من يراقب المنعطفات السياسية المتعاقبة التي اختص بها الزعيم العراقي مقتدى الصدر يُصاب بالدوار والدوخة. فمنذ أن سطع نجمه إثر الاجتياح الأمريكي ـ البريطاني للعراق في عام 2003 وولوجه الميدان السياسي، وزعيم التيار الصدري يتصرّف كأنه يقود لعبة الكراسي مع أنصاره: يصفق فيركضون حول الكراسي (في هذه الحال، قد تكون كراسي برلمانية أو حتى وزارية)، ثم يتوقف فجأة عن التصفيق فيتوقفون عن الركض ويجلس من استطاع منهم على ما توفّر لديه.
وقد بدأت آخر حلقة في هذه اللعبة في شهر نيسان/ أبريل الماضي، عندما أعلن الصدر اعتكافه السياسة بعد إعلانات مماثلة كادت لا تُحصى خلال العقدين المنصرمين. كان ذلك احتجاجاً على رضوخ القوى السياسية الأخرى لضغوطات «الإطار التنسيقي»، أي تحالف القوى الشيعية الموالية لإيران، الذي شكّله خصم الصدر اللدود، نوري المالكي، وقد ضغطوا بقوة من أجل فرض شروطهم في مجلس النواب والحكومة التي كان تشكيلها مزمعاً. ثم أوعز الصدر إلى أنصاره في حزيران/ يونيو بالاستقالة من مجلس النواب، وحرّضهم من خلال صلاة الجمعة على الاحتشاد، الأمر الذي كاد يؤدي إلى انفجار نزاع مسلّح بينهم وأخصامهم من القوى المنضوية في «الإطار التنسيقي». وما لبث أن أعلن الصدر في شهر آب/ أغسطس اعتزاله «النهائي» للسياسة، وكأن اعتكافه السابق كان مؤقتاً، ليس إلا.
وها أن الزعيم العراقي الذي يبدو كأنه أبدي الشباب، خلقياً وإن لم يكن جسدياً تماماً، يبثّ خطبة جمعة مقتضبة بمناسبة صلاة الأسبوع الماضي، خطبة لم يقتصر على حثّ أنصاره فيها على الاستمرار على صلاة الجمعة وحسب، بل أكد على أن هذه المناسبة الأسبوعية تزرع في قلوبهم شتى القيم السياسية الأخلاقية التي يتغنّى بها، بما فيها «بُغض الاحتلال والاستعمار وأفكاره وأتباعه». وقد أضاف «فكذب من قال إن المقاومة ليست من أولويات وثوابت مرجعنا الصدر» في ردّ شبه مباشر على فرقاء «الحشد الشعبي» الموالين لطهران، الذين يبررون كل أفعالهم بادّعائهم احتكار «المقاومة».
والحال أن هذه الأخيرة و«الممانعة» باتتا عنوانين رئيسيين تحاول إيران باسمهما إضفاء شرعية وطنية على سياسات تندرج بالدرجة الأولى في مسعى إمبراطوري توسّعي اتخذ ألواناً مختلفة على مرّ الزمن، لكنّ فحواه ظل مماثلاً. (ويكفي لمن يعتقد بسذاجة أن مسعى «الجمهورية الإسلامية» ديني أو مذهبي أو مقاوم بصورة خالصة أن يتمعّن في احتجاج طهران على تسمية الخليج بالعربي في مباراة «كأس الخليج العربي» الجارية في العراق، وذلك من باب الإصرار على فارسيته!)
«المقاومة» و«الممانعة» باتتا عنوانين رئيسيين تحاول إيران باسمهما إضفاء شرعية وطنية على سياسات تندرج بالدرجة الأولى في مسعى إمبراطوري توسّعي اتخذ ألواناً مختلفة على مرّ الزمن، لكنّ فحواه ظل مماثلاً
وقد رأى المراقبون في خطبة الصدر ودعوته إلى الاحتشاد في صلاة الجمعة دلالة على عودة إشارته الضوئية إلى اللون الأخضر، بعد الأحمر. وخمّنوا أن الصدر ينوي هذه المرة تنظيم احتشاد أنصاره من خلال صلوات الجمعة بإضفاء لون ديني على ولوجه الميدان السياسي من جديد، بعد مرار عديدة. أما سبب عودة الصدر إلى التحرك في هذا الوقت بالذات فيقدّر المراقبون أن يكون سببه ازدياد الامتعاض لدى شركاء «الإطار التنسيقي» في «تحالف إدارة الدولة» الحاكم في العراق (وهو بالأحرى تحالف تقاسم المناصب والمغانم بين معظم التكتلات السياسية الرئيسية)، امتعاض أولئك الشركاء من اغتنام تكتل أنصار إيران لنفوذه على حكومة محمد السوداني من أجل تعزيز هيمنته على الأجهزة الحكومية، الأمنية منها على وجه الخصوص. هذا فضلاً عن انقسامات قيل إنها نشبت في صفوف جماعة المالكي، المسماة «ائتلاف دولة القانون»، من باب المجاز بلا شك.
أما الحقيقة التي لا تُخفى على الجماهير العراقية فهي أن هذه الألاعيب بين أطراف الطبقة الحاكمة إنما هي مسخٌ للسياسة بمعناها السامي، التي يُفترض بها أن تدور حول السهر على شؤون الناس وتلبية حاجاتهم وحاجات إعمار البلاد. بل لا تعدو هذه الألاعيب كونها حلقات في عملية توزيع سبل نهب موارد الدولة بين الأطراف المذكورة، مع إلهاء الشعب بما يبغون أن يوحوا له أنه صراع لا بدّ من أن يتحمّسوا له، كلٌ لفريقه أو فريق مِلّته، على غرار تحمّس الناس لفريق بلادهم في بطولات كرة القدم. ومثلما حدث في لبنان، فإن ثورة 2019-2020 التشرينية جرى اصطحاب قمعها بالسعي وراء احتوائها في متاهات «السياسة» التقليدية وإلهاء الجماهير بالمشاحنات بين أعضاء وجماعات الطبقة الحاكمة. لكنّ العراقيين والعراقيات سئموا تلك الألاعيب، كما تبيّن من انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات النيابية لعام 2021 إلى أقل من النصف (41 في المئة)، على الرغم من تنافس بالغ الاحتدام بين مختلف الكتل وعلى الأخص بين الخصمين المذهبيين الشيعيين.
وفي العراق كما في لبنان، تتأكد مع كل يوم يمرّ الحاجة الماسة والصارخة إلى ظهور تيار منظم ذي مصداقية، يمثل مصالح الشعب الحقيقية، نابذاً التفريق المذهبي والمحاصصة الطائفية وداعياً إلى ديمقراطية فعلية قائمة على المواطنة والمساواة في الحقوق وخضوع النواب للناخبين بدل العكس القائم، وإلى رقابة شعبية على تسيير الاقتصاد درءًا للفساد المستشري ولنهب خزينة الدولة بحجة إدارتها، وضبطاً لفلتان السوق التي يتفاقم اختناق الشعب كلما زادت حريتها المزعومة.
كاتب وأكاديمي من لبنان
ويجلس من استطاع منهم على ما توفّر لديه – والأنسب:
ويجلس من استطاع إليه سبيلا
(أيضا: خير الكلام ما قل ودل!)
(وفي العراق كما في لبنان، تتأكد كل يوم الحاجة الماسة إلى ظهور تيار منظم ذي مصداقية، يمثل مصالح الشعب الحقيقية، نابذاً التفريق المذهبي والمحاصصة الطائفية وداعياً إلى ديمقراطية فعلية قائمة على المواطنة والمساواة في الحقوق وخضوع النواب للناخبين بدل العكس القائم) ،،،،، اه
بالمختصر الشديد والمفيد، ما تنشده هنا بإلحاح، يا أخ جلبير، إنما يدخل في نطاق ذلك المثل الشهير الذي يقول: “أمل إبليس في الجنة” !!
الشعب العراقي مخدوع بهؤلاء السياسيين الذين اوهموه بانهم حكومات وطنية جاءت من رحم الروح الوطنية العراقية من اجل خدمة الشعب العراقي واخفوا عنه عمالتهم حتى ثمالتهم لامريكا ولولا قيام امريكا باخذ البنك المركزي منهم لبقيت عمالتهم لها خلف الكواليس غير ان قيام امريكا بسحب منبر السياسة المالية من الحكومة كشف بما لا يقبل الشك للعراقيين والعالم ان حكوماتهم بعد العام 2003 انماهي حكومات تابعة لامريكا بشكل كامل فلا سيادةبيدها ولا استقلال تحت نفوذها وانها توهم الشعب بكلام براق ووعود مدافة بسم التبعية والاحتلال الامريكي الذي كان يكيل لهم باموال العراقي بلا حساب لتلهيهم وتغريهم في نهبها اولا لتدمير الاقتصاد العراقي ودفعهم بهذه الاموال الطائلة الى الاهتمام بمصالهحم الشخصية والفئوية وهمال المصلحة العامة لتدمير شؤون الحياة العامة في العراق وترك الشعب في دوامة من العوز والفقر لخدم غاياتها ونفوذها في المنطقة وان ايران احد اهم الادوات لتنفيذ مخططات امريكا في المنطقة ان كانت تدري ايران او لا تدري