قررت الحكومة إجراء التعداد العام للسكان في جميع أنحاء العراق بعد معالجة القضايا الفنية مع هيئة الإحصاء في إقليم كردستان العراق، وزيادة الكلف المالية المخصصة لإجراء التعداد.
بغداد ـ «القدس العربي»: تنشغل الحكومة العراقية منذ أسابيع في إتمام الاستعدادات الخاصة بإجراء أول تعداد سكّاني في العراق منذ 37 عاماً، والمقرر أن يستمر من 20 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حتى العاشر من كانون الأول/ديسمبر، بمشاركة 120 ألفاً من العدّادين، وفيما يمثل إجراء التعداد في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل أبرز المعوقات، تظهر مخاوف محلية من سعي حكومي لرفع الضرائب على المواطنين، وقطع المعونات الاجتماعية عن ملايين المستفيدين.
وأجرى العراق آخر تعداد عام لسكّانه عام 1987 قبل أن يُجري «احصاءً» آخر بعد مرور 10 سنوات، غير إنه لم يشمل محافظات إقليم كردستان العراق (أربيل والسليمانية ودهوك) التي تتمتّع بحكمٍ ذاتي منذ تسعينيات القرن الماضي.
ووفق إحصاءات وزارة التخطيط العراقية، قدّرت سكّان العراق عام 2022 بأكثر من 42 مليون نسمة.
ولا تمتلك الحكومة العراقية قاعدة بيانات عن أعداد العراقيين وطبيعة عملهم، فضلاً عن افتقادها لمسوحات توثق الحالة الاجتماعية للسكّان ودخلهم ومستوياتهم المعيشة، معتمدة على التقديرات.
وعلى هذا الأساس، قررت الحكومة الاتحادية، برئاسة محمد شياع السوداني، إعلان حظر شاملً للتجوال يومي (20-21) تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، لإجراء تعدادٍ عام للسكّان، بالتعاون مع الأمم المتحدة.
ومن المقرر أن تجوب الفرق الجوالة (120 ألف موظف) جميع المحافظات والمدن العراقية- من الجنوب إلى الشمال- لإتمام عملية تعداد السكّان والمساكن، بالإضافة إلى تدقيق الحالة الاجتماعية.
وحسب تقديرات، فإن كلّفة مشروع التعداد العام للسكان تبلغ 459 مليار دينار (نحو 348 مليون دولار) بزيادة تبلغ 53 في المئة عن التخصيصات المالية للتعداد في موازنة 2024 والبالغة 300 مليار دينار.
واعتبر المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، خلال مؤتمر صحافي، أن «التعداد السكاني حدث مهم بالنسبة للعراق، وأن قرار إجرائه مثّل تحدياً كبيراً، خاصةً مع تنفيذه إلكترونياً».
من جانبه، قال رئيس هيئة الإحصاء ونظم المعلومات في الوزارة ضياء عواد، إن «العمل الفعلي للإحصاء سيبدأ الخميس المقبل وينتهي في 10 كانون الأول/ديسمبر» لافتاً إلى أن «يومي 20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري مخصصان لإحصاء السكان والمساكن فقط».
ويحث المسؤولون والسياسيون في العراق على أهمية إجراء التعداد السكاني في البلاد لينظم إليهم أخيراً رجال دين سنّة وشيعة.
وشدد خطيب الجمعة في جامع الإمام «ابو حنيفة» في منطقة الأعظمية في بغداد، عبد الوهاب السامرائي، على أهمية التعداد العام للسكان ودوره المحوري في تحديد احتياجات المدن والمناطق المختلفة من الخدمات والبنى التحتية.
وأشار السامرائي وهو أحد أعضاء المجمع الفقهي العراقي في خطبة صلاة الجمعة إلى أن «التعداد العام، الذي سيُجرى خلال منتصف هذا الأسبوع بالتزامن مع إجراءات تشمل إجازة وحظراً للتجوال، يعد قضية مفصلية لكل فرد ومجتمع».
وأوضح أن «نتائج التعداد تسهم في تحديد احتياجات السكان من المدارس، والمواقف، وإمداد الكهرباء، والبنى التحتية الأخرى، إلى جانب الوظائف والخدمات الأساسية».
وأفاد السامرائي بأن «الدول المتقدمة تعتمد على هذه البيانات للتخطيط السليم وتوفير الإمكانات اللازمة من خلال دوائرها ووزاراتها. لذلك، يعد التعداد واجبًا على كل فرد لضمان حقوقه والنهوض بواقعه».
كما دعا خطيب جامع «أبو حنيفة» إلى أهمية «مشاركة الجميع في هذه العملية» محذرًا من أن «غياب أي شخص عن التعداد قد يؤدي إلى تجاهل احتياجات منطقته أو مدينته في الخطط المستقبلية».
وحثّ السامرائي على «التعاون الكامل مع إجراءات التعداد» مؤكدًا أن ذلك «واجب على كل مسلم ومسلمة لضمان حقوق الأجيال القادمة».
كذلك، دعا إمام جمعة النجف صدر الدين القبانجي، العراقيين جميعاً، إلى المشاركة في التعداد السكاني من أجل الحفاظ على الحقوق والامتيازات لكل محافظة.
وقال في خطبة الجمعة إن «التعداد السكاني الذي سيكون في نهاية الأسبوع المقبل، تأتي أهميته من التأثير على الموازنة أولا، والتأثير على حصة المقاعد الانتخابية ثانيا، والتأثير على حصة التعيينات».
وتمثّل قضية «المناطق المتنازع عليها» أبرز العقد في طريق إتمام التعداد العام للسكّان، بالنظر لارتباطها بتأثيرات سياسية أسهمت في إحداث تغييرات ديموغرافية، سواء في حقبة النظام السابق أم ما بعد 2003.
غير أن الحكومة العراقية، قررت إجراء التعداد العام للسكان «في جميع أنحاء العراق» بعد معالجة القضايا الفنية مع هيئة الإحصاء في إقليم كردستان العراق، وزيادة الكلف المالية المخصصة لإجراء التعداد، وقيام وزارة المالية بمناقلة الأموال المطلوبة لتسيير أعمال التعداد دون أيّ تلكؤ، حسب اجتماعها الأخير.
ويقول الهنداوي في تصريح للوكالة الرسمية، إن «قرارات مجلس الوزراء الأخيرة بشأن التعداد السكاني مهمة، وبواقع 7 قرارات ركزت على العودة إلى قرار المحكمة الاتحادية الصادر في عام 2010 والذي فصل بين موضوعي التعداد العام للسكان والإحصاء السكاني الوارد في المادة 140» المتعلقة بمصير إدارة المناطق المتنازع عليها.
وأضاف: «من القرارات أيضا تشكيل فرق مشتركة لإجراء التعداد في المناطق المتنازع عليها، وهذه الفرق تتألف من ممثلين عن المكونات العربي والكردي والتركماني، وإذا كانت في المنطقة أغلبية مسيحية يضاف عنصر رابع للفريق من المسيحيين، حتى يتم التعداد في هذه المناطق».
أما المدير التنفيذي العام للتعداد العام للسكان بوزارة التخطيط، علي عريان، فيؤكد «سيتم هذه المرة عد السكان عداً فعلياً لأخذ معلومات تفصيلية كاملة. معلومات ديموغرافية وبعض الخصائص الاجتماعية والاقتصادية وبعض الأمور التي تهم الصحة للأسرة فرداً فرداً».
ولفت إلى أنه «كثر في مواقع التواصل الاجتماعي أن إحصاء معلومات المواطنين وعملهم وممتلكاتهم سترتبط لاحقاً بفرض ضرائب أو التزامات، وهو ما يسمى السلع المعمرة، وهو مؤشر اقتصادي ضروري وأوصت به الأمم المتحدة كونهم شريكاً معنا في تصميم الاستمارة وفي كافة مراحل العمل عن طريق صندوق الأمم المتحدة للسكان».
واعتبر المسؤول الحكومي الاتحادي أن «التعداد عمل تنموي يستهدف متطلبات التنمية للإنسان ليس الهدف منه قطع الإعانات الاجتماعية أو فرض الضرائب على السكان، وإنما تعداد عام للسكان والمساكن والحيازات والمنشآت الصناعية شامل لكل العراقيين من زاخو (في أقصى الشمال) إلى الفاو (في أقصى الجنوب)».