العراق.. دعاية انتخابية مبكرة على وقع اتهامات بالخيانة والقتل

عاد المالكي من سفرته ما قبل الاخيرة من واشنطن، مُحمّلا بالرضى الامريكي على الدور الذي يلعبه في تدمير العراق وتعطيل نهوضه من جديد، فانقضّ على شريكه في العملية السياسية، نائب الرئيس، حتى بات الاخير شريدا طريدا يقاتل من خارج العراق، بعد ان كان ذا حظوة ومكانة، أسوة بغيره من جهابذة السياسة في العراق الجديد. وما ان عاد من زيارته الاخيرة من الولايات المتحدة ايضا حتى استل سيف الاتهامات من جديد، لكن ليقاتل به خصما اخر هو زعيم التيار الصدري الذي يختلف كثيرا عن نائب الرئيس، فالاخير كان خصما سياسيا سهلا بالنسبة اليه، فلا زعامة قبلية لديه تثور ضد السلطة، ولا اصوات برلمانية موثرة قد تعرقل عمل رئيس الوزراء، كما انه من طائفة اخرى لا اثر لديها في الحراك السياسي في ما يسمى البيت السياسي الشيعي، اضافة الى ان ايجاد بديل عنه في لعبة التوازن الطائفي يسيرة جدا، بعد ان جهد الكثير من زعماء القائمة العراقية في عرض خدماتهم للمالكي، مقرونة بالكثير من الدلائل والبراهين التي تؤكد اخلاصهم له. اما زعيم التيار الصدري فهو شأن آخر في لعبة السياسة والطائفة في الساحة العراقية.
ان اصواته البرلمانية هي من اوصلت الطاغية الى المنصب الاول في الوزارة، وهو القادر على تعكير المياه التي يسبح فيها حزب الدعوة، وهو من يمتلك قرار عكس اتجاه تياره الشعبــــي للســـير بالضد من كل تحالفات المالكي ومصادر قوته في اجهزة الدولة، ان اراد استخدام الزعامة الطائفية وقواها الناعمة المغلفة بما يسمى ‘مصلحة المذهب’.
نعم قد ينأى مقتدى الصدر بنفسه عن الادعاء بالزعامة السياسية مكتفيا بالزعامة الطائفية، لكنه على ارض الواقع يملكهما معا بعد ان ذابت وتلاشت الحدود بين الزعامتين السياسية والدينية في العراق، بينما ليس للمالكي الا الزعامة السياسية التي يمّن كل اطراف ‘البيت السياسي الشيعي’ عليه بانهم هم من اعطوها له حينما أتوا به الى الواجهة السياسية من الصفوف الخلفية. وما بين استجداء رئيس الوزراء لامريكا للبقاء في السلطة للمرة الثالثة، حسب اتهامات الصدر له، واتهامات الاول لزعيم التيار الصدري بانه هو من قتل العراقيين وشكل محاكم شرعية وشارك في الفتنة الطائفية وتآمر مع الخارج، فان من حقنا ان نسأل اين هي دولة القانون التي ينادون بها؟
واين هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، حسب ادعاءات جهابذة السلطة؟ وما هي حدود سلطة القضاء المستقل على الزعامات السياسية؟ بل اين الدين الذي تقول احزاب السلطة بانها الممثل الشرعي له في الارض، وانه منهجها في الحكم؟ كما ان السؤال الكبير الذي لابد من طرحه هو، كيف لمن يُتهم بانه قاتل وخائن ان يبقى ممسكا بالسلطة وزعيما وقيّما على الاخرين؟ لقد باتت الانتخابات في الدول الديمقراطية ليست وسيلة وحيدة لصعود هذا السياسي ونزول ذاك عن عرش السلطة فقط، بل هي وسيلة لانتاج مناهج سياسية تقوم على التسارع في خدمة البلدان والشعوب، وحرق المراحل الزمنية للوصول الى الامثل في كل الحقول، حتى بات المواطن يلمس ان الدعاية الانتخابية هي وسيلة ثقافية يطلع من خلالها على احدث ما انتجه العقل السياسي والمعرفة السياسية من طرائق لخدمته فيختار الامثل منها، بينما بات المواطن العراقي يصحو كل اربع سنوات على طرائق جديدة في فن الاحتيال لسرقة اصوات الناس لهذا الطرف او ذاك، فمن فتاوى رجال الدين، التي تزكّي هذه القائمة وتحرّم تلك، الى شراء الاصوات بـ’ مدافئ نفطية واغطية ‘، الى نشر ملفات فساد وجرائم قتل وخيانة عظمى، الى تحالفات سياسية مشبوهة تعيد اصطفاف المجرم والمدعي عليه، والمفسد والمدعي عليه، والسارق والمدعي عليه. نعم من غير المنصف والمعقول ان نقارن بين الدعاية الانتخابية التي تجري في بلدان اخرى وبين ما يجري في العراق، لانهما شيئان متناقضان لا يمكن ان يستويا في العقل والمنطق، لكننا نحاول في هذا ان نصدم التجربة بالتجربة، كي تتولد شحنات ايجابية تمس عقل كل عراقي، فيتولد لديه دافع التغيير والخلاص من هذه المهزلة الكبرى، بعد ان بات من غير المفهوم حقا ان يغيب الوعي الشعبي الى هذه الدرجة الحرجة، وان نبقى في حالة انقياد لهذا وذاك معتمدين على قوى الجذب التي تنتجها غرائزنا الطائفية والاثنية. فما هي مصلحة المواطن العراقي في ان يستمر القتل والدمار لمدة عشر سنوات او اكثر، ثم يظهر المالكي كي يقول ان الصدر هو القاتل، ثم يظهر الصدر كي يقول ان المالكي ظالم وفاشل ووسائل وصوله للسلطة امريكية وليس عبر الصندوق الانتخابي؟ ألم يقل الصدر لاتباعه انني رضيت بدعم المالكي للوصول الى المركز الاول كي انصحه واقومه؟ اذن اين النصح والتقويم والدماء لازالت تسيل؟ ألم يرضى المالكي بالصدر شريكا سياسيا ولحق به الى طهران كي يسترضيه ويحصل على تزكيته، فلماذا اليوم يقول انه قاتل؟ وهل ستكون لهذه الاتهامات حدود فاصلة؟ اننا نرى ان العصبية الطائفية هي مبرر وجود كل هذه الاطراف على الساحة السياسية، وعندما لا يستفزونها ويستفيدون منها لن يظلوا قادة وزعماء طوائف، لذلك فان كل الملفات التي تظهر بين الحين والاخر هي للتلاعب بخيارات الناس واراداتهم لتحقيق مصالح شخصية، لكنها ملفات حقيقية لا يمكن فتحها الى ما لانهاية، لان مصلحة المذاهب باتت اقدس من دماء الابرياء، وعفوا مفتوحا عن خيانة الخونة، ومبررا لسرقة المال العام وفساد المفسدين، انه القانون السائد في العراق الجديد.

‘ باحث سياسي عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احسان المرسومي:

    نعم سيدي بات الامر منوط بمصلحة المذهب , المرجعيات تعلم علم اليقين ان ممثلي الشعب هم من الفاسدين ولكن نعم ولكن مصلحة المذهب تقتضي اخيار الاحسن من بين الحرامية , وليس مصلحة المواطن والوطن

  2. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للدكتور مثنى على مقالك…

    في نيسان 2014 للمواطن العراقي الفرصة الحقيقية والاكيدة في أختيار المرشح الذي يعكس اَماله و تطلعاته…. فعليه أن يقوم بواجبه في البحث والتقصي والتحري عن المخلص للوطن والشعب بسمعته وعلاقاته وعفيف النفس و نظيف اليد في تعاملاته يؤمن بالقيادة الجماعية للوطن والتداول السلمي للسلطة والحرية (المسؤلة) وحكم القانون (النزيه) وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية.
    نعم يا أخي ….على المواطن أن يكون دقيق و متأني و يحسب ألف حساب للاخيارات التي سيختارها و ألا فصوته سيذهب لمن لايستحق وبالتالي تستمر مأساة العراق لل 4 سنوات القا من الحكم الفاشل والطائفية والفساد والدماء العراقية البريئة.

    1. يقول ف. اللامي (كندا):

      ألم يتوجه الناخبون في الإنتخابات السابقة، وبكل ديمقراطية، أعطوا قائمة علاوي، الأغلبية.
      ثقافة الأنتخابات والسياسة التي تتكلم عنها، سيدي الكريم، هي رفاهية لا يملك ثمنها من يفتقد الأمان، فقد أصبح العراق، واقع حاله كلبنان، الأحزاب والطائفة هي من تحمي الفرد، لا الدولة.
      رحم الله، الحجاج.

إشترك في قائمتنا البريدية