عدة دلالات يمكن استخلاصها من تراجع قوات الحكومة العراقية «مكافحة الإرهاب» أمام عشيرة العساكرة العربية الشيعية جنوبا، فهي أولا تمثل إشارة جديدة على فشل «الدولة» وأجهزة الحكومة الأمنية، أمام قوى المجتمع العميقة، وهي الحادثة الفارقة الثانية في هذا الإطار، بعد موقعة كتائب حزب الله في الحشد الشعبي، عندما اضطر الجهاز الأمني نفسه، الذي يعتمد عليه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لإطلاق سراح عناصرالحشد، الذين ردوا لاحقا بـ»الدوس» على صورة الكاظمي، وهو من يفترض أنه قائدهم الأعلى في القوات المسلحة العراقية، لكن هذه المسميات المستمدة من الدول، التي تسود فيها سلطة القانون واحتكار الدولة لـ»العنف» لن تكون سوى معنى شكلي، في دول تحكمها شبكات عشائرية، وطائفية أشد نفوذا في المجتمع من الحكومة نفسها.
في المشهد الذي دار في الناصرية دلالة لافتة أيضا، فالمروحيات السمتية والعربات المدرعة والجنود المدججة بالسلاح، لم تستطع مواجهة خطيئة دخول بيت «الشيخ» للبحث عن الناشط الثوري المختطف سجاد، فخرجت العشيرة بسلاحها الخفيف والثقيل وأبنائها لتواجه الدولة، وانسحبت قوة «الدولة» فالشيخ فوق القانون في هذه الدولة، كما هو في عرف القبيلة.
الحادثة سلطت الضوء أيضا، على حقيقة يجب عدم مواصلة التغافل عنها، وهي أن النزاع في أجواء الحراك الثوري في العراق، لا يمكن اختزاله بطرفين، مع الثوار وضد الثوار، مع إيران وضد ايران، فحكومة الكاظمي التي ينظر لها كظهير للناشطين وقوى المجتمع المدني، أرسلت قوات مكافحة الإرهاب للبحث عن ناشط مختطف هو سجاد العراقي، اتهمت مرة قوات بدر الموالية لإيران بخطفه، ومرة قيل إن موضوعه عشائري، ولكن المؤكد أن القوات الأمنية المناصرة للناشطين اتهمت عشيرة عراقية بخطفه، واصطدمت بها، وهذه العشيرة ليست إيرانية أو فصيلا مواليا لإيران! وهكذا فهناك شبكة معقدة من الانقسامات والاعتبارات المحلية، لا يمكن اختصارها فقط بمحور مع وضد الثوار أو مع وضد إيران، ولا يمكن تعليق كل نزاع أو كل جريمة تحصل (كجريمة قتل العائلة الكردية في بغداد) على شماعة إيران وتدخلاتها، وتجاهل الانقسامات الداخلية الجسيمة، وفي النهاية فإن العشائر العراقية كالعساكرة تستمد جزءا من قوتها أيضا من ابنائها المنضوين في الميليشيات، وبالمقابل فإن الميليشيات الشيعية المهيمنة في العراق ترتكز في المناطق الشيعية على بنى اجتماعية، من بينها العشائر، فمقاتلو الميليشيات هم في النهاية ابناء تلك العشائر والأحياء الشيعية.
الميليشيات الشيعية المهيمنة في العراق ترتكز في المناطق الشيعية على بنى اجتماعية، من بينها العشائر
الدلالة الأخرى، هي تلك المتعلقة برمزية جهاز مكافحة الإرهاب، فهو قوة أمنية بات يشار لها، في السنوات الأخيرة، بانها الأقرب لحلفاء امريكا في العراق، والأبعد عن حلفاء إيران المهيمنين، ورغم أن الضابط الأمريكي الذي أشرف فترة على تأسيسها وتدريب عناصرها، وصفها بأنها تحولت للحرس الخاص للمالكي، الذي أخضعها لسلطته وهجّن قياداتها حينها، إلا أنها بعد رحيل المالكي عادت لتتولاها قيادات أقل حماسة للتقارب من ايران كما يبدو، والكاظمي اعتمد عليها بشكل مطلق في تنفيذ معظم المهمات ضد الفصائل المقربة من إيران، كما حصل في غزوة حزب الله، التي انتهت بفشل مدو لجهاز مكافحة الإرهاب، وكان فشلها الثاني، ما حصل أمام عشيرة العساكرة، فبدا وكأن المعسكر الأقرب لأمريكا خسر 2/0 أمام معسكر إيران في الحشد، وبعدها امام معسكر شبكات المجتمع العشائرية الرافضة لسلطة الدولة المدنية.
أما الدلالة الأخيرة، فهي الفرق بين طريقة تعامل القوات الحكومية اللين نسبيا مع الفصائل والعشائر والمظاهرات الشيعية، وميلها لعدم التصعيد، وتجنب إراقة الدماء، وتعامل هذه القوات العنيف مع التظاهرات والمعارضة في مناطق السنة، وهو ما يرسخ هواجس العرب السنة، من أن حكومة بغداد وقواتها الأمنية ظلت منذ 2003 شيعية أكثر منها عراقية وطنية
*كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
” أما الدلالة الأخيرة، فهي الفرق بين طريقة تعامل القوات الحكومية اللين نسبيا مع الفصائل والعشائر والمظاهرات الشيعية، وميلها لعدم التصعيد، وتجنب إراقة الدماء، وتعامل هذه القوات العنيف مع التظاهرات والمعارضة في مناطق السنة، وهو ما يرسخ هواجس العرب السنة، من أن حكومة بغداد وقواتها الأمنية ظلت منذ 2003 شيعية أكثر منها عراقية وطنية ” إهـ
هذا الكلام صحيح 100% ! لن يرجع العراق كما كان ما دام الولاء للطائفة وللولي الفقيه!! ولا حول ولا قوة الا بالله