في مقال سابق على هذه الصفحات (16/4/2019)، تناولنا ما وصفناه بـ«تفوّق القيادة السودانية« الذي رأيناه قائماً على جملة من الميزات، تأتي في صدارتها الميزة التنظيمية. فقد أفلح رجال ونساء الثورة السودانية في تشكيل تنظيم محوَري داخل مجتمع بلادهم، ارتكز إلى جمعيات نقابية مستقلة من المهنيين والمهنيات تكوّنت في المعارضة المحظورة لنظام عمر البشير.
كان المبادرون أساتذة جامعة الخرطوم الذين أنشأ مئتان منهم نقابة معارضة في عام 2012. وقد حذت حذوهم جماعات أخرى من المهنيين في قطاعات الإعلام والصحة والقانون والتعليم المدرسي، أسّست مع الأساتذة الجامعيين في عام 2016 «تجمّع المهنيين السودانيين». فلعب التجمّع دوراً ريادياً في تأسيس تحالف القوى الاجتماعية والسياسية المعارضة المعروف باسم «قوى إعلان الحرية والتغيير»، وذلك نسبةً إلى الإعلان الذي صدر في أول أيام العام الجاري عن اثنتين وعشرين هيئة، ضمّت أحزاباً وتجمعات وجمعيات، قادت سوية الانتفاضة السودانية على نظام البشير إثر انطلاقها يوم 19 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، واستمرّت في القيام بهذا الدور بعد إزاحة الدكتاتور من قِبَل قادة الأجهزة العسكرية ذاتها التي شكّلت العمود الفقري لنظامه.
وقد ظلّ «تجمّع المهنيين السودانيين» إلى يومنا هذا يقوم بالدور الأبرز في قيادة الثورة السودانية، بعد أن انضمّت إليه إثر اندلاع الثورة نقابات عمّالية مستقلة نشأت في كل قطاعات الطبقة العاملة السودانية حتى أصبح التجمّع قوّة اجتماعية بالغة الأهمية وبات اسمه يُطلق على ظاهرة أكبر بكثير مما توحيه التسمية. ويجوز القول إنه لولا تأطير التجمّع للحراك الشعبي وقيادته له، لما حقّقت الثورة السودانية ما أنجزته حتى يومنا هذا ولما واظبت الجماهير السودانية على النضال من أجل تحقيق التغيير الجذري والشامل الذي تصبو إليه، غير منخدعة بالنوايا الإصلاحية التي ادّعى العسكريون العمل بوحي منها.
هذا وقد التفتت الحركات الاحتجاجية الطامحة إلى التغيير الثوري في سائر بلدان المنطقة العربية إلى النموذج السوداني في التنظيم الاجتماعي والسياسي. واستلهم مناضلو ومناضلات الطليعة في الحراكين العراقي واللبناني المثال السوداني، مما دفعهم إلى تشكيل جمعيات مهنية ونقابية تطمح إلى تولّي دور الأطر القيادية للنضال الجماهيري. وكانت النتيجة أننا رأينا بتزامن غير مقصود بروز أطر مماثلة في الحراكين المذكورين في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وهو شهر انطلاق الثورتين.
التحدّي الذي يواجهه الحراكان العراقي واللبناني في المجال التنظيمي، يقوم أولاً على تمكّن الجماعات المهنية في البلدين من تثبيت عملها المشترك في إطار تنسيقي واحد على شاكلة «تجمّع المهنيين السودانيين»
فمنذ معاودة الحراك العراقي في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وفضلاً عن انضمام الجامعات إليه بأساتذتها وطلّابها، باتت تحتلّ الصدارة فيه نقابات الأساتذة والمعلّمين والمهندسين والأطباء والمحامين، وهي القطاعات المهنية عينها التي نشأت في أوساطها الجمعيات التي تولّت قيادة الثورة السودانية. وقد دعت النقابات المهنية العراقية إلى الإضراب العام في البلاد سعياً وراء نقل الحراك الشعبي إلى مستوى أرقى من القوة والفاعلية. وكذلك في لبنان وفي الوقت نفسه، أخذت شتّى القطاعات المهنية تفرز هيئات نقابية من صفوفها، بينها وفي دور بارز أساتذة الجامعة والمهندسون. وفي 28 الشهر الماضي، تم الإعلان عن تشكيل «تجمّع مهنيات ومهنيين» الذي يضمّ تجمّعات مستقلة في قطاعات مهنية شتى، منها مهن الصحة والمحامين والصحافيين، علاوة على الأساتذة الجامعيين والمهندسين الذين سبق ذكرهم.
أما التحدّي الذي يواجهه الحراكان العراقي واللبناني في المجال التنظيمي، فيقوم أولاً على تمكّن الجماعات المهنية في البلدين من تثبيت عملها المشترك في إطار تنسيقي واحد على شاكلة «تجمّع المهنيين السودانيين». وقد خطت الجماعات المهنية اللبنانية خطوة أولى في هذا الاتجاه، بقي أن نرى إذا تتمكّن من تثبيتها وتطويرها لترتفع بسرعة مضاعفة إلى مستوى النضج التنظيمي والسياسي الذي بلغه المهنيون السودانيون بعد سنتين من تشكيل تجمّعهم. ويقوم التحدّي ثانياً على توسيع إطار التجمّع ليشتمل على نقابات عمّالية مستقلة على غرار ما حصل في السودان وهو الأمر الأكثر حيوية في تحويل الحراك إلى قوة اجتماعية واقتصادية منظّمة عظيمة الشأن.
هذا بالنسبة للتحدّي التنظيمي. أما التحدّي السياسي فإن خطورته تفوق خطورة ذلك الذي واجهه الحراك السوداني، إذ أن العراق ولبنان يشتركان بارتكاز النظام السياسي فيهما إلى الطائفية، وهي سلاح خطير بيد الجماعات الحاكمة تستخدمه لتقسيم صفوف الشعب وفرض هيمنتها عليه. ومن المؤكّد أن القوى المستندة إلى الطائفية أساساً لوجودها ونشاطها سوف تبذل قصارى جهدها لإجهاض الحراكين العراقي واللبناني اللذين يشكّلان أعظم تحدٍّ واجهته تلك القوى في تاريخها. وينضاف إلى ذلك أن الخريطة السياسية في البلدين تسودها أحزاب وجماعات طائفية لا يمكن تشكيل تحالف واسع معها على غرار «قوى إعلان الحرية والتغيير» في السودان، الأمر الذي يحتّم أن تبقى قيادة الحراكين مستندة بصورة أساسية على النقابات والجماعات المهنية، بلا أحزاب سياسية، بغية المحافظة على وحدتها واستقلاليتها وزخمها.
كاتب وأكاديمي من لبنان
يتحدث عن النموذج السوداني وكأنه حقق الفوز النهائي في مجال الثورة الشعبية ؛ بصرف النظر عن ما يقوم به العسكر في الخفية بالتواطؤ مع محاور الشر ؛ بعد كل تلك (الانجازات العظيمة) التي يتخيلها الكاتب ما زال الوضع المزري للفقراء في السودان حتى أسوأ بأضعاف من المقابل في العراق ولبنان اللذين يحاول أن (يقارنهما ) بالنموذج السوداني !!؟؟
سيد محمد على .. الكاتب يتحدث عن تنظيم الاحتجاجات الشعبية والقدرة على توظيفها وبشكل متصاعد نحو هدف واحد وهو اسقاط النظام .. لم يدع احد ان الثورة حققت الفوز النهائى او انها تمكنت من اسقاط النظام بشكل كامل .. الطريق ما زال طويل ويحتاج الى صبر و عمل كبير
لا مجال للمقارنة بين الحراك في لبنان والحراك في السودان : لأسباب عديدة من أهمها أن مزايا السلطة والثروة في لبنان كانت منذ “الإستقلال” موزعة على رؤساء الطوائف، ولذلك لم يتدخل عسكر لبنان في تشكيل السلطة بعكس الوضع في السودان تماما
الي محمد علي ” نعم الثوره السودانيه لم تكتمل ولكنها تسير في الطريق الصحيح حني النصر . ثانيا ان الكاتب لم يتكلم عن قوة الاقبصاد السوداني بل في قوة المثل السودني في تغيير الانظمه الفاسده والخطوات التي اتبعت . اما الاوضاع السيئه والفقر فهذا ماقامت الثوره من اجله واول الخطوات هي ازالة الانظمه العفنه القاسده .تحياتي .
الى ابراهيم صديق ؛ أولا الكاتب يخلط بين دور «قوى إعلان الحرية والتغيير» وبين دور «تجمّع المهنيين السودانيين» : هناك عناصر من الأخير لا توافق على (طموحات) الأول وبالعكس ؛ ناهيك عن دور الحزب الشيوعي السوداني في هذه الحالة ؛ ثانيا ومع ذلك يتحدث الكاتب عن هكذا أدوار كالعادة مغفلا إغفالا تاما أهم دور جذري في الانتفاضة السودانية ألا وهو دور الشعب ؛ تحياتي لك أيضا !!
شكراً للكاتب إضاءته لأوجه الشبه و الاختلاف بين الثورات و ظروفها في العراق و لبنان و السودان.
اختلفت طبيعة أنظمة الاستبداد لكنها اتفقت في استغلال شعوبها و تقديم موارد أوطانها على طبق من فضة للدول ذات المصلحة.
كذلك اتحدت مصائر الشعوب المظلومة و أهدافها في نيل حقوقها. و الحكمة هنا في الاستفادة من تجارب الثورات التي قطعت مرحلة اكثر تقدماً، و ثورة الأهل في السودان خير مثال.
لكمخ يا أهل السودان كل التمنيات بالنجاح و لو أن الطريق طويل و شاق، لكنكم تستحقون و ستنالون ما تريدون عاجلاً او آجلاً.
كلم الخير و التوفيق يا أهل العراق و لبنان. كل الثقة بكم.
شكراً للكاتب إضاءته لأوجه الشبه و الاختلاف بين الثورات و ظروفها في العراق و لبنان و السودان.
اختلفت طبيعة أنظمة الاستبداد لكنها اتفقت في استغلال شعوبها و تقديم موارد أوطانها على طبق من فضة للدول ذات المصلحة.
كذلك اتحدت مصائر الشعوب المظلومة و أهدافها في نيل حقوقها. و الحكمة هنا في الاستفادة من تجارب الثورات التي قطعت مرحلة اكثر تقدماً، و ثورة الأهل في السودان خير مثال.
لكم يا أهل السودان كل التمنيات بالنجاح و لو أن الطريق طويل و شاق، لكنكم تستحقون و ستنالون ما تريدون عاجلاً او آجلاً.
كل الخير و التوفيق يا أهل العراق و لبنان. كل الثقة بكم.
لا شك ان الخطوة التي يقطعها السودان للوصول الىً التحرر الناجز وإقامة الديمقراطية خطوة مهمة وديناميكية والمهم هو ابعادها عن محاور الشر المتمثلة في قوى الثورة المضادة وفينا يتعلق باليات تنسيق الحراك السوداني يمكن بالفعل الاستفادة منه في العراق ولبنان على الأقل لخلق حراك مدني جماهيري بعيدا عن تاثيرات زعماء الطوائف وهي فرصة حقيقية للتخلص من الوباء الطائفي الذي يضرب البلدين بسب نظامهما السياسي