العراق: زيارة الكاظمي لواشنطن ورسائل إيران

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

محاولات جر العراق نحو المزيد من الفوضى وزيادة ضغوط الفصائل الولائية لسحب القوات الأمريكية، سيناريوهات لتسقيط الحكومة وإلغاء الانتخابات المبكرة لإحباط آمال الإصلاح.

بغداد-»القدس العربي»: حوادث وتداعيات سياسية وأمنية متسارعة في المشهد العراقي سبقت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن ولقاءه بالرئيس الأمريكي جو بايدن، لإجراء جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، ولتنقل رسائل محلية وإقليمية إلى الولايات المتحدة.
فقد وصل إلى واشنطن الوفد العراقي في جولة الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي، لبحث مرتكزات العلاقة بين البلدين وأبرزها وجود القوات الأمريكية في العراق والتعاون العسكري والأمني لمحاربة «داعش» والمساعدات الأمريكية للعراق. وسيلتحق الكاظمي يوم 26 من تموز/يوليو الحالي بالوفد لإجراء لقاء بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وليختم المفاوضات الجارية حاليا.
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أعلن ان جولة الحوار الرابعة بين العراق والولايات المتحدة ستكون الأخيرة، مبينا ان «لقاء الكاظمي وبايدن سيناقش مجمل العلاقات العراقية الأمريكية من بينها عدم الإبقاء على أي قاعدة أمريكية في العراق». وأضاف حسين، أن «جولة الحوار ستشهد الاتفاق على جدولة الانسحاب الأمريكي من كافة الأراضي العراقية» مؤكدا أن «الأمريكان يتواجدون في معسكرات عراقية وليست أمريكية كما يقول ويصرح البعض» ولافتا إلى ان «الجانبين قد يعودان لاتفاق 2008 بعد انتهاء جولة الحوار الاستراتيجي».
وتأتي الجولة الجديدة من الحوار الاستراتيجي وسط ظروف معقدة محليا وإقليميا، ستترك آثارها على المفاوضات، وسط ضغوط تمارسها قوى عراقية موالية لإيران على حكومتي الكاظمي وواشنطن، من أجل انسحاب كل القوات الأمريكية من العراق بأسرع وقت. كما يحمل الوفد العراقي المفاوض، ملفات أخرى أبرزها الملف الأمني والعسكري والصحي. وهذه الملفات هي امتداد للجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين التي جرت في السابع من نيسان/ابريل الماضي، والتي تهدف لإنهاء وجود القوات القتالية الأمريكية، وحصر مهام الوحدات المتبقية منها على الأراضي العراقية في الاستشارة والتدريب، وتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات. مع توقع ان يطرح الوفد العراقي تداعيات الغارات الأمريكية على فصائل موالية لإيران تتواجد في المناطق الحدودية العراقية السورية.
والحقيقة ان الإدارة الأمريكية الجديدة لايبدو متحمسة كثيرا للإبقاء على قوات كبيرة في العراق وتحمل تكلفتها مع مخاطر تعرضها للقصف المتكرر من الفصائل الولائية، حيث ترغب واشنطن بتعويض ذلك باستمرار العمل باتفاقية 2008 بين العراق والولايات المتحدة، التي نصت على انسحاب القوات القتالية والإبقاء على المستشارين والمدربين في قواعد عراقية، وهو ما موجود حاليا، مع استمرار تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لحكومة بغداد، ولكن مع تمسك واشنطن بوجود عسكري بشكل ما في العراق وعدم تركه لإيران وحدها.
إلا ان القوى الشيعية وإيران، ترغب باستثمار جولة الحوار الحالية لممارسة أقصى الضغوط لإنهاء أي وجود عسكري أمريكي، لابقاء العراق ساحة نفوذ أحادي، ولذا بادر الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني، للاتصال بالكاظمي قبل توجهه إلى واشنطن، ليؤكد «اننا نعتبر أمن واستقرار العراق من أمننا» منتقدا الغارات الأمريكية على فصائل موالية لإيران على الحدود العراقية السورية. فيما أعلنت «الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية» التي تضم الفصائل الولائية، «ان الكاظمي أثبت عدم قدرته على مطالبة أمريكا بسحب قواتها» مؤكدين تصعيد استهدافهم للقوات الأمريكية في المرحلة المقبلة، بل جرى تسريب فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو الفصائل الولائية إلى تكرار تجربة الحوثيين في اليمن، والاستيلاء على السلطة بانقلاب وتشكيل حكومة بديلة لحكومة الكاظمي.
وبالتزامن مع التحضيرات للحوار الاستراتيجي، تابع العراقيون تداعيات مقلقة، مثل استمرار مسلسل حروب الكهرباء والحرائق المنظمة التي تجتاح مدن العراق، لزيادة تخريب الخدمات المتهالكة أصلا كالمستشفيات والأسواق، كما جاء التصعيد الأمني عبر التفجيرات التي وقعت في سوق شعبي بمدينة الصدر في بغداد عشية عيد الأضحى، الذي خلّف 80 شهيدا وجريحا، إضافة إلى تفجيرات الناصرية والنجف، لتؤكد ان دماء العراقيين ما زالت رخيصة في سوق صراع القوى السياسية على السلطة والمصالح والأجندات الإقليمية، رغم إلقاء مسؤولية الجريمة على شماعة «داعش». كما استغلت بعض الفصائل، التفجيرات الأخيرة لتجديد التجييش الطائفي عبر دعواتها للحكومة «لتفكيك حواضن الإرهاب» في مناطق محيط بغداد، في إشارة إلى سكان مناطق حزام بغداد السنة، التي سبق ان أطلق قادة شيعة دعوات لطردهم منها.
وتناسقا مع هذه الضغوط، كشف العديد من قادة الأحزاب السياسية عن عدم الرغبة بإجراء انتخابات مجلس النواب بموعدها المحدد في شهر تشرين الأول/اكتوبر المقبل، وذلك بحجة عدم توفر الظروف المناسبة، وهي نفس الحجة التي أطلقها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في إعلانه الانسحاب من الانتخابات، وهو قرار من المتوقع ان يتراجع عنه لاحقا، لأن تياره، جزء أساسي من العملية السياسية، ولا يمكن ان يفرط بالمكاسب التي يجنيها عبر وجوده في البرلمان والحكومة.
وجاءت الحملة الدولية «لإنهاء الإفلات من العقاب» التي انطلقت في العراق و14 دولة، لملاحقة قتلة المتظاهرين والناشطين، بالتزامن مع إعلان حكومة الكاظمي إلقاء القبض على قاتل الإعلامي والمحلل السياسي هاشم الهاشمي، الذي اعترف بتنفيذ الجريمة مع أربعة آخرين هربوا إلى إيران بعد العملية، من دون الإشارة إلى الجهة المحرضة، وسط تسريبات بمسؤولية حزب الله عن الاغتيال. وهو مؤشر كشف بعض خيوط لغز استهداف الناشطين والمتظاهرين، كمحاولة لقمع الأصوات المطالبة بتغيير الأوضاع.
ولا شك ان محاولات جر العراق نحو المزيد من الفوضى والانفلات وتوتير الأجواء، مع زيادة ضغوط الفصائل الولائية، من أجل سحب بقايا القوات الأمريكية، يدخل ضمن سيناريو تسقيط وإفشال الحكومة ومحاولة إلغاء الانتخابات المبكرة لإحباط آمال الإصلاح والتغيير، مع مراعاة ان هذه الضغوط والفوضى، تنسجم مع استخدام الورقة العراقية في مفاوضات إيران النووية والصراع الأمريكي الإيراني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية