حال وجود أي خلافات بين بغداد وأربيل هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي».
وكشف أن «حصة إقليم كردستان في الموازنة تبلغ 12.6» موضحاً في الوقت عينه بأن «ارتفاع الموازنة جاء بسبب تثبيت المحاضرين والعقود في كل الوزارات فضلاً عن المديونية» مبينا أن «هذا العام سيتم تسديد أكثر من 12 تريليون دينار من المديونية، وهذه المديونية داخلية وخارجية وواجبة الدفع».
وأضاف أن «البترو دولار سيكون ترليوني دينار يوزع بين المحافظات» موضحا أن «تنمية الأقاليم في الموازنة ستكون ترليوني دينار ونصف تريليون، وفي هذه الموازنة أعطينا الحق للمحافظات تدوير المبالغ المخصصة» مشيرا إلى أنه «تم تضمين مشروع قانون صندوق العراق للتنمية وتخصيص تريليون له، وهذا مشروع قانون صندوق العراق للتنمية يوجه إلى القطاع الخاص» لافتا إلى أنه «في مشروع صندوق العراق للتنمية سيتم إطلاق تنفيذ 8 آلاف مدرسة دفعة واحدة».
وتابع أن «البرنامج الحكومي تبنى تغطية برامج خاصة بمقدار تريليون و865 مليار دينار للخدمات الطبية» مؤكدا أنه «تمت تغطية نفقات المفسوخة عقودهم وسوف تكون هذه التخصيصات في قانون الموازنة». كما أردف أنه «تم تخفيض مبالغ استيراد الكهرباء» مؤكدا «تأمين مستحقات الفلاحين للموسم الزراعي الحالي».
وأشار إلى أن «الوفرة المالية من أسعار النفط سيتم من خلالها تسديد استحقاقات المحافظات وتغطية العجز» مبينا أن «الحكومة لا تستطيع تغطية جميع متطلبات البلد من دون القطاع الخاص وهذا القطاع سيحظى بدعم حقيقي».
ورأى فادي الشمري، مستشار السوداني، أن مشروع قانون «الموازنة الثلاثية» سيمكّن الحكومة من تطبيق منهاجها الوزاري، فضلاً عن معالجته جمّلة من المشكلات المزمنة.
وأفاد في بيان صحافي معلقاً على بنود الموازنة، بأنه «لأول مرة تأتي الموازنة منسجمة مع بنود البرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري للحكومة» موضّحاً أن «الموازنة عالجت مشاكل مزمنة (شبكة الرعاية الاجتماعية، منح الطلبة الخاصة بالعوائل الفقيرة)».
وعدّ «الموازنة الثلاثية» «خطوة جريئة لتطبيق رؤية الحكومة في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية والتنموية» معتبراً أن «إنشاء صندوق العراق للتنمية الذي سيعالج أزمات متراكمة مثل المشاريع السكن والمدارس، وإنشاء صندوق لدعم المحافظات الأكثر فقرا عبر تنفيذ مشاريع تنموية فيها».
تفاهم مع كردستان
وأكد أن الموازنة شهدت «تفاهما كبيرا مع إقليم كردستان، وانطوت على حل الكثير من المشاكل» لافتاً في الوقت عينه إلى «خفض معدلات مبالغ استيراد الطاقة بمقدار الثلث، نتيجة دخول محطات جديدة للخدمة، ودعم الفلاحين والمزارعين، وزيادة رؤوس الأموال لمصرفي الصناعي والإسكان، وتطوير القطاع الصحي والصناعة الدوائية، وكذلك إعادة تأهيل 10 مستشفيات تم بناؤها قبل عام 2003».
ويبدو أن السمّة الأبرز في موازنة العام الحالي، تتمثل بوجود اتفاق سياسي بين حكومتي المركز والإقليم، التي لم تُبد أيّ اعتراضات على النسبة المخصصة لكردستان العراق، كما هو الحال في عموم الموازنات السابقة، التي شهدت ولادات عسيرة في البرلمان بسبب هذه الفقرة.
ووصل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، على رأس وفد حكومي، إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، في زيارة من المقرر لها أن تشهد اللقاء بالمسؤولين الأكراد لبحث القضايا العالقة بين المركز والإقليم.
يأتي ذلك عقب قرار اتحادي يقضي بإرسال مبلغ (400) مليار دينار (أكثر من 275 مليون دولار) لحكومة كردستان، لغرض تسديد مرتّبات الموظفين الأكراد.
وأعلنت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كردستان، الإثنين، تسلمها المبلغ، مشيرة في بيان صحافي الى أنه يأتي «في إطار الاتفاق بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية».
مختصّون ونواب يتحدثون عن عجز بأكثر من 40 مليار دولار
سجّل مختصون عراقيون في مجال الاقتصاد، ونواب في البرلمان الاتحادي، جمّلة اعتراضات على مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2023، ركّزت على «إهمال» الحكومة المستحقات المالية للمحافظات الجنوبية المنتجة للنفط، فضلاً عن ارتفاع قيمة العجر المالي، وسط دعوات لإضافة بنود أخرى لمشروع القانون تتعلق بدعم المتقاعدين.
الخبير الاقتصادي والأكاديمي البصري، نبيل المرسومي، أشّار لوجود «تناقض» بين البرنامج الحكومي والموازنة فيما يخص تخصيصات «البترو دولار»- تخصيص (1-5 دولارات) عن كل برميل نفط منتج أو مُكرّر للمحافظات النفطية.
وقال في «تدوينة» له، إن «الفقرة 3 من المحور التنفيذي لبرنامج حكومة السوداني واضحة وصريحة، فهي تنص على إعادة مستحقات المحافظات المنتجة للنفط الى 5٪ من إنتاج النفط الخام والمكرر» الأمر الذي يعني «تخصيص نحو 7 تريليونات دينار لها في موازنة 2023، غير أن تلك الموازنة قد خصصت فقط تريليوني دينار لها».
ودعا نواب تلك المحافظات إلى «المطالبة بإضافة نحو 5 تريليونات دينار أخرى إلى تخصيصات البترو دولار، انسجاما مع البرنامج الحكومي ومع قانون المحافظات غير المنتظمة في الإقليم رقم 21 لعام 2013».
ويتوافق حديث المرسومي مع دعوة رئيسة لجنة النقل والاتصالات البرلمانية، النائبة عن محافظة البصرة، زهرة البجاري، الحكومة العراقية إلى إنصاف المحافظات الجنوبية في الموازنة المالية الاتحادية للعام الحالي 2023، ومنحها مستحقاتها من «البترو دولار».
وقالت في بيان صحافي إن «إكمال الموازنة يعد من أهم الخطوات لاستمرار نجاح الحكومة، والتي وضعت برنامجا حكوميا طموحا لخدمة المواطنين» مبينة أن «هذا النجاح سيكون بالتأكيد مؤشرا إيجابيا لنجاح الإطار في الانتخابات المقبلة لاستمرار الخدمة لشعبنا العراقي الكريم».
وأضافت «رغم الملاحظات على خلو الموازنة من بعض النقاط الجوهرية في استحقاق المحافظات الجنوبية إلا أنها ستكون خطوة مهمة للخدمة والنجاح».
وأوضحت أن «الموازنة أهملت استحقاق البصرة من (البترو دولار) حيث نص البرنامج الحكومي للسوداني على إعادة مستحقات المحافظات المنتجة للنفط بنسبة 5٪ من انتاج النفط الخام والمكرر، وهو ما يعني تخصيص نحو 7 تريليونات دينار (نحو 4.5 مليار دولار) لها في موازنة 2023، غير أن الموازنة قد خصصت فقط تريليوني دينار لها فقط».
كذلك، رأى رئيس مركز «كلوذا للدراسات» باسل حسين، أن مشروع الموازنة «يخالف قانون الإدارة المالية».
وتحدث في سلسلة «تدوينات» على «تويتر» عن «مخالفة انتهجها مجلس الوزراء في إرسال الموازنة». وأكد مخالفة نص المادة (6/ رابعا) من قانون الإدارة المالية، من خلال العجز المتضمن 60 تريليون دينار (أكثر من 41 مليار دولار) في حين أن المسموح به وفقا للقانون هو 8.2 تريليون دينار عراقي. وبين أن عجز الموازنة الذي يقدّر بنحو 30٪ من قيمتها الإجمالية «يخالف قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 الذي لا يسمح في مادته (6/ رابعا) بأن يتعدى العجز 3٪ من الناتج المحلي» مختتماً بالقول: «دولة لا تعمل بالقانون».
في السياق أيضاً، دعت النائبة عن ائتلاف «دولة القانون» عالية نصيف، الحكومة إلى إضافة بند في الموازنة يتضمن زيادة رواتب المتقاعدين.
وفي مقابل تلك الاعتراضات، أكد فادي الشمري، مستشار رئيس الوزراء، أن محافظات الوسط والجنوب ستشهد «ثورة إعمار» ومشاريع سكن، فيما أشار إلى تأسيس صندوق لإنصاف المحافظات الأكثر فقراً.
وقال في بيان أمس إن «محافظات الوسط والجنوب ستشهد ثورة إعمار، ومشاريع السكن من أولويات الحكومة الحالية».
وفيما أوضح أن «توجه الحكومة هو لبناء مدن متكاملة جديدة، وهذه ستوفر مجال عمل لأكثر من 38 مهنة في البلاد والآلاف من فرص العمل» أشار إلى أن «تأسيس صندوق لإنصاف المحافظات الأكثر فقراً سيحدث طفرات تدريجية في المستوى المعيشي» حسب قوله.