فجأة انتفض الجميع وصدرت بيانات الاستنكار حين ظهرت فضيحة اعتراف رجل في محافظة بابل بقتل زوجته، بعد ظهور الرجل في فيديوهات رسمية مصورة وهو يعترف بجريمته بحضور المسؤولين عن التحقيق، بل وظهوره في برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات وهو يعترف بجريمته علنا، ليتبين لاحقا أن كل ما جرى كان اعترافا تحت التعذيب، وان الرجل لم يقتل زوجته من الأصل وانها حية تزرق!
ذكرتني هذه الواقعة/ الفضيحة برواية الإيطالي البرتو مورافيا التي ترجمت إلى العربية بعنوان «الاحتقار». في هذه الرواية يمثل الزوج دور المصدوم من خيانة زوجته، ولكن الوقائع ستكشف أنه كان دائما متواطئا مع هذه الخيانة، بل أنه شجع عليها أحيانا أخرى!
خلال هذا العام نشرنا مقالين، الأول كان بعنوان «عن محنة القضاء العراقي» والثاني كان بعنوان: «التعذيب في العراق بوصفه ممارسة طبيعية»! أشرنا في الأول إلى واقعة «اختطاف» أحد الضباط في مدينة الموصل لمواطن، وتعذيبه حتى الموت، لتحكم عليه المحكمة حكما مخففا بالسجن لمدة خمس سنوات وشهر واحد وفق احكام المادة 410 من قانون العقوبات العراقي المتعلقة بالضرب المفضي إلى الموت والقتل بالخطأ، وكأن الموت وقع في «مشاجرة» في مقهى، او في الطرق العام! وأوضحنا أن هذه المادة لا علاقة لها مطلقا بالجرائم الأربع التي ارتكبها المتهم وهي: الاختطاف، والحجز في مكان غير قانوني، والتعذيب، والقتل! وأن المحكمة لم تلتزم بصحيح القانون، وأنه كان يجب على المحكمة أن تحكم عليه وفق المادة 406 من قانون العقوبات التي تعاقب بالإعدام من قتل نفسا عمدا في حال «استعمل الجاني طرقا وحشية في ارتكاب الفعل» خاصة وأن واقعة القتل ارتبطت بجريمتين أخريين هما الخطف والتعذيب وهو ما أغفلته المحكمة تماما في حكمها وكأن التعذيب مجرد ممارسة طبيعية!
وقلنا في المقال الثاني أن متابعة التقارير الخاصة بأوضاع المحتجزين والمحكومين في السجون العراقية تكشف عشرات الدلائل عن حجم الانتهاكات المتعلقة بالتعذيب، ولا تبدو الجهات المسؤولة عن مراكز التوقيف أو السجون حريصة على إخفاء جرائمها؛ فكثيرا ما يتم إطلاق سراح هؤلاء وآثار التعذيب ظاهرة على أجسادهم، أو تسلّم جثثهم لأهاليهم وعليها آثار تعذيب. ويقف الشعور بعدم الجدوى، والخوف من الانتقام، والثقافة الخاصة بماهية الدولة بوصفها «قوة قاهرة» حائلا دون تقدم هؤلاء بقضايا ضد (معذبيهم) خاصة في ظل وجود تواطؤ صريح من مؤسسات الدولة على استخدام التعذيب، وغياب إمكانية حقيقية لملاحقة القائمين به ومقاضاتهم! ونقلنا عن تقرير هيومان رايتس ووتش المعنون «قضاة يتجاهلون مزاعم التعذيب» الصادر في تموز/ يوليو 2018، ما يكشف صمت القضاة أنفسهم وتواطئهم، سواء من خلال رفضهم التحقيق في ادعاءات التعذيب، او من خلال عدم اتخاذهم أي إجراء قانوني بحق القائمين بالتعذيب في حال ثبوت واقعة التعذيب، أو بإعادة التحقيق والمحاكمة، وقد يصل الأمر إلى الدفاع عن القائمين بفعل التعذيب؛ إذ تنقل المنظمة واقعة كانت فيها شاهد عيان وتقول إنه «في يوليو/تموز 2018، أخبر أحد المتهمين القاضي في محكمة الجنايات المركزية ببغداد بأنه تعرض للتعذيب لانتزاع الاعتراف منه، لكن القاضي تجاهل شكواه، حسب مراقبين مستقلين في المحكمة.
متابعة التقارير الخاصة بأوضاع المحتجزين والمحكومين في السجون العراقية تكشف عشرات الدلائل عن حجم الانتهاكات المتعلقة بالتعذيب
قال المتهم إن الشرطي عذبه وأجبره على التوقيع على اعتراف وهو معصوب العينين ومقيد اليدين. ومع ذلك رفض القاضي طلبه السماح له بأن يبرهن له بأن توقيعه الحقيقي مختلف تماما. قال أحد المراقبين: «لم يُبد القاضي أي استجابة للالتماس، فقط أدانه وحكم عليه بالإعدام»!
وهو ما يتفق تماما مع تقييم بعثة الأمم المتحدة في العراق التي انتهت في أحد تقاريرها إلى أنه:»يبقى امتثال القضاء بالإجراءات الأصولية الدولية والدستورية ومعايير المحاكمة العادلة تكتنفه المشاكل.. ونادراً ما يحقق القضاة في الادعاءات بأن الاعترافات كانت قد انتزعت بالقوة أو من خلال التعذيب وإساءة المعاملة، مفضلين الاعتراف بها كدليل، ويأخذون بها لإدانة المتهمين»! ولكي لا «يحتج» أحد على أن هذه التقارير والوقائع «قديمة» وأن الأمور قد تغيرت، ننقل هذه النصوص من تقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق/ يونامي من تقريرها المعنون «حقوق الإنسان في تطبيق العدالة: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة» الصادر في شهر أغسطس/ آب 2021، إذ ينتهي التقرير إلى أن «التعذيب حقيقة واقعية في أماكن الاحتجاز في جميع أنحاء العراق»! وإلى أن «المساءلة المحدودة» في قضايا التعذيب أو إساءة المعاملة تشير إلى «قبول هذه الممارسات والتغاضي عنها كوسيلة لنزع اعتراف»! وإلى أن ثمة «عدم التزام بالاطار التنظيمي لمنع التعذيب يمكن من إخفاء حقائق غرفة الاستجواب وأماكن الاحتجاز من الرقابة القانونية الفعالة، مما يؤدي الى استمرار دائرة المواقف الدفاعية والاستنكارية»! وإلى أن «معظم الشروط القانونية الأساسية والضمانات الإجرائية لا يتم احترامها بشكل روتيني»! ووثق التقرير وقائع تعذيب استنادا إلى مقابلات مع «محجوزين» جاء فيه: «ومن بين العدد الكلي للأشخاص الذين تمت مقابلتهم، ذكر 38 شخصاً بأنهم تعرضوا لأفعال مختلفة تصل إلى حد التعذيب و/أو سوء المعاملة خلال «الاستجواب» بما في ذلك الضرب الشديد والصعق بالكهرباء، الاستحمام أو الرش بالمياه الباردة والتعليق في السقف من الأيدي والأرجل، والتهديد بالقتل والعنف الجنسي ضدهم وضد عائلاتهم أو المعاملة المهينة (مثل التبول عليهم وتصويرهم عراة»!
في واقعة حدثت الشهر الماضي، أطلع عليها عدد كبير من المسؤولين الرسمين الكبار، ثبت للجميع تعرض معتقلين اثنين لتعذيب منهجي بشع، بسبب تهمة كيدية، اضطروا بسببه إلى التوقيع على «اعترافات» مدبجة مسبقا، ولم تكن الاستجابة سوى بعض «العتب» وربما شيء من «التقريع» للقاضي الذي كان مشرفا على الاعتقال والتعذيب!
ألم نقل دائما إن التعذيب في العراق ممارسة طبيعية، تستدعي بعض «البيانات» عند اكتشافها، للتغطية عليها، وأن الأمر لا يمكن ان يصل إلى حدود فض التواطؤ الجماعي معها!
كاتب عراقي
مع شديد الأسف التعذيب في المراكز التحقيقية لم يتوقف بعد ٢٠٠٣ . و مثل جبل الجليد الظاهر أصغر كثيراً من الغاطس.
لكن و بفكرة شاردة ، بنت كلّ ما مثبّت من إحتيال إجرامي يتعدّى أخصب الخيالات ، و مصداقاً للقول أنّ سوء الظنّ من حسن الفطن ، أرجو أن المتهم بريء فعلاً ، و لا يظهر أن “الزوجة “ التي ظهرت حيّة مدفوع لها _ لماذا أخذ أمر الزوجة لتظهر كل هذا الوقت؟
ليت صوتك يصل للعالم يا أستاذ!
وليتك في البرلمان لفضح القتلة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
استاذ يحيى عندما تحتل دولتك المركز الاول على العالم في كل شيء سيء، وتحتل المركز الأخير على العالم في كل شيء حسن ، عليها ان تكون بالصورة فتقدم البراهين تلو البراهين للمحافظة على مكانها ومركزها….ولو شنو رايك