بغداد-“القدس العربي”: في انعكاس لانهيار الأوضاع الاقتصادية في العراق، صوت مجلس النواب، على مشروع قانون الاقتراض الداخلي والخارجي لتمويل العجز المالي لعام 2020 في وقت لم تقدم حكومة بغداد ميزانية العام الحالي حتى الآن في مخالفة صريحة للدستور، وصورة للفوضى المالية السائدة في البلد.
والقانون الجديد سيتيح للحكومة العراقية، الحصول على قروض بمبلغ خمسة مليارات دولار من البنوك الخارجية و15 ترليون دينار (نحو 13 مليار دولار) من البنوك المحلية. وقد أقر الرئيس العراقي برهم صالح، عند مصادقته على قانون الاقتراض، بأن هذا الإجراء “يأتي للخروج من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد في ظل تفشي جائحة كورونا، وتدني أسعار النفط، لتمويل رواتب الموظفين والمتقاعدين والنفقات الحكومية الضرورية” مشددا على وجوب ترشيد الإنفاق الحكومي.
وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي كشف في مؤتمر صحافي أن حكومته التي تشكلت قبل نحو شهرين، استلمت خزينة خاوية من حكومة عادل عبد المهدي السابقة، وسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة، جراء تفشي كورونا وانهيار أسعار النفط عالميا، إضافة إلى ضياع موارد الدولة على يد مافيات الفساد التابعة لأحزاب السلطة وسوء الإدارة. فيما أعلن وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، توجه الحكومة العراقية للاقتراض من البنك الدولي لمعالجة الأزمة المالية، لافتا إلى “حاجة العراق لـ 7 تريليون ونصف ترليون دينار (نحو 6 مليار دولار) للنفقات التشغيلية”.
تحذيرات من تراكم الديون
وقوبل قرار البرلمان بحملة انتقادات واعتراضات واسعة لكون القروض الجديدة تكبل العراق بمزيد من الديون وفوائدها المتراكمة على كاهل الجيل الحالي والقادم.
عضو اللجنة المالية النيابية محمد الدراجي، أشار إلى “ان 75 في المئة من القرض جاء لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين لمدة ثلاث أشهر المقبلة فقط، ولا أحد يعلم كيف ستتصرف الحكومة بعدها” مبينا أن اللجنة المالية النيابية طلبت من وزير المالية علي علاوي، إعداد خطة إصلاح مالي للفترة المقبلة لإيجاد حلول لهذه الأزمة المالية، على أن تقدم الحكومة ميزانية 2020 في نهاية تموز/يوليو الحالي، والتي كان يفترض أن تقدم في بداية السنة الحالية.
وأكد الدراجي في لقاء تلفزيوني “أن الحكومة في واد والبرلمان في واد آخر حول الإصلاحات المالية، وهي لا تستمع للنصائح لذا نلجأ للإعلام لهذا الغرض، وعندما تقترض الحكومة لدفع رواتب موظفيها فهذه ليست دولة” مشددا بأن هناك إجراءات على الحكومة القيام بها لمواجهة المشكلة وأن تستعين بأصحاب الخبرة، حيث هناك حلول آنية يمكن للحكومة أن تلجأ إليها منها تحريك الأوضاع المعيشية المنهارة لكل الشعب، من خلال تنشيط المشاريع الزراعية والصناعية، ومنع الاستيرادات التي دمرت البلد، والسيطرة على سوق العملة الصعبة وواردات المنافذ الحدودية وغيرها من الحلول العاجلة”.
عضو اللجنة المالية البرلمانية محاسن حمدان، أشارت إلى أن “هناك ملاحظات كثيرة على مشروع القانون، كما أن هناك اعتراضات وخلافات على قضية لجوء العراق إلى القروض الخارجية”. وأضافت حمدان أن “هناك رأيا في البرلمان بضرورة وجود سبب لتقديم هكذا قروض، وتحديد المبلغ المطلوب والجهات التي سيقدم لها الطلب” محذرة من “ترك الصلاحية للحكومة العراقية مفتوحة باختيار أية جه تقترض منها وفترة السداد ومقدار المبلغ الذي تريده ومقدار الفائدة”.
وسبق لعضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ماجدة التميمي، أن أعلنت ارتفاع ديوان البلاد الداخلية والخارجية إلى 119 مليار دولار. وكشفت التميمي في تصريح صحافي، أن “مجموع الديون الداخلية والخارجية التي بذمة العراق هو 119 مليار دولار من بينها 80 مليار دولار مجموع الديون الخارجية” مبينة ان “مجموع الديون كانت 107 مليار دولار إلا أنه بعد القرض البريطاني المقدر بـ 12 مليار دولار أصبح مجموع الديون 119 مليار دولار”. وأعربت التميمي عن “تخوفها من أن تذهب القروض الأخيرة التي يقترضها العراق، لجيوب الفاسدين”.
وكشف عضو اللجنة المالية النيابية أحمد مظهر الجبوري لجريدة “الصباح” الرسمية إنه “سبق للجنة أن أوقفت الديون وخاصة الخارجية في موازنة 2019″ وان الديون بلغت حاجز 125 مليار دولار، واصفا هذا الرقم بـ”الخطر والمخيف على المستقبل الاقتصادي للعراق”.
تحذيرات دولية
وتشير توقعات الخبراء الاقتصاديين والماليين والمنظمات المالية الدولية، إلى أن تفاقم الديون العامة التي تصل إلى 125 مليار دولار أصبح يعادل 56 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب القروض السابقة، إضافة إلى تداعيات أزمة كورونا العالمية، وانخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى ان يكون التصنيف الائتماني الدولي للعراق متدنيا، حيث حصل على درجة “بي سالب” من قبل وكالة فيتش ووكالة ستاندرد آند باورز، وذلك جراء فقدان الثقة بالسياسة الاقتصادية لحكومة بغداد، والتي أدت إلى ضياع معظم القروض من دون تحقيق الهدف المعلن منها، وهو اعادة البنية التحتية للاقتصاد والاستثمار في مجالات منتجة وإعمار المدن المحررة وغيرها، وهو ما أدى إلى تراكم فوائد الديون وزيادة أعباءها على الحكومات المتتالية.
وكان رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للعراق كرستيان جوز أكد عام 2017 أن ديون العراق ارتفعت بنسبة 64 في المئة خلال 2014 إلى 2016 فيما وصف القروض لدى المصارف الحكومية بالمتعثرة.
وقال جوز في بيان صحافي: “إن العراق يتضرر تضررا شديدا بسبب الصراع مع تنظيم داعش الإرهابي، والانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية منذ عام 2014” موضحا أن مجموع الدين العام ارتفع من 32 إلى 64 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2014-2016. وتباطأ نمو الائتمان وارتفعت القروض المتعثرة لدى المصارف المملوكة للدولة والمصارف الخاصة بشكل كبير في عام 2016.
وأشار جوز إلى أن “هناك حاجة إلى المزيد من الإصلاحات لخلق حيّز مالي للنمو الشامل، وتعزيز بيئة الأعمال، والحد من الفساد، وإصلاح القطاع المصرفي لدعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص، والتنويع في الاقتصاد” محذرا من “بقاء المخاطر مرتفعة” و”هذا ينبع بشكل أساسي من عدم اليقين المحيط بآفاق أسعار النفط، والوضع الأمني، وعدم التيقن السياسي، ومواطن الضعف الإدارية للحكومة”. وحسب صندوق النقد الدولي فإن ديون العراق تفاقمت خلال السنوات الماضية حيث ارتفعت في العام 2017 إلى 122.9 مليار دولار.
وتعليقا على تقرير “النقد الدولي” حول وصول الديون العراقية إلى مستويات خطيرة، أكد رئيس ائتلاف الوطنية أياد علاوي، أن الملف الاقتصادي أخطر من الملف الأمني في العراق والاقتصاد العراقي متدهور ووصل إلى مديونية هائلة غير متوقعة أبدا، منوها إلى أن هناك سوء إدارة وفسادا وما لم يتم تدارك الأمر سنصل إلى نقطة الإفلاس.
وعد علاوي في لقاء تلفزيوني تابعته “القدس العربي” ان تقرير “النقد الدولي هو تحذير واضح للعراق، وانه مطالب بتسديد أقساط من الديون الخارجية التي وصلت إلى 125 مليار دولار ولكنه ليس لديه أموال لدفعها” مؤكدا أن التضخم النقدي بلغ مديات خطيرة (50 – 60 في المئة) وهذا غير مقبول، مبديا استغرابه لأن العراق ليس لديه هيئة اقتصادية ذات خبرات مالية لإدارة السياسات النقدية والمالية والاقتصاد، رغم وجود خبرات وطنية جيدة ولكنهم أبعدوا عن هذه المهمة. ودعا علاوي إلى “ضرورة الاستعانة بالخبرات الدولية لايجاد حلول لتدهور الاقتصاد العراقي، بسبب الفساد وسوء الإدارة للمرافق الحكومية”.
ويتفق خبراء الاقتصاد على ان التوجه نحو الاقتراض فقط لسد العجز في الميزانية هو خيار سيئ لحكومة بغداد، وهو معالجة آنية وليست طويلة المدى، ستبقي البلاد تحت قيود وأعباء خدمة الديون وفوائدها، على حساب تعطيل التنمية في البلد، من دون الاهتمام بمجالات حيوية للنهوض بالاقتصاد، ومنها استرداد الأموال العراقية (المنهوبة) من قبل الأحزاب في الخارج، والسيطرة على موارد المنافذ الحدودية، وايقاف هدر سوق العملة الأجنبية، ومراجعة اتفاقيات التراخيص مع شركات النفط الأجنبية، ومحاربة مافيات الفساد، وتنشيط الزراعة والصناعة، إضافة إلى ترشيد الانفاق الحكومي.
وفي خضم هذه الفوضى المالية، يقف البنك المركزي، المسؤول عن السياسة النقدية في العراق، متقاعسا عن وضع معالجات وحلول للأزمات المالية المزمنة منذ سنوات، حيث أن السياسة المالية لحكومات ما بعد 2003 لم تقم على أساس تنمية الاقتصاد الكلي، رغم اتساع وتنوع مجالاته، وإنما ركزت على الصادرات النفطية لتغطية الجانب التشغيلي (الرواتب والنفقات) في الموازنات العامة، وهذه السياسة لن تمكن حكومة مصطفى الكاظمي ولا غيرها، من تجاوز أزماتها المعقدة، بل ستعزز هيمنة منظومة الفساد التابعة لأحزاب السلطة على موارد الدولة العراقية.
خلي تضرب امريكا والغرب من نفط وثروات العراق دون مقابل