بغداد ـ «القدس العربي»: ما إن تجاوزت عقارب الساعة الـ12 بعد منتصف ليلية الأحد ـ الإثنين، حتى شرع المتظاهرون في العاصمة العراقية بغداد بإغلاق أغلب الطرق والشوارع والتقاطعات الرئيسية في العاصمة بغداد، مستخدمين الإطارات المحترقة، تزامناً مع انتهاء المهلة التي منحها المحتجون للحكومة لتلبية مطالبهم، ما استدعى رداً من القوى الأمنية أوقع قتلى وإصابات.
وترك المتظاهرون ساحات الاحتجاج والاعتصام وتوجهوا لغلق الطرق الرئيسية بين المحافظات وبين البلدات والمدن، وإغلاق الشوارع الرئيسية والجسور، ما أدى لشل حركة المرور بأجزاء واسعة وسط وجنوبي العراق.
وشمل إغلاق الطرق 9 محافظات هي: بغداد، بابل، كربلاء، النجف، ميسان، المثنى، الديوانية، ذي قار والبصرة، وتصاعد الدخان الأسود من إطارات محترقة.
وقالت مصادر أمنية وطبية إن ستة عراقيين بينهم شرطيان لقوا حتفهم وأصيب العشرات في العاصمة بغداد ومدن أخرى خلال اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وأضافت أن ثلاثة من المحتجين توفوا في المستشفى متأثرين بالجروح التي أصيبوا بها بعد أن أطلقت الشرطة الذخيرة الحية في ساحة الطيران في بغداد. وأشاروا إلى أن اثنين أصيبا بأعيرة نارية بينما أصابت الثالث قنبلة غاز مسيل للدموع.
وبينت أن الشرطة قتلت محتجا رابعا في مدينة كربلاء الشيعية المقدسة.
وقالت محتجة في بغداد رفضت الإفصاح عن اسمها «يجب أن يوقفوا (قوات الأمن) إطلاق الرصاص والتصويب علينا. من هم ومن نحن؟ الطرفان عراقيون. لذلك (أسألهم) لماذا تقتلون إخوتكم؟».
وفي مدينة البصرة الغنية بالنفط قالت مصادر أمنية إن سيارة مدنية دهست شرطيين وقتلتهما أثناء الاحتجاجات. وأضافوا أن السائق كان يحاول تفادي مكان الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن عندما صدم اثنين من أفراد الأمن.
وعلمت «القدس العربي» من مصادر متطابقة (صحافية وشهود) أن المتظاهرين تجمعوا على الطريق السريع الحيوي، بالإضافة إلى طريق سريع مطار المثنى وساحة عدن، وعدد من الشوارع والتقاطعات الحيوية في العاصمة بغداد، وأغلقوها بالكامل، مستخدمين الإطارات المحترقة.
ووفق المصادر، فإن الغلق استمر حتى ساعات الصباح الأولى ليوم أمس الإثنين، فيما لم تكنّ حركة المرور كثيفة كما في كل يوم، بسبب عدم خروج أغلب الأهالي إلى الدوام خشية من تصعيد محتمل.
ورغم أن القوات الأمنية لم تتدخل في بادئ الأمر، غير أنها سرعان ما غيّرت من استراتيجيتها، وبدأت باستخدام الرصاص الحيّ وقنابل الغاز المسيل للدموع، لتفريق المحتجين وإعادة فتح الطرق المُغلقة.
وتقول المصادر إن الصدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، تركّزت عند تقاطع الكيلاني وساحة قرطبة وساحة الطيران، القريبة من ميدان التحرير وسط العاصمة، الأمر الذي أدى إلى سقوط عشرات الجرحى، بين صفوف المتظاهرين، فضلاً عن إصابة 14 ضابطاً.
وأعلنت قيادة عمليات بغداد، أمس، في بيان لها، أن «أثناء تأدية قواتنا الأمنية واجباتها لحماية المتظاهرين وتأمين مدخل ساحة التحرير من تقاطع قرطبة، أقدمت مجموعة من مثيري العنف على تخريب أرصفة الشوارع واقتلاع الحجر ورمي القوات الأمنية به».
وأضافت: «أدى هذا الفعل إلى جرح 14 ضابطاً، حيث كانت إصابتهم في الرأس، كما تعرض آمر اللواء الثالث في الفرقة الاولى بالشرطة الاتحادية الى كسر ساق قدمه اليسرى، وتم نقلهم للمستشفيات القريبة». وبينت ان «رغم هذه الأفعال، استمرت قواتنا بضبط النفس ومتابعة واجباتها الأمنية المكلفة بها».
وسبق لقيادة العمليات أن أكدت في بيان سابق أمس، التزامها بـ«توجيهات رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة في حماية المتظاهرين السلميين وتأمين ساحة التظاهر الرئيسية في بغداد (ساحة التحرير) والمناطق المحيطة بها».
إثارة العنف
وأضافت أنها «تهيب بالمتظاهرين السلميين كافة بالابتعاد عن الاحتكاك مع القوات الامنية ومنع المجاميع التي تحاول إثارة العنف من التغلغل داخل ساحة التظاهر».
وجددت عمليات بغداد «شكرها وتقديرها العاليين للتعاون الكبير الذي أبداه المتظاهرون السلميون مع القوات الأمنية طيلة ليلة أمس (الأول) وصباح اليوم (أمس) من مكافحة غلق الشوارع ورفض جميع مشاهد العنف وخرق القانون».
ومن بين الإجراءات الأمنية التي طالت المتظاهرين، هو اعتقال مجموعة حاولت قطع الطريق أسفل جسر محمد القاسم.
عزل العاصمة عن الوسط والجنوب… ومنع الوصول لمنفذ حدودي مع إيران
وقالت القيادة في بيان إن «مجموعة خارجة عن القانون حاولت في تمام الساعة الثامنة والنصف صباح اليوم (أمس)، قطع طريق أسفل جسر 600 على سريع محمد القاسم في منطقة الصليخ».
وأضافت أن «القوات الأمنية توجهت إلى المكان وأعادت افتتاحه»، مشيرا إلى أنها «ألقت القبض على هذه المجموعة وأحالت أفرادها للقضاء».
في حين، قالت خلية الإعلام الأمني (حكومية)، في بيان أمس، إن «قيادة عمليات بغداد فتحت جميع الطرق في بغداد التي حاولت المجاميع العنفية غلقها».
وأعربت الخلية عن شكرها لـ«جهود المتظاهرين السلميين الذين ساهموا ودعموا القوات الأمنية في فتح كافة الطرق ومنع غلقها».
كذلك، أكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة عبد الكريم خلف، أن مجلس الأمن الوطني خول القوات الأمنية باعتقال من يقوم بقطع الطرق وغلق الدوائر.
وقال في تصريح لوكالة الانباء العراقية الرسمية إن «مجلس الأمن الوطني خول القوات الأمنية باعتقال من يقوم بقطع الطرق وغلق الدوائر». ودعا خلف المتظاهرين إلى «الالتزام بساحات التظاهر التي تم تأمينها وعدم الخروج إلى الطرقات وقطعها لتجنب الاعتقالات».
ومساء أول أمس الأحد، أصدر معتصمو ساحة التحرير، بياناً بشأن انتهاء (ملهة الناصرية) جاء فيه: «بعد التسويف والمماطلة وتقصد سلطة الأحزاب وتجاهل مطالب المنتفضين الشجعان، وعدم اختيار رئيس للوزراء يطابق المواصفات التي طرحتها ساحات الاعتصام، والذي بدوره يتعهد بالالتزام بالمهام التي طرحت مسبقاً، واعلن عنها وتعهده بإجراء انتخابات مبكرة».
وأضافت: «نعلن هنا تضامنا بالخطوات التصعيدية التي بادرت بطرحها مهلة الناصرية (مهلة وطن) ووفق ما حددته المرجعية الرشيدة في خُطبها السابقة، ونحمل كافة المسؤولية والتبعات لأحزاب السلطة الفاسدة ولما سيحصل مستقبلاً من تعطيل حياة مواطنينا الأفاضل، وهنا نؤكد ونكرر أننا ملتزمون بالتصعيد السلمي، والسلمي فقط، ونعلن رفضنا القاطع عن أي ممارسات فردية وغير منضبطة تسيء مشاعر الكثير من العراقيين بقصد إثارة الفتنة أو شق الصفوف، أو إعطاء ذريعة لإستهداف سلميتنا وإخوتنا المعتصمين في ساحات الاعتصام أو أخذ عراقنا الحبيب إلى منزلقات او هاويات لا تحمد عقباها، وقد أكدنا مراراً و تكراراً عبر بيانات سابقة موقفنا تجاه كافة العراقيين والعراق الحبيب، فنحن نحمل قضية هي (قضية وطن) لا قضية فتنة وخراب».
وشمل التصعيد محافظة بابل، التي تعد بوابة الطريق من العاصمة بغداد إلى محافظات الوسط والجنوب، حيث قام المتظاهرون بغلق الطريق الدولي، تضامناً مع مطالب المحتجين بمختلف المدن العراقية.
وكان المحتجون ينوون الإقدام على قطع الطرق داخل المحافظة، غير أن إعلان الحكومة المحلية يوم الاثنين عطلة رسمية، دفعهم إلى تغيير خطتهم والتوجه صوب الطريق الدولي السريع وقطعه.
وفي كربلاء أيضاً، قطع المحتجون عدداً من الطرق والشوارع الرئيسية في المحافظة، أبرزها جسر الضريبة وسريع حي رمضان وسط المدينة، أمام حركة سير العجلات.
كما أغلق المتظاهرون في النجف، شارع مطار النجف الدولي والطريق الذي يربط المحافظة بكربلاء.
وقالت مصادر إن المحتجين أغلقوا أغلب الطرق الرئيسية والفرعية في النجف من خلال حرق الإطارات، كما أغلقوا الطريق المؤدي إلى مستشفى ابن بلال في قضاء الكوفة.
وفي المثنى، قُطعت الطرق والشوارع في منطقة الرميثة، فيما تجمع المحتجون وحرقوا إطارات في تقاطع القشلة بالسماوة وطريقا عاما في قضاء الخضر جنوب المثنى، وغلق الجسر الكونكريتي وسط السماوة، في موازاة خروج تظاهرات طلابية واسعة أدت إلى غلق مبنى التربية في قضاء الرميثة.
قطع طرق
وبالإضافة إلى ذلك، أقدم المحتجون على قطع طريق (كوت ـ بدرة) المؤدي الى منفذ مهران الحدودي مع إيران، من خلال إضرام النيران في الإطارات.
قطع الطرق شمل أيضاً محافظتي واسط وميسان، حيث أغلق المحتجون جميع مداخل المحافظتين، حسب المصادر.
ورغم حدّة التصعيد في تلك المحافظات، لكن ذي قار تصدرت المدن العراقية في التصعيد، فبعد أن شهدت المحافظة تظاهرات ليلية، أقدم مجهولون يقلون أربع سيارات (ذات دفعٍ رباعي)، بإطلاق النار على المتظاهرين، الأمر الذي تسبب بسقوط 9 جرحى.
من جهتها، كشفت قيادة شرطة ذي قار، أمس، عن ملاحقة قواتها 3 عجلات أطلق مسلحون فيها النار على المتظاهرين وأصابوا عدداً منهم.
وذكر بيان للقيادة، «حدث إطلاق نار ليلة 19 / 20 كانون الثاني (يناير) 2020 في صوب الجزيرة بالقرب من (مقبرة الصابئة) وعلى الفور تصدت قواتنا المرابطة بالقرب من محل الحادث، حيث وجه قائد شرطة ذي قار عبر أجهزة اللاسلكي مزيدا من القوات لدعم ومساندة القوة المرابطة بالقرب من مكان الحادث وبمتابعة وإشرافه شخصيا حيث تم مطاردة السيارات عدد 3 عجلات نوع (بيك أب) والتصدي لهم».
وأضاف أن «قوة من شرطة النجدة توجهت لنقل المصابين من المتظاهرين للمستشفى لغرض التداوي والذين تعرضوا لاطلاق نار اثناء تواجدهم على أطراف الجسر السريع في صوب الجزيرة من مدينة الناصرية».
بحث وتفتيش
وتابع البيان أن «المتظاهرين أكدوا أن العجلات المشتبه بها اطلقت النار عليهم ولاذت بالفرار حال وصول الشرطة»، مبيناً أن «الجهات الأمنية المختصة تواصل إجراء البحث والتفتيش والتحري وجمع المعلومات للتحقيق والكشف عن الجناة».
وأكدت أن «المتظاهرين المعتصمين في ساحة الحبوبي بمأمن تام ويوجد تعاون وتواصل بين المتظاهرين والقوات الأمنية لقطع الطريق أمام المتربصين والمغرضين، ولا صحة لما تداول في بعض شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية حول تعرض ساحة الحبوبي لأي تعرض أو اعتداء من أي جهة كانت وتستمر قيادة الشرطة بتأمين الحماية للمتظاهرين والمعتصمين في ساحات الاعتصام».
وفي صباح أمس، تجمع المحتجون عند جسر فهد، على الطريق السريع الذي يربط محافظات الفرات الأوسط جنوب العراق، قبل أن يقطعوه ويمنعوا مرور العجلات باتجاه الجنوب أو باتجاه العاصمة بغداد.
وقرر المحتجون السماح لعجلات الإسعاف، فضلاً عن الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية والطبية، والحالات الحرجة، فضلاً عن المسافرين بالمرور فقط.
وانضم إلى المتظاهرين عند الطريق الدولي السريع في ذي قار، عائلات شهداء تظاهرات المحافظة، رافعين صور ذويهم الذين سقطوا في الفترة منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، تعبيراً عن استمرار دعمهم للحراك الاحتجاجي.
وبعد ساعات، نصب محتجون يقدر عددهم نحو ثلاثة آلاف خيام الاعتصام على الطريق، تعبيراً عن تحول تظاهراتهم إلى اعتصام مفتوح، فيما قطع المتظاهرون في داخل المدينة، جسور النصر والحضارات، وعدد من التقاطعات الرئيسية.
وتسعى قيادة شرطة ذي قار إلى «إقناع» المتظاهرين بإنهاء قطع الطريق الدولي السريع، عبر وساطة يتبناها قائد شرطة المدينة العميد ريسان الابراهيمي، بالتعاون مع وجهاء العشائر، لكن تلك الوساطة لم تُثمر عن نتائج.