فتحت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاعدة عين الأسد غرب العراق، الى جانب موضوع السيادة الإشكالي الذي كان مدار جدل عراقي طويل بعد الزيارة، موضوعا آخر مهما هو الإطار القانوني الذي يحكم عمل القوات الأمريكية في هذا البلد، وقد صمتت الولايات المتحدة وصمت العراق ايضا تجاه هذه المسألة! خاصة وان الصور التي تم نشرها عن الزيارة أوضحت أننا أمام قوات عسكرية أمريكية، بقيادة أمريكية بالضرورة (لا يسمح القانون الأمريكي بخضوع أية قوات عسكرية لقيادة غير أمريكية!) وفي منشأة ليس فيها أي ملمح يشير إلى عراقيتها ولو شكليا!
وقع العراق والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقيتين في العام 2008؛ الأولى هي اتفاقية وضع القوات، التي تعرف اختصارا باتفاقية SOFA. وهي الاتفاقية التي تحدد الاحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظم الوجود المؤقت للقوات الأمريكية في العراق من تاريخ دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني/ يناير 2009 ولمدة ثلاث سنوات (المادة ثلاثون)، أي انها انتهت رسميا مع الانسحاب الكامل لهذه القوات من جميع الأراضي والمياه والاجواء العراقية، الامر الذي حددته الاتفاقية بتاريخ لا يتعدى 31 كانون الاول/ ديسمبر 2011 (المادة 24). والثانية هي اتفاقية الإطار الاستراتيجي والتي تعرف اختصارا SFA وتتحدث عن التعاون في مجالات متعددة، من بينها التعاون الدفاعي والامني، والتي جاء بأربعة أسطر فقط، ومن دون تحديد آليات هذا التعاون. فالمادة نصت على أن يكون هذا التعاون « وفقا للاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه». وهذا يعني عمليا انه مع انتهاء الاتفاقية الأولى بعد ثلاث سنوات، كما نصت على ذلك، لم يعد هناك أي إطار قانوني لهذا التعاون! أما في حالة الجدل بان اتفاقية SOFA هي التي تنضم هذا التعاون فإن أسئلة محرجة جدا تواجه الحكومة العراقية!
يشرح جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في العراق (2010 ـ 2012)، والمبعوث الخاص الذي عينه الرئيس الأمريكي ترامب بعد استقالة برت ماكغورك، في مقال نشره في العام 2014 في الوول ستريت جورنال بعنوان «ما وراء الانسحاب الأمريكي من العراق» ان الرئيس باراك اوباما، وبموافقة من مستشاريه، كان قد قرر في كانون الثاني/ يناير 2011 ابقاء القوات الأمريكية في العراق، وكان يفترض وقتها ان تنسحب بالكامل نهاية ذلك العام بموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين في العام 2008. وانه في حزيران/ يونيو 2011 اتخذ اوباما قرارا بشأن حجم القوات التي يجب بقاؤها، وهي 5000 جندي، وأنه كان قد حصل على موافقة رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي على إجراء محادثات جديدة حول ذلك. ولكن مشكلتي الحصانة القانونية لهذه القوات، وصعوبة تمرير الاتفاق الجديد في البرلمان العراقي، أجهضت هذه المحاولة. ويوصف جيمس جيفري في مقالته تلك الوضع القانوني لإعادة انتشار ما يسميه «العدد الصغير من القوات الأمريكية غير المقاتلة» في العراق في العام 2014، أي بعد سيطرة تنظيم الدولة/ داعش على ثلث مساحة العراق، بأن ذلك يشكّل استثناءً خاصاً بحالات الطوارئ لسياسة «اتفاقية وضع القوات» المعتادة!
عراقيا ليس هناك أي توضيح رسمي للإطار القانوني الذي يحكم القوات الأمريكية في العراق، وهو موضوع مسكوت عنه تماما!
الغالبية العظمى من القوة السياسية، وبعيدا عن الخطاب الشعبوي، مستعدة لتكرار خطأ عام 2011 الاستراتيجي حين انسحبت القوات الأمريكية من دون توفر الشروط الموضوعية للاستقرار السياسي والامني، هذا هو السؤال؟
تصف المادة 1 من اتفاقية SOFA مصطلح Agreed facilities and areas بانها «المنشآت والمساحات العراقية التي تمتلكها حكومة العراق، والتي تستخدمها قوات الولايات المتحدة أثناء فترة سريان مفعول هذا الاتفاق». وهذا ينطبق على قاعدة عين الأسد ما بين عامي 2009 و2011 حصرا، فكيف يمكن توصيف قاعدة عين الأسد في الوقت الحالي؟ فهي منشآت عراقية، تمتلكها الحكومة العراقية، ولا تستخدمها القوات الأمريكية لان القوات الموجودة ليست قوات قتالية بل مستشارين ومدربين (طبعا وفق الرواية الرسمية)!
المثال الأكثر حرجا هو مسألة الولاية القانونية! فاتفاقية SOFA أعطت الولاية شبه المطلقة للولايات المتحدة وليس للعراق! ومن المعروف أن مسألة الولاية القانونية كانت العامل الحاسم في اجهاض مفاوضات الإبقاء على قوات أمريكية في العراق بعد العام 2011! صحيح أن المادة الثانية عشرة/ 1 من الاتفاقية تنص على أن للعراق الحق الاولي لممارسة «الولاية القضائية على أفراد قوات الولايات المتحدة وأفراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة المتعمدة… حين ترتكب تلك الجرائم خارج إطار المنشآت والمساحات المتفق عليها، وخارج إطار الواجب»! وهذه المادة لا قيمة عملية لها في الحقيقة، لأن هذه العناصر، وبسبب التهديدات الجدية لا يمكن أن تكون خارج هذه المنشآت إلا في إطار واجبات محددة! كما المواد الأخرى تجعل هذه الولاية مجرد خرافة! فالمادة نفسها تسلب عن الجهات العراقية حق احتجاز المتهمين (الفقرة 5)! كما ان الفقرة 6 تجعل ممارسة العراق لهذا الحق «فقط بعد إقرارها وإخطارها الولايات المتحدة تحريريا خلال 21 يوما من اكتشاف الجريمة التي يدعى وقوعها، بان لممارستها تلك الولاية القضائية أهمية خاصة»! في حين تعطي الفقرة 3 من هذه المادة للولايات المتحدة الولاية القضائية المطلقة داخل المنشآت والمساحات المتفق عليها، وأثناء حالة الواجب خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها، وفي الظروف غير المشمولة بنص الفقرة 1.
وكما هو واضح من المثالين المتقدمين، فان من الصعب الزعم بأن اتفاقية SOFA صالحة لتوصيف طبيعة الوجود الأمريكي في العراق اليوم، الذي وصل إلى حدود 5500 عسكري أمريكي تبعا لما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال في 10 كانون الثاني/ يناير 2019. ليس من اجل التدريب والمشورة ومساعدة القوات العراقية فقط، بل تنقل الصحيفة عمن أسمتهم المخططون العسكريون الأمريكيون أن العراق يمكن ان يكون واحدا من مناطق عديدة حيث يمكن لوحدات المهمات الخاصة الأمريكية ان تتمركز فيها ليعاد نشرها في سوريا لمهمات قصيرة الأمد. خاصة وأن هذا الوجود شهد تحولا استراتيجيا كبيرا بعد إعلان بدء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وإعلان الرئيس الأمريكي أن الانسحاب من العراق ليس مطروحا في الوقت الحالي.
كل ما تقدم يوجب على العراق والولايات المتحدة الأمريكية البحث عن إطار قانوني مختلف تماما عن الاتفاقيات السابقة، فقاعدة عين الاسد بين عامي 2009 ـ 2011 كانت قاعدة أمريكية مغلقة، واليوم يفترض انها قاعدة عراقية فيها قوات أمريكية! بالتالي فان ما يحدد طبيعة العلاقة وسياقات العمل بين الطرفين ليس سوى تفاهمات ضمنية غير معلنة، وربما أمر واقع مفروض على الطرفين، وليس إطارا قانونيا محددا وواضحا وملزما لكليهما.
وفي إطار التراشق الإعلامي بين المالكي والعبادي، تحدث الثاني عن أن استدعاء القوات الأمريكية إلى العراق كان قد تم في ولاية المالكي، وأن هذه القوات كانت موجودة قبل استلامه مهامه بأكثر من شهرين! ورد الأول بان ذلك مجرد «مغالطات وادعاءات»! وتحدث البيان عما أسماه مسؤولية حكومة العبادي عن استقدام هذه القوات «ومنحها قواعد ثابتة على الأراضي العراقية وصلاحية التحرك على الأرض وسماء العراق من دون الرجوع إلى السلطات العراقية»! فكيف يمكن التوفيق بين محاولة شعبوية صريحة للتهرب من المسؤولية، وبين ضمان اتفاقيات قانونية واضحة وصريحة تضبط عمل القوات الأمريكية في العراق، خاصة وان الغالبية العظمى من القوة السياسية، وبعيدا عن الخطاب الشعبوي، مستعدة لتكرار خطأ عام 2011 الاستراتيجي حين انسحبت القوات الأمريكية من دون توفر الشروط الموضوعية للاستقرار السياسي والامني، هذا هو السؤال؟
كاتب من العراق
يكفي وجود أكبر سفارة أمريكية بالعالم في بغداد !! ولا حول ولا قوة الا بالله
من يحمي من ؟
من المستفيد أكثثر من إسرائيل ؟
الذي دخلوا العراق على ظهر دبابة ؟
أم القوات الأمريكية؟
أم إيران ليبقى العراق تكبله الوصاية ؟
ولكن الجشع الذي هو أصل الداء حيث أن جميع الذين تداعوا على العراق حال لسانهم يقول هل من مزيد من النفط الذهب الأسود بكميات خيالية تحت قاع دجلة والفرات.
انسحاب القوات الامريكية في 2011 لم يكن الا مناورة امريكية في سياق ترتيبات ربيع اوباما العربي حيث كانت تهدف امريكا اسقاط النظام في سوريا و استغلال الفوضى الناتجة عن ذلك بتغيير الوضع في وسط العراق عبر المجموعات المسلحة القادمة من سوريا، ثم الهجوم على مناطق سيطرة ايران في الجنوب و ان سارت الامور على ما يرام نقل الفوضى الى داخل ايران.
و بعد ان تبين استحالة تحقيق ذلك منذ التدخل المباشر لحلفاء النظام في سوريا انتقلت امريكا لخطة بديلة تهدف فصل شرق سوريا عن غرب العراق عبر انشاء داعش و الحاقهما لاحقا بمناطق سيطرة امريكا في الشمال عبر منحها ظاهريا للاكراد. ولكن التخبط الامريكي الامريكي و التهور التركي بالهجوم على شمال سوريا و الذي ادى لتدخل روسيا عبر جيشها في الصراع و تصميم ايران و روسيا على سحق داعش ادوا لنسف مخططات امريكا. و بعد تحييد ورقة الاكراد في ظل الاختلاف الامريكي التركي لم يعد هناك خيار امام امريكا سوى سحب قواتها من سوريا و تعزيز وجودها العسكري في العراق للحفاظ على سيطرتها على شمال العراق. و في المقابل تحاول روسيا و ايران اللعب على الخلاف الامريكي التركي عبر اغراء تركيا بمنحها نصيبا من الغنيمة العراقية لتاجيج هذا الخلاف و اضعاف موقف امريكا في شمال و وسط العراق.