بغداد ـ «القدس العربي»: صاعدت أزمة استكمال الحكومة العراقية الضغوط على رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، وفيما يتمسك تحالف «البناء» بمرشحيه، مقابل اعتراضٍ و«فيتو» لتحالف «الإصلاح والإعمار، برز حراك برلماني يسعى لسحب الثقة عن وزراء تم التصويت عليهم في الدفعة الأولى من الحكومة (14 وزيراً)، والطلب بتقديم «حكومة كاملة»، إلى مجلس النواب.
عبد المهدي تخلف عن حضور جلسة مجلس النواب التي عقدت أمس الخميس، إذ لم يشأ تكرار مشهد جلسة الثلاثاء الماضي، وما تخللها من «فوضى» داخل القاعة. واختار التريث في تقديم مرشحيه الـ8، لحين ضمان التوافق السياسي.
ورفع رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، جلسة البرلمان إلى يوم السبت المقبل.
وحسب وسائل إعلام محلية «الجلسة التي عقدت برئاسة الحلبوسي وحضور 174 نائبا، شهدت مناقشة القوانين غير المشرعة وإعادة عدد منها للحكومة للتعديل عليها، والتصويت على اضافة فقرة اختصاصات اللجان على جدول أعماله».
وأضاف، أن «البرلمان صوت على دمج لجنتي حقوق الإنسان والمرأة والطفولة ولجنة الشهداء والسجناء مستقلة».
كذلك، أعلن الحلبوسي تنازل البرلمان عن الحقوق التقاعدية الخاصة بالنواب والتصويت على الإبقاء على لجنة الخدمات النيابية.
النائب عن كتلة «النهج الوطني»، المنضوية في تحالف «الإصلاح والإعمار»، حسين القابلي، قال لـ«القدس العربي»: «في بداية تشكيل الحكومة تم الاتفاق على قاعدتين، هما الشراكة واختيار المرشحين المستقلين التكنوقراط، والتوازن بين تحالفي البناء والإصلاح والإعمار»، مشيراً إلى أن «تلك المعايير لم يُلتزم بها في تسمية مرشحي الحقائب الوزارية».
وأضاف أن كتلته «مع تصحيح مسار قائمة 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وسحب الثقة عن عدد من الوزراء، وأن يأتي عبد المهدي بحكومته كاملة»، عازياً السبب في ذلك إلى أن «بعض المرشحين في الدفعة الأولى كان ترشيحهم مخالف للقانون والدستور».
خلاف المنهج
أما كتلة «النصر» بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فترى أن الخلاف على الحكومة لا يتعلق بـ«الأفراد»، متهمة عبد المهدي بـ«خرق» الاتفاق على اختيار مرشحي كابينته.
النائب عن «النصر»، المنضوية في تحالف «الإصلاح والإعمار» عدنان الزرفي، أوضح لـ«القدس العربي»، أن «الخلاف على ما تبقى من حكومة عبد المهدي ليس على أفراد وأسماء محددة»، مؤكداً أن الخلاف يتعلق بـ«المنهج الذي اعتمده (عبد المهدي) في اختيار تشكيلته الوزارية».
وطبقاً للزرفي، الذي شغل منصب محافظ النجف السابق، فإن «هناك اتفاقاً مسبقاً مع رئيس الوزراء المكلف، أن يتم اختيار الوزراء وفقاً لصيغة محددة (التوازن)، وحصص الكتلتين الرئيسيتين (البناء، والإصلاح والإعمار)»، كاشفاً أن «ذلك الاتفاق قد خُرق»، من دون الإشارة إلى الجهة التي خرقته.
وسبق لتحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري، وتحالف «سائرون» المدعوم من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إضافة إلى تيار «الحكمة»، بزعامة عمار الحكيم، أن أعلنوا في وقت سابق «إطلاق» يد عبد المهدي في اختيار وزرائه، وعدم التدخل في قراره، لكن واقع الحال يختلف عن ذلك.
إذ بين النائب عن ائتلاف «دولة القانون»، المنضوي في تحالف «البناء»، منصور البعيجي، لـ«القدس العربي»، أن «الكتل السياسية تسعى لحصول مرشحها على الحقيبة الوزارية التي تريدها».
وأضاف: «لن تترك الكتل الحرية لعبد المهدي، مثلما تكلمت في وسائل الإعلام، في اختيار تشكيلته الوزارية».
ومع تفاقم أزمة استكمال التصويت على كابينة عبد المهدي، لوّح تحالف «سائرون» لرئيس الوزراء العراقي بـ«فك عرى التوافق» الذي أسهم في تسلم الأخير منصبه رئيساً لمجلس الوزراء.
عضو تحالف «سائرون» النائب بدر الزيادي، قال في بيان نشره مكتبه الإعلامي، إن «عبد المهدي أتى عن طريق التوافق، وعليه أن يجلس مع قادة الإصلاح لاستكمال التشكيلة الحكومية».
وأضاف: «عبد المهدي خرج عن التوافق وبدأ يصر على نفس المرشحين، ويتجه إلى البناء ويترك الإصلاح»، مشيرا إلى أن «إصراره وتحديه لتحالف الإصلاح، فهو بهذا واهم، ولن يمر أي وزير معترضين على اسمه، وعليه استبداله».
ويتعرض رئيس الوزراء العراقي إلى نقذٍ لاذع من قبل كتلة الصدر، متهميه بالتسبب بـ«أزمة» استكمال الكابينة الوزارية، وفقا لمصالح وأهواء «لا مسوغ لها»، وبعيدة عن المعايير التي جرى التوافق عليها.
ترضيات
كذلك، كتب القيادي في «سائرون» جاسم الحلفي، على صفحته الشخصية في «فيسبوك»، موضحاً أن «مجلس النواب الذي تتجه إليه أنظار العراقيين ليس مكانا للمجاملات، أو مضيفا عشائريا تُحل فيه الخصومات بتبويس (تقبيل) اللحى».
وزاد: «مجلس النواب ليس ديوانا للترضيات، ولا بيتا لمن يقرر فيه ما يحلو له. فقرارات وتشريعات مجلس النواب التي يتطلع إليها العراقيون، هدفها الأول إحلال قطيعة مع طريقة الحكم السابقة، التي أنتجت الفوضى واللاعدالة والفقر، بتوفيرها الأجواء لانتعاش الفساد وجعل البلاد مرتعا للتطرف والعنف والإرهاب».
وأضاف: «نحن في سائرون لم نتوافق على تسمية رئيس وزراء، متنازلين عن حقنا الدستوري ككتلة أكبر وفق قرار سابق للمحكمة الاتحادية، إلا لأن الهبة الجماهيرية الباسلة لشباب البصرة المتطلعين إلى الإنصاف، حاضرة في وجداننا».
وزاد: «حينما تمت تسمية رئيس الوزراء، لم يوقع له صك أبيض بإدارة البلاد كيفما يشاء. بل كان ذلك من أجل ألا يصبح موقع رئيس الوزراء، مادة لصراع لا معنى له في ظل معاناة الناس الأليمة، وتطلعهم إلى حياة كريمة. وبهذا المعنى، لا نجد من الانصاف أن يضعنا اليوم من تم اختياره لتجاوز أزمة اختيار رئيس الوزراء، أمام ازمة استكمال الكابينة الوزارية وفقا لمصالح وأهواء لا مسوغ لها، وبعيدة عن المعايير التي جرى التوافق عليها».
جلسة برلمانية بدون استكمال الحكومة… وكتلة العبادي تعتبر أن الاتفاق مع رئيس الوزراء خُرق
وأعرب عن استغرابه من «الإصرار على فرض شخص معين، وخلق أزمة لا يتحملها الوضع السياسي المأزوم أصلا. فلم يعد مفهوما التمسك بهذه الشخصية أو تلك لهذا المرفق أو ذاك، في وقت لا يشهد فيه العراق شحة في الكفاءات، ولا توجد صعوبة في العثور على الشخصية النزيهة المستقلة الكفؤة، التي تتبنى مبدأ ومنهج المواطنة. بل قد تكمن الصعوبة في وفرة الكفاءات، التي تترك المرء حائرا في أيها يختار!».
وتابع: «لم نجد مسوغا مقنعا لعدم سماع رأي كتلة الإصلاح والإعمار، القائل أن القرار لا بد أن يكون عراقيا، بعيدا عن أي نفوذ خارجي».
وأشار إلى أن «الإصلاح يكتسب مشروعيته من عدم المساومة على بعده الوطني، وعدم الخضوع للمصالح الإقليمية والدولية على حساب العراق، وعدم التراجع عن ضرب جدار المحاصصة حيثما أمكن، والتمسك برؤية التغيير والانتقال من نظام المكونات إلى نظام المواطنة، والعمل على أن تكون مصالح الناس وحقهم في العيش الآمن والكريم نصب العين في كل حين».
واعتبر أن «الإصلاح ممكن فقط، بالاستناد إلى كتلة برلمانية إصلاحية مدعومة شعبيا، وإلى وزارة ذات رؤية إصلاحية حقيقية، تتمتع شخصياتها بالكفاءة والإخلاص والنزاهة، بعيدا عن الاستقطابات الطائفية والمناطقية. ليس هذا وحسب، بل يجب أن يكون لرئيس الوزراء فريق عمل مهني كفوء، يسهر على توفير شروط البناء والتنمية والإعمار، وما يحقق العيش الآمن والكريم للمواطنين».
ويأتي حديث الحلفي بعد يوم واحد من عقد تحالف «الإصلاح والإعمار»، أولى اجتماعاته برئاسة زعيمه، عمار الحكيم، وحضور قادة الكتل المنضوية فيه.
ووفقاً لبيان أصدره التحالف، عقب انتهاء الاجتماع، فإن «الهيئة العامة لتحالفِ الإصلاح والإعمار عقدت اجتماعها الدوري برئاسةِ عمار الحكيم وحضورِ قياداتِ التحالف»، مشيراً إلى «مناقشة مستجداتِ الوضع السياسيّ وملفَ تشكيل الحكومة، فضلاً عن مناقشةِ النظام الداخليّ للتحالفِ وتشكيل اللجان والهيئات المتبقية».
وحسب البيان، فإن «المجتمعين شددوا على ضرورةِ استكمالِ الكابينة الحكومية وتقديمِ وزراء أكفاء والالتزامِ بالسياقاتِ الدستوريةِ والديمقراطية، وأكدوا أهمية تقديم الخدمات وتوفير فرص العمل».
الاجتماع، طبقاً للبيان «أفضى عن جملةٍ من المخرجاتِ، منها بلورة موقف موحد من تحالف الإصلاح والإعمار، لحوارٍ وطني مع تحالفِ البناء والكتل الكردستانية، والتحرك على الكتل السياسية والنواب لإقناعهم بضرورةِ العودة إلى السياقات الدستورية والقانونية في تمرير القضايا العالقة»، مشيراً إلى أن «المجتمعين اتفقوا على إعطاء الوقت المناسب لتقييم عمل الحكومة الحالية ومدى التزامها بالبرنامج الحكومي وتقديم الخدمات وتنفيذ البرامج التنموية المنتظرة».
وشدد المجتمعون على «تمثيل المكون التركماني والمكون الأيزيدي وباقي المكونات العراقية تمثيلاً عادلا في الحكومة بما يتناسب مع مكانة هذه المكونات ودورها المجتمعي».
ودعوا «الحكومة العراقية إلى الاستجابة لمطالب المتظاهرين في البصرة وإيلاء نينوى رعاية خاصة مع تنفيد القرارات الخاصة بهما».
واتفقوا على «أسقف زمنية لمراجعةِ النظام الداخلي وتشكيل اللجان العشرة والهيئة السياسية للتحالف».
وفي اليوم ذاته، عقدت الرئاسات الثلاث (الجمهورية، والوزراء، والبرلمان)، اجتماعاً في قصر السلام وسط العاصمة بغداد.
بيان رئاسي أكد أن «الاجتماع تدارس مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والتشريعية وبالأخص مسألة إكمال تشكيل الحكومة ضمن السياقات الدستورية والقانونية».
ونقل البيان عن رئيس الجمهورية برهم صالح، تأكيده على «وحدة الصف الوطني واكمال تشكيل الحكومة ضمن السياقات الدستورية، وضرورة تضافر الجهود وتعزيز العمل المشترك بين الجميع وتجاوز الاختناق السياسي والإبتعاد عن التصعيد الإعلامي بين الفرقاء السياسيين وحصره ضمن المؤسسات الدستورية، فضلا عن اعتماد الأطر الديمقراطية حفاظاً على وحدة الصف الوطني والمكتسبات الديمقراطية خدمة للعراق وشعبه».