يتركز الحوار، وربما الجدل، عادة في العراق فيما يتعلق بوزارة التربية على المسائل المادية البحت: عدم توفر المدارس والحاجة إلى ما بين 6 ـ 8 ألف مدرسة، والمستوى المتدهور للكادر التدريسي، وندرة المختبرات والساحات الرياضية، وعدم توفر الكتب المنهجية أو تدني نوعية الطباعة. ونادرا ما تمت مناقشة فلسفة التعليم، او بالأحرى غياب هذه الفلسفة في ذهن القائمين على التعليم، وما ترتب على ذلك من إشكاليات حقيقية تتعلق بطبيعة ومستوى المناهج/ المقررات الدراسية، لاسيما مع التسييس الذي حكم هذه المناهج عبر تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
ففي المجتمعات التعددية اثنيا، ودينيا، ومذهبيا، كما هو في حالة العراق، ومع غياب سردية متفق عليها قادرة على إنتاج هوية «وطنية» جامعة، تشكل مسألة المناهج التربوية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، قضية مركزية في عملية صياغة هذه الهوية الجامعه، هوية قادرة، بالحد الأدنى، على الوصول إلى مدونة مشتركة من الرموز والسرديات المؤسسة.
لقد كان التعليم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ،1921 يقوم على فكرة مركزية تتمثل في ضرورة أن يكون التعليم عاملا لتوحيد العراقيين ثقافيا، وكانت استراتيجية الملك فيصل الأول (1921 ـ 1933) في بناء الأمة/الدولة في العراق تقوم على ركنين أساسيين هما التعليم والجيش. وكتب في مذكراته أنه يريد، بسبب من عدم وجود أي فكرة وطنية، أن يشكل «شعبا نهذبه، وندربه، ونعلمه».
لكن طبيعة الدولة الناشئة حينها؛ من حيث انتماءات النخب السياسية فيها، والتوجهات الإيديولوجية للقائمين على استراتيجيات التعليم، أنتجت محاولات لفرض تأويل أحادي فيما يتعلق بأكثر الموضوعات حساسية، ألا وهي مناهج التعليم الديني. والى اعتماد مدونة محددة فيما يخص موضوع مناهج التأريخ الإسلامي والحديث، فضلا عما يرتبط بهذين الموضوعين ضمن مناهج التعليم الأخرى. كما ظلت صورة الآخر في مناهج التعليمة ملتبسة الى حد بعيد، مع كل ما يرتبط بذلك من قيم أساسية مثل التسامح وقبول الآخر بما هو عليه، أو رفض شرعنة العنف.
وهكذا، وبدلا عن سياسات التعليم المعلنة رسميا، ظهرت مناهج التعليم تكرس الاختلاف، وتعزز الانقسام، وتغرس الإحساس بالتهميش بإزاء خطاب الدولة/السلطة ذي التوجهات الإيديولوجية.
لقد بنيت المناهج على أساس هوية الدولة السنية، مع محاولات تجاوز الخلافات ذات الطبيعة الإثنية والمذهبية ما أمكن ذلك. ولكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، وقد شهد تاريخ التعليم الحديث الكثير من المواجهات بسبب هذه الخلافات. ولعل واقعة المواجهة بين مدير المعارف ساطع الحصري من جهة، ومحمد مهدي الجواهري، ثم وزير المعارف عبد المهدي المنتفجي بشأن كتاب أنيس النصولي حول تاريخ الدولة الأموية من جهة أخرى، قد تكون الأشهر في هذه المواجهات. وعلى الرغم من الاتهامات والاشاعات الكثيرة التي ترتبط باسم ساطع الحصري في هذا المجال، والتي تبدو في معظمها قراءات إيديولوجية غير موضوعية. وعلى الرغم أيضا من حقيقة استئثار الوزراء الشيعة بحقيبة التربية منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة، إلا أن الأمر كان يبدو أكبر من دور الجهتين في هذه المسألة.
ونادرا ما تمت مناقشة فلسفة التعليم، وما ترتب على ذلك من إشكاليات حقيقية تتعلق بطبيعة ومستوى المناهج، لاسيما مع التسييس الذي حكم هذه المناهج عبر تاريخ الدولة العراقية الحديثة
لقد كانت لحظة 8 نيسان/ابريل 2003، لحظة تحول دراماتيكي في تاريخ العراق الحديث، وكانت مناهج التعليم في صلب الخطاب السياسي لدعاة التغيير، بمن فيهم الأمريكيون. لكن السؤال الذي ظل مسكوتا عنه هو هل ثمة تحول إبستيمولوجي/معرفي حقيقي في مناهج التعليم المختلفة عن تلك المؤدلجة والمعيارية وذات الصوت الواحد؟ أم اننا انتهينا إلى تحول أيديولوجي/ سياسي محض، مع بقاء المناهج على النسق المعرفي نفسه؛ أي اعتماد خطاب طرف محدد تبعا لموازين القوى القائمة بعد نيسان 2003، لا سيما في ظل هيمنة القوى والأحزاب الإسلامية، ذات المرجعية المذهبية المحددة بالضرورة، على المشهد السياسي في العراق اليوم، بل وفي ظل إصرارها على تولي حقيبة وزارة التربية.
إن الذاكرة العراقية لا تزال غير قادرة على إنتاج تاريخ مشترك، فهي ذاكرة متشظية بين مدونات التأريخ الرسمي منذ أربعة عشر قرنا، ومدونات التاريخ الموازي له والذي يراد له أن يكون رسميا بأثر رجعي. من دون أن يصار إلى إعادة التفكير بماهية هذا التاريخ وتجاوز الميثولوجيا التي أنتجته، وعدم النظر إليه بوصفه نصا يصف واقعا حقيقيا، وإنما بوصفه خطابا يجب موضعته في الإطار السياسي والاجتماعي والثقافي المنتج له. وهي الذاكرة/التاريخ التي أعيد إنتاجها بعد نيسان/ابريل 2003 بشدة.
ومناهج تعليم لا تزال تقدم معلومات متناقضة للطالب من دون مرجعية فلسفية محددة بين تربية دينية تنتج مفاهيم مختلفة تماما عن تلك التي تنتجها دروس التاريخ والتربية الوطنية ومبادئ التوعية بحقوق الإنسان. وأقصى ما يمكن التفكير به الجمع التلفيقي بين النسقين. هكذا تتداخل مصطلحات مثل «الأمة الإسلامية»، والجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد في كتب التربية الدينية، مقابل نصوص حول «الأمة العربية المجيدة»، والاحتلال البويهي او السلجوقي أو العثماني او الفارسي للوطن العربي في كتب التاريخ! وهكذا نجد في منهج التربية الإسلامية للصف الرابع الابتدائي نصا عن «سلمان المحمدي»، الذي لا يحضر في المدونة الإسلامية إلا باسم «سلمان الفارسي»! وهذا التغيير يرتبط طبعا بطبيعة الصراع الطائفي القائم اليوم في العراق! أو نصا في كتاب الإسلامية للصف السادس الابتدائي عن «الضلال العقائدي» الذي يجمع بين «عبادة الأصنام»، و«عبادة الأحبار (علماء اليهود) والرهبان (علماء النصارى)»!
في ظل هذا كله لا يمكن التفكير إلا بأحد الحلين، الأول ان نؤسس لمناهج تؤمن بالاختلاف، وباحترام هذا الاختلاف. وتؤمن بالنسبية، وبفكرة ان ليس ثمة حقيقة واحدة، أو تأويل واحد، أو تاريخ واحد، أو مدونة واحدة، أو خطاب واحد فيما يتعلق بمدونتي التربية الإسلامية والتاريخ. بدلا من صياغة مناهج تلفيقية، كما هو الحال اليوم، ولا شك في صعوبة مثل هكذا لمحاولة. والحل الثاني هو إلغاء مناهج التربية الدينية ودرس التاريخ الإسلامي، وربما بعض من مواد التاريخ الحديث من المناهج الدراسية بصيغتها الحالية، لأنها تعيد إنتاج الخلافات، بل وتكرسها.
كاتب عراقي
التعليم الديني بمدارس العراق محكوم بالفشل لو تم توحيد مذهبي السُنة والشيعة! أحدهما يمجد الصحابة والآخر يكفرهم!! يجب أن يكون بكل مدرسة فصلين لتعليم الدين!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
غريب أمرك ياشيخ بدلا من أن تقول بوضع مقررات موحدة محايدة وموضوعية تخرج أجيالا ناضجة خالية من الحقد المتوارث ، تقترح أن يتعلم السني مذهبه في فصل و يتعلم الشيعي مذهبه في فصل مجاور.
حياك الله عزيزي الليبي وحيا الله الجميع
الحقد المتوارث لن يزول إلا حين يزول حُكم الولي الفقيه بطهران! فهذا الحكم من يسيطر على شيعة العراق وبالقوة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
الافضل عدم تدريس التربية الدينية في المدارس فالطالب يتعلم في درس العلوم ان خسوف القمر هو ظاهرة فلكية تحدث عندما يحجب ظل الأرض ضوء الشمس المنعكس من القمر في الأوضاع العادية. وتحدث هذه الظاهرة عندما تكون الشمس والأرض والقمر في حالة اقتران كوكبي كامل (فيكون خسوفا كليا) أو تقريبي (فيكون خسوفا جزئيا). بينما في درس التربية الدينية يتعلم ان الخسوف سببه معاصي الناس وشرورهم وعندما يحدث يتم التكبير وتقرع اجراس الكنائس
كلام جدًا دقيق.. يقع في قلب الإشكالية المعرفية في الواقع التعليمي التربوي أستاذنا الفاضل، لكن المشكلة من يدير البلد ليس له في مثل هكذا حلول تنسجم وروح الإنسانية وهدفها الأسمى في الحياة؛ هذا لأنّ وجودهم الطارئ قام على التشظّي الهويّاتي بتكذيب كلٍّ من الطرفين سردية الآخر، وتعزيز الذات الطائفية في وجدان العامة من أتباعهم بما لذّ وطاب من متخيّل جمعي مسرفٍ في قناعاته..!