العراق : انقلاب الامس ونتائج اليوم

حجم الخط
1

يترقب العراقيون انتخابات 2014 القادمة، والكل يستذكر اليوم النتائج السابقة لانتخابات 2010 التي فازت فيها القائمة العراقية بقيادة زعيمها اياد علاوي، ولكن متطلبات الديمقراطية التي سعى اليها الامريكيون لم تتحقق، حيث تمسك المالكي بكرسي الحكم ولم تعط الفرصة للديمقراطية ان تتحقق، مما دفع الناس لليأس من المشاركة في الانتخابات القادمة.
عانى العراق من حكام مستبدين ايديولوجيين متعصبين دوما لفكرة ما، وكان لديهم خطاب تعبر مضامينه عن مدى التعصب الفكري الذي يعانيه هؤلاء الحكام ابتداء من شيوعية رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في 1958 مرورا ببعثية صدام حسين وصولا الى الفكر الطائفي للمالكي. ان التعصب هو السمة الغالبة والمتشابهة لكل الزعماء الذين حكموا العراق، رغم اختلاف اشكالهم وايديولوجياتهم ابتداء كما قلنا، من اول نظام جمهوري حكم العراق بعد اسقاطة الملكية، حيث اسقط عبد الكريم قاسم النظام الملكي، وانهى الحكم الملكي بقتل العائلة المالكة التي كانت عائلة بسيطة ومتسامحة، والاهم كانت مرنة الثقافة وغير متعصبة لايديولوجيا محددة، واستمر مسلسل القتل والانقلابات، ووصل البعثيون للحكم واعدموا قاسم وتوالت حملات القتل لحين وصول صدام حسين الذي ابدع في الدموية لحين دخول الامريكيين الذين شكلوا هيكلا تنظيميا لدولة ديمقراطية من دستور وبرلمان.
وكانت تجربة انتخابات 2010 اهم تجربة او اختبار لاستمرارية العراق ودوره المستقبلي، الا ان هذه التجربة اجهضت في رحمها بتمسك المالكي بالسلطة ورفضه ان تقوم القائمة العراقية، التي فازت في الانتخابات، بتشكيل الحكومة التي كان يقودها اياد علاوي، ورغم ذلك وافق اياد علاوي على ان يبقى المالكي في سلطته مقابل تسليم علاوي منصب رئيس مجلس السياسات، وفقا لمبادرة الزعيم الكردي مسعود برزاني، الا ان ايا من الوعود لم تتحقق، لان القضية لم تكن منهجا ديمقراطيا بقدر ما كانت انقلابا لاستلاب الحكم وانهاء الآخر. وفي حديثي مع المفكر العربي سيد ياسين في القاهرة عن رأيه عن امكانية حصول انقلاب في العراق؟ اجابني متهكما: ‘ان ما حصل في العراق انقلاب، فالمالكي انقلب على علاوي’، وفعلا اضاف لي احد الحاضرين ان انقلاب المالكي على علاوي اكثر وضوحا من انقلاب السيسي على مرسي.
ان معظم استطلاعات الرأي النوعية التي تجريها بعض معاهد البحوث ومنظمات المجتمع المدني تشير الى غضب جماهيري على علاوي، والسؤال يقول لماذا تنازل عن حقوقنا؟ والحقيقة انهم لا يعون عمق المشكلة السياسية في العراق، فان ما حصل في العراق في 2010 هو انقلاب حقيقي يجب ان يؤرخ ويضاف الى تاريخ الانقلابات التي حصلت في العراق.
لقد ذكر احد المحللين السياسيين ان الامريكيين تخوفوا بعد نتائج 2010 من امكانية اشعال ايران الجنوب العراقي، من خلال تحريكها المليشيات ان حصل علاوي على منصب رئاسة الوزراء، ولكن ما يحصل اليوم من انهيار أمني في بغداد والمحافظات والقتل اليومي وسقوط المئات يوميا ماذا يعني؟ ألا يعني ان الانقلاب هو ما سبب اكثر واسوأ مما توقعه الامريكيون اذا ما استلم علاوي السلطة؟ وان نفوذ ايران تعاظم بسبب هذا الانقلاب على الديمقراطية، ولو ان الامور سارت على النهج الديمقراطي الصحيح لتغيرت المعادلة ولاجهضت اي محاولة تدخل ايراني او تركي في العراق، خاصة اذا كانت روح التسامح والمصالحة وتطبيق الديمقراطية هي المنهج. ولنتذكر نيلسون مانديلا الانسان والزعيم الذي لم يهدد ببحور من الدماء ولا باجتثاث الاخرين ولا بحروب كونية، انما نادى بالمصالحة التي كانت ثورة انسانية بكل معانيها يجب للجميع ان يتعلم منها. لقد شكلت في العراق اكثر من 56 حكومة منذ التأسيس لغاية اليوم، تقريبا كانت خمسون حكومة يرأسها رئيس وزراء سني، وكانت مستقرة في ادارتها للبلاد وست حكومات كانت غير مستقرة، وكان يرأسها رئيس وزراء شيعي، ويبدو ان الجغرافيا السياسية للمنطقة تظهر العراق ذو الاغلبية الشيعية محاطا باغلبية جيران من العرب السنة عدا ايران، وانهم قد لا يقبلون زعيما شيعيا متعصبا وقريبا لايران، ولكننا لاول مرة نجد ان علاوي هو اول زعيم شيعي مقبول في الاقليم السني.
ان الارهاب الذي يعيشه العراق الان هو نتاج عدم تطبيق الديمقراطية، وهو في حقيقته عنف سياسي تستخدمة السلطة الحاكمة الفاشلة اداريا وسياسيا لتكريس سلطتها التي فشلت في الانتخابات، وهي تسعى لاظهار العنف السياسي بصورة الارهاب لتقنع الولايات المتحدة بان هناك عدوا مشتركا ولكي تقنعها بالدعم والمساندة.
لقد شكلت احداث 11 سبتمبر/ايلول صدمة عنيفة للعقل الامريكي، وقد اوصلته في بعض الاحيان لما يسمى بـ’فوبيا القاعدة’، التي بدأت تستغلها اجهزة دول لتصنع مجموعات ارهابية تلبسها لباس القاعدة لتنفذ مهام اجرامية، وتستغل قلق امريكا من هذا الارهاب المصنع. ويبدو ان قاعدة اليوم هي منتج استخباراتي لمؤسسات دول تدعم سياساتها ونفوذها لاجل ان تأمن عقاب الولايات المتحدة، لان ‘القاعدة’ هي العدو المشترك لامريكا حتى ان كان الشريك سيئا.
لقد اعترف قبل اسابيع وزير العدل العراقي في مقابلة تلفزيونية بان هروب سجناء القاعدة كان بدعم رؤس كبار في الحكومة العراقية، التي تدعي انها تقاتل القاعدة! يبدو ان القاعدة اصبحت ارجوزا يستخدم عند الحاجة لمد النفوذ، فهذا الفيروس الذي هز الاتحاد السوفييتي في افغانستان قد يتحول الى قوة مناعية اضافية للروس في الشرق الاوسط ويسهل مد نفوذهم عبر ايران وسوريا.
ان العشر سنوات القادمة يبدو انها مقبلة على خريطة جديدة للمنطقة، واحتمالات ستغير الواقع الجيوسياسي ان لم تتحرك الولايات المتحدة لتغيير هذا التدحرج الكبير، حيث ان المنطقة مقبلة على قوة نووية جديدة تسيطر على 14 مليون برميل نفط يوميا من العراق وايران، وجماهير مؤدلجة بدعاية دينية، كما ان التغير في مصر قد يغير سياستها الخارجية، وكذلك الاردن قد يتحول الى صورة سياسية جديدة مغايرة للواقع الحالي، وسوف تحتار الولايات المتحدة في تحديد مساراتها الشرق اوسطية وتجعلها حائرة في احتواء من ومعاداة من؟
ان العراق بحاجة الى زعيم ديمقراطي قادر على البناء والتسامح مع الاخر، يحتاج الى شخص مقبول عربيا ودوليا، شخصية لا يبرر العنف السياسي بالارهاب. هناك ضرورة لتصحيح المسار السياسي في العراق، وان الحل لن يكون في الانتخابات، لان هذه الانتخابات تحتاج الى بيئة سياسية مناسبة فلا يمكن لاي انسان ان يفكر بالانتخابات في ظل العنف الذي يعصف بالعراقيين ويعطي مئات القتلى شهريا، وسلطة مستبدة وتعصب مقيت، وتدخل خارجي ومليشيات مستعدة للقتل.
ان العالم مطالب بالمراجعة وانقاذ الوضع العراقي الذي سوف يحل كل عقد المنطقة، سواء في سوريا او في لبنان وحتى في الخليج، ان هناك ضرورة لانتاج مشروع عربي ـ امريكي لمواجهة المشروع الايراني، والمجتمع الدولي يحتاج لان يتحرك ويقرر مع الولايات المتحدة اتخاذ قرارات دولية توقف نزيف الدم وتعيد السلام والمنهج الديمقراطي.

‘ كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ف. اللامي (كندا):

    عبد الكريم، ومن بعده، بلا شرعيه. رحم الله، ملوك العراق، وأعاد بعزهم، للعراق عزه.

إشترك في قائمتنا البريدية