بغداد-“القدس العربي”: قوبل قرار الحكومة العراقية باستقبال 50 ألفا من النازحين السوريين الهاربين من آخر جيب لـ”داعش” في سوريا باستغراب الشارع العراقي وسط مخاوف جدية من تسرب عناصر “داعش” بينهم بالتزامن مع تصاعد الأعمال الإرهابية للتنظيم في العراق مؤخرا.
ويعد قرار استقبال المزيد من اللاجئين السوريين في هذه المرحلة، موقفا محيرا ومتناقضا مع إعلان الحكومة والقوات العراقية اتخاذها كافة الإجراءات لمنع تسلل عناصر “داعش” المحاصرين في المناطق الحدودية المشتركة بين العراق وسوريا، الذين يضيق عليهم الخناق من مختلف القوات.
كما يتناقض القرار مع الشكاوى المستمرة من حكومتي بغداد والإقليم والقوى السياسية، من ضغوط اقتصادية واجتماعية وأمنية، لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين على الأراضي العراقية، في الوقت الذي ما زال أكثر من مليون عراقي نازح في المخيمات ممن يتعذر عليهم العودة إلى مناطقهم المدمرة.
ومع تقديرنا لحجم مأساة اخواننا السوريين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين وحشية تنظيم “داعش” الإرهابي ونيران التحالف الدولي ضده، إلا أن المحاذير الأمنية وخاصة احتمالات تسلل الكثير من عناصر التنظيم بين المدنيين الهاربين، تبقى مؤكدة استنادا لما حصل عند تحرير الموصل مثلا. وكان في الامكان النظر في بدائل أخرى منها نقل النازحين إلى مناطق سورية أكثر أمنا.
وتشير المصادر الأمنية إلى أن عناصر “داعش” محاصرين في مساحة ضيقة، تمتد بشكل طولي مع مجرى نهر الفرات؛ من شرق منطقة هجين، وحتى الحدود السورية العراقية، كما تنتشر بعض عناصره شرقي نهر الفرات شمال البوكمال ويحتمون بالتجمعات السكانية هناك، وتحاصرهم قوات المعارضة السورية من الشمال، والجيش السوري من الجنوب.
وكان بيان لرئاسة الوزراء قد أفاد أن الأمين العام مهدي العلاق، بحث مع منسقة الشؤون الإنسانية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق مارتا رويدس، الخطوات المقبلة لبرنامج الأمم المتحدة المتعلقة بمشروع إعادة الاستقرار في العراق. وذكر البيان انه “تم بحث الاستعدادات والإجراءات الحكومية حيال استقبال نحو خمسين ألف لاجئ سوري بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق” إضافة إلى نحو 300 ألف لاجئ سوري استقبلهم العراق منذ عام 2012. وكانت الأمم المتحدة ذكرت العام الماضي، إن العراق يعتبر ثاني أكبر المتضررين من بين خمس دول من أزمة اللاجئين السوريين، وهي الأردن ولبنان ومصر وتركيا.
وحسب المصادر الأمنية، فإن السلطات العراقية في ظل التحديات والمشاغل المعقدة التي تواجهها، تجد صعوبة في السيطرة على تحركات اللاجئين وتحديد أماكن إقامتهم في المدن العراقية. وهو ما يعزز الجدل حول مدى صحة قرار استقبال المزيد من السوريين الهاربين من مناطق سيطرة تنظيم “داعش” في سوريا خاصة في ظل تصاعد الأعمال الإرهابية مؤخرا، ومنها تزايد حالات خطف وقتل المواطنين في المناطق النائية من قبل عناصر التنظيم ما دفع جهات عراقية وأمريكية للتحذير من تنامي نشاطه في بعض المناطق المحررة والحدودية مع سوريا.
وبينما حذر رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، من عودة الملف الأمني لمرحلة الانتكاس، داعيا إلى ضرورة ضبط الأمن وتأمين كل شبر من أرض العراق، فقد شدد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على ضرورة تضييق الخناق على عناصر التنظيم الإرهابي وملاحقتهم في أوكارهم في عمق الصحراء الغربية، مطالبا المدنيين بـ”عدم الدخول في عمق المناطق الصحراوية البعيدة عن سيطرة القوات الأمنية، وألَّا يصبحوا فريسة سهلة للإرهاب”.
وأكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، ان العصابات الإرهابية ما زالت تشكل التهديد الأكبر على السلم الأهلي وضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في أطراف المدن والمناطق الصحراوية من خلال اعتمادها على الحرب النفسية وبث الرعب والخوف وايهام أبناء تلك المناطق بامكانيتها على تنفيذ عملياتها في أي وقت تريد.
وفي اقرار بعدم السيطرة على كل المناطق النائية، دعت قيادة العمليات المشتركة، المدنيين إلى “عدم التجول في صحراء الأنبار التي لا يزال داعش نشطا فيها” وذلك رغم أن القوات الأمنيةَ والعسكرية تواصل شن عمليات لملاحقة عناصر التنظيم وتعقب خاطفي المدنيين وتأمين الحدود العراقية السورية.
ولم تنأ المصادر الأمريكية بنفسها عن التحذير من خطورة تنظيم “داعش” بل أكد القائم بأعمال السفير الأمريكي في بغداد جوي هود، ان “داعش لا يزال يمثل تهديدا كبيرا على العراق” منوها خلال مؤتمر مكافحة إعلام “داعش” وفكره إلى أن “انتهاء سيطرة داعش على الأرض لا يعني نهايته وأننا نحتاج إلى مضاعفة الجهود وعمليات يومية للقضاء عليه”. كما نقلت وسائل إعلام أمريكية تأكيد مسؤول عسكري أمريكي أن مئات المسلحين التابعين لتنظيم “داعش” فروا من سوريا إلى غرب العراق خلال الستة أشهر الماضية ومعهم أموال كثيرة.
وفي ظل تعقيدات الأوضاع في العراق والتحديات المختلفة التي يواجهها ومنها أزمة إعادة النازحين العراقيين إلى ديارهم وصعوبة ضبط الحدود مع سوريا، لم يعد مفهوما مغزى جلب الحكومة العراقية، المزيد من النازحين وخاصة من مناطق يسيطر عليها تنظيم “داعش” في سوريا، في خطوة تثير المخاوف من تكرار سيناريو ظهور التنظيم في الموصل عام 2014 جراء تقصير بعض القيادات السياسية والعسكرية والأمنية وعدم تقديرها وقتها خطورة الموقف وتبعاته.