العراق ومعضلة العقوبات الأمريكية على إيران

لقد فشلت الحكومة العراقية في التعامل مع ملف العقوبات الأمريكية على ايران، على الرغم من الإعلان المبكر عن طبيعة هذه العقوبات وتوقيتاتها. لم تكن الحكومة العراقية بحاجة لتبرير موقفها لدى الجانب الامريكي من أجل اقناعهم باستحالة التزامها بهذه العقوبات، بسبب التشابك الشديد بين المصالح الاقتصادية العراقية والايرانية. تحديدا في ملف الغاز، إذ يعد العراق ثاني أكبر مستورد للغاز الايراني، وتبعا لأرقام العام 2017 فان العراق يستورد نحو 14 مليون متر مكعب من الغاز الايراني يوميا، وتعتمد محطات انتاج الكهرباء الغازية في العراق، التي تنتج ما يقرب من 47٪ من الكهرباء، اعتمادا كبيرا على الغاز الايراني، وهذا يعني ان أي التزام بالعقوبات الامريكية سيؤدي إلى حرمان العراق من نصف انتاجه من الكهرباء تقريبا! إذ يستورد العراق ما يزيد عن 1.3 ميغاواط من إيران، وليس بإمكانه الاستغناء عن هذا الكم، خاصة أن شحة الكهرباء هي السبب الرئيسي في حركة الاحتجاج الأخيرة! كما أنه ليس من السهل شطب التبادل التجاري الكبير والذي يصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار سنويا، بقرار سياسي فوري! بل العكس تماما تبين اليوم بعد زيارة الرئيس العراقي مؤخرا لايران واعلانه زيادة حجم التبادل التجاري مع ايران خلال لقائه الرئيس الايراني. وتصريح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بان العراق لن يلتزم بالعقوبات على ايران على اعتبار انها عقوبات غير اممية.

الوقائع على الأرض تثبت أن التبادل التجاري بين العراق وإيران لم يتأثر كثيرا بقرار العقوبات هذا، وان الأسواق العراقية ما زالت تزدحم بالبضائع الايرانية، مع ان البنك المركزي العراقي أوقف التعامل مع البنوك الايرانية

وبعيدا عن العوامل الاقتصادية البحت، تعي الولايات المتحدة تماما طبيعة التدخل السياسي الايراني في العراق، لاسيما أنها تواطأت على هذا التدخل خلال السنوات الماضية او بالاحرى استسلمت له، وهي تعي تماما أنه لا يمكن انهاء هذا الوضع بقرار سياسي أيضا! وقد بدا واضحا للأمريكيين من خلال الصراع الامريكي الايراني حول تشكيل التحالفات، وتشكيل الحكومة الاخيرة، أن الدور الايراني في العراق ليس من السهل استئصاله او حتى تحييده على المدى المنظور بأي حال من الأحوال! من هنا وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة بعد دخول العقوبات حيز التنفيذ في 4تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إلى استثناء العراق من هذه العقوبات لمدة 45 يوما، ثم اضطرت مرة أخرى إلى تمديد هذا الاستثناء لمدة 90 يوما اخرى. وإذا كان الاستثناء قد شمل قطاعي الغاز والكهرباء حصرا، إلى أن الوقائع على الأرض تثبت أن التبادل التجاري بين العراق وإيران لم يتأثر كثيرا بقرار العقوبات هذا، وان الأسواق العراقية ما زالت تزدحم بالبضائع الايرانية، مع ان البنك المركزي العراقي أوقف التعامل مع البنوك الايرانية! وهو ما يعني أن ثمة آليات أخرى يتم التعامل بها للتحايل على العقوبات الأمريكية بعيدا عن الإعلانات الرسمية!
يبدو من السذاجة بمكان التفكير بأن العراق بإمكانه التعاطي مع العقوبات الأمريكية، كما يبدو من السذاجة التفكير في أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى فرض عقوبات على العراق بسبب ذلك! والاطراف الثلاثة: العراق والولايات المتحدة وإيران جميعها تدرك هذه الحقيقة جيدا، ولكنها ليست مستعدة للاعتراف بها علنا. فلا يمكن لعاقل التفكير بإمكانية الفصل بين التأثير الايراني في العراق على المستوى السياسي عن العلاقات الاقتصادية والتجارية! كما لا يمكن لعاقل التفكير بأن إدارة ترامب مستعدة لإدخال العراق في دوامة اخرى من عدم الاستقرار سيصل اليها لا محالة في حال تنفيذ عقوبات ضده بسبب عدم التزامه بالعقوبات الأمريكية ضد إيران. كما انه من السذاجة بمكان تخيل بأن الحكومة العراقية الحالية، المدعومة من تحالف البناء بالدرجة الأساس، والتي جاءت بدعم ايراني صريح، يمكن أن تنفذ العقوبات الأمريكية الصارمة ضد إيران! لذلك فان مواجهة هذه المعضلة بالنسبة للولايات المتحدة تحديدا لهذه المعضلة هو الاستمرار في اللعبة المزدوجة التي مارستها الاطراف الثلاثة معا في العراق خلال المرحلة السابقة! أي الاستمرار بلعبة التواطؤات، والتنسيق من الباطن، مع استمرار الخطابات العدائية على حالها!

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Kamal-UK:

    I totally agree with you. The sanctions imposed on Iran will never work because of Iraq’s dependence on Iranian energy supply, and trade in general. It’s a big mess that the Americans created in the first place, and they don’t seem to know how to deal with it!!! That’s why Iraq doesn’t have a promising future when it comes into economy or living standards

  2. يقول تيسير _ ليبيا:

    هكذا تكون السياسة ، التكامل الاقتصادى وتبادل المصالح هى مفتاح الوحدة والسلام بين الشعبين ، وهكذا فعلت اوروبا للتغلب على مرارة العداوة والحروب بين دولها ، وتستفيد ايران والعراق بنفس الطريقة ، اتمنى ان تكون هكذا العلاقة مع باكستان وتركيا ، وبذلك يتم تبادل المصالح بين هذه الشعوب وايجاد شبكة مصالح ل 400 مليون نسمة ، واعطاء القدوة للاعراب لعلهم يتعظوا ويتوقفوا عن المراهنة على امريكا.

إشترك في قائمتنا البريدية